"بلطجة عسكرية" أم تمهيد لتفاوض؟.. دلالات التصعيد الإسرائيلي قرب دمشق

في تطور أمني غير مسبوق منذ الإطاحة بالنظام السوري في كانون أول/ديسمبر الماضي، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي إنزالًا جويًا قرب العاصمة دمشق، تزامنًا مع توغل بري محدود في ريفها الغربي.
وقد فتحت هذه العملية، التي نُفذت فجر يوم الجمعة الماضي (4 تموز/يوليو)، الباب أمام تساؤلات متعددة حول دلالاتها وتوقيتها، في ظل متغيرات سياسية وأمنية متسارعة تشهدها الساحة السورية.
وقالت مصادر محلية لـ"قدس برس" إن مروحيات إسرائيلية نفذت إنزالًا مظليًا عند الساعة الثالثة فجر الجمعة، في منطقة "يعفور"، الواقعة على بُعد نحو 10 كيلومترات جنوب مركز العاصمة دمشق.
وأشارت المصادر إلى أن القوة الإسرائيلية مكثت في الموقع لفترة وجيزة قبل أن تغادر، دون الكشف عن تفاصيل العملية أو أهدافها المباشرة.
وفي سياق متصل، سُجّل توغل إسرائيلي محدود في منطقة "رخلة" بريف دمشق الغربي، قرب مدينة "قطنا"، في خطوة تُعد سابقة منذ استقرار الوضع الأمني في ريف دمشق عقب سقوط النظام السابق.
ووصف الخبير العسكري السوري، العقيد أحمد الحمادة، عملية الإنزال في "يعفور" بأنها "سابقة لافتة"، مشيرًا إلى أن الموقع المستهدف يقع قرب مناطق كانت تخضع سابقًا لسيطرة الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، مما يعزز احتمال أن العملية استهدفت "تفتيش موقع حساس أو جمع معلومات محددة".
ولفت الحمادة، في حديث مع "قدس برس"، إلى أن "الموساد الإسرائيلي يمتلك قدرات استخباراتية متقدمة"، مضيفًا أن العملية تأتي ضمن سلسلة من التوغلات التي بدأت إسرائيل بتنفيذها منذ سقوط النظام، خاصة في مناطق الجنوب وجبل الشيخ.
وأضاف أن منطقة "رخلة" تُتهم من قبل إسرائيل باحتضان عناصر محسوبة على المقاومة الفلسطينية أو مجموعات معارضة، مرجحًا أن تكون العملية تهدف إلى اعتقال شخصيات أو تفتيش منازل يُشتبه في احتوائها على معلومات أو وثائق.
وأشار إلى أن إسرائيل تحاول من خلال هذه العمليات إيصال رسالة واضحة مفادها أن "لديها القدرة على الوصول إلى أي نقطة داخل العمق السوري"، لا سيما في ظل تزايد التهديدات من إيران و"حزب الله" اللبناني.
ونوّه الحمادة إلى أن هذه العمليات لا تُعد استثناءً، بل تأتي ضمن نمط متكرر في المناطق الحدودية، مستشهدًا بعمليات التوغل في مناطق "رويحينة" و"الرفيد" و"الحميدية"، والتي شملت تجريف منازل ومواقع في الجنوب السوري، ضمن ما تسميه إسرائيل "إجراءات لحماية أمنها القومي".
على الصعيد ذاته، حذّر المحلل العسكري السوري، العميد عبد الله الأسعد، من أن إسرائيل "تسابق العمل السياسي بالعمل العسكري"، مؤكدًا أن العمليات الأخيرة في "يعفور" و"رخلة" تأتي ضمن خطة لفرض وقائع جديدة على الأرض، قبيل أي مسار تفاوضي محتمل مع الحكومة السورية.
ونوّه الأسعد، في حديث مع "قدس برس"، إلى أن إسرائيل تسعى لاستطلاع مواقع سابقة لـ"حزب الله" قرب دمشق، وتهدف إلى امتلاك أوراق تفاوضية قائمة على احتلال أراضٍ إضافية، بدلًا من الانسحاب من الجولان، مستغلة المناخ السياسي الناتج عن الاتفاقيات المتوقّع إبرامها بين الولايات المتحدة والحكومة السورية.
ووصف الأسعد السلوك الإسرائيلي بأنه "أسلوب بلطجة عسكرية"، يهدف إلى ترسيخ واقع ميداني يخدم أجندة تل أبيب على حساب السيادة السورية، ويؤسس لمنطقة عمليات أمنية إسرائيلية داخل الأراضي السورية.
وتطرح العملية الإسرائيلية الأخيرة قرب دمشق العديد من الإشارات حول ملامح المرحلة القادمة في الجنوب السوري.
وبينما تبدو تل أبيب عازمة على توسيع نطاق تدخلها الأمني والعسكري، تبقى الأسئلة مفتوحة حول رد الفعل السوري، وحدود التسويات الممكنة في ظل بيئة سياسية لا تزال قيد التشكّل.