إغارة "القسام" في خان يونس.. دلالاتها العسكرية والسياسية؟

في وقت يظن فيه الاحتلال أنه أحكم قبضته على قطاع غزة، وبينما يعاني الفلسطينيون من حصار خانق ومجازر مستمرة منذ ما يزيد على 640 يومًا، جاءت مشاهد العملية الأخيرة في خان يونس لتقلب معادلات المعركة، وتعيد تشكيل الوعي السياسي والعسكري من جديد.

العملية التي وُثقت بعدة زوايا وبُثّت مقاطع مصورة منها، لم تكن مجرد كمين عابر، بل وُصفت من قبل خبراء عسكريين بأنها "عملية إغارة متكاملة"، تحمل دلالات استراتيجية عميقة وتكشف عن مستوى متقدّم من الاحتراف في الأداء والتكتيك.

ويرى هؤلاء الخبراء أن توقيت العملية، وموقع تنفيذها، ونوعية التشكيلات المشاركة فيها، كلها تعكس تطورًا لافتًا في أداء المقاومة بعد أكثر من 640 يومًا من المواجهة.

إغارة احترافية متعددة الأبعاد

من جهته، قال الخبير في الشأن العسكري والاستراتيجي، نضال أبو زيد، إن العملية التي نفذتها المقاومة في خان يونس، والتي بُثت مقاطع منها مؤخراً، ليست مجرد كمين، بل هي عملية "إغارة" متكاملة، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات عسكرية.

وأوضح أبو زيد في حديث لـ"قدس برس" أن "الإغارة" تُعد من أعقد أشكال عمليات حرب العصابات، نظراً لما تتطلبه من عناصر المفاجأة، وقدرة عالية على التعامل مع التضاريس، وإدارة دقيقة للموارد المتاحة.

وتابع: "خلافاً للكمين الذي تحدد فيه المقاومة المكان وتنتظر الهدف، فإن الإغارة تعني السيطرة الكاملة على الزمان والمكان والهدف، وهذا ما تجلّى بوضوح في عملية خان يونس".

وأشار إلى أن العملية نُفذت في منطقة "المحطة" القريبة من "السكة"، بين طريق جمال عبد الناصر وصلاح الدين، وهي منطقة استراتيجية تبعد نحو كيلومتر واحد فقط عن قلب خان يونس، مما يعكس جرأة المقاومة في اختراق العمق القتالي للعدو.

وقال أبو زيد إن المقاطع التي بُثت أظهرت احترافاً عالياً من حيث توزيع المهام: فرق تغطية نارية، مجموعات تنفيذ، وأخرى للإخلاء، إضافة إلى التصوير المتعدد الزوايا الذي جسّد البعد الإعلامي للعملية. وأضاف: "هذا التنسيق يعكس تطوراً ملحوظاً في أداء المقاومة بعد أكثر من 640 يومًا من الحرب".

وتابع: "المثير في المقطع أيضاً ما ورد على لسان أحد المقاومين حين أشار إلى أن الدبابة المستهدفة تتبع للسرية الثالثة، ما يدل على قدرة استخبارية عالية لدى المقاومة، ومعرفة دقيقة بتوزيع وحدات العدو ومعداته العسكرية".

أبو زيد رأى أن تنفيذ العملية في منطقة "المحطة"، يشير إلى تحوّل في تحركات الاحتلال. "فبعد أن كان يعتمد الطرق الرئيسية، بدأ يتجنبها خوفاً من العبوات، ويتحرك داخل الأزقة والطرق المدمرة، لكن المقاومة لاحقته إلى هناك وأوقعت به".

وتحدث عن تحركات عسكرية للمقاومة خلال 72 ساعة سبقت العملية، في قوس جغرافي يمتد من "القرارة" إلى "السكة" و"المحطة"، وصولاً إلى "بطن السمين" شمال غرب خان يونس.

وعلّق: "هذا يدل على أن الاحتلال فشل في التقدّم من محاور متعددة، منها عبسان الكبرى، الزنة، بني سهيلا، وقيزان النجار، فلجأ إلى فتح محور جديد لكنه فوجئ بكمين إغارة مُحكم كلّفه خسائر فادحة".

وفيما يتعلق بخسائر الاحتلال، أكد أبو زيد أن ما يُعلنه الاحتلال لا يعكس الواقع، موضحاً أن الدبابة "ميركافا" المستهدفة، والتي يبلغ وزنها نحو 65 طناً، تحمل عادةً طاقماً من أربعة جنود، وقد تُستخدم أيضاً كناقلة جنود، ما يرفع العدد المحتمل لمن كانوا بداخلها إلى ثمانية أو حتى 12 جندياً.

وقال: "وفقاً للمشاهد، يبدو أن جميع من كانوا داخلها إما قُتلوا أو أُصيبوا، وهو ما يرفع حجم الخسائر البشرية أكثر مما يعترف به الاحتلال".

ورصد أبو زيد تغيرًا في طبيعة عمليات المقاومة بعد 11 يونيو، حيث باتت تركز على استهداف جنود الاحتلال داخل الآليات أو أثناء تحركهم، مع تراجع واضح في الاشتباكات المباشرة أو عمليات القنص. وأرجع ذلك إلى أوامر محتملة صدرت للجنود بعدم مغادرة الآليات، وهو قرار - برأيه - يتنافى مع قواعد الاشتباك في المناطق المبنية، حيث يتطلب القتال نزول المشاة لتحقيق ثلاثية "التطهير، والسيطرة، والتثبيت".

واختتم أبو زيد حديثه بالتساؤل الأعمق:كيف استطاعت المقاومة، رغم كل هذا الحصار والعدوان، أن تصمد 641 يوماً في وجه واحدة من أقوى الجيوش عالمياً؟

وأجاب: "ربما تكمن الإجابة في معادلة بسيطة: قدرة المقاومة على إعادة إنتاج نفسها، أسرع من قدرة الاحتلال على تدميرها".

رسالة استراتيجية

واعتبر المحلل السياسي إياد القرا أن "العمليات الأخيرة التي نفذتها كتائب القسام في خان يونس تحمل دلالات تتجاوز حدود العمل الميداني، وتشير إلى تحوّل واضح في مجريات المعركة".

وأوضح القرا في حديث لـ"قدس برس"، أن "العملية التي نُفذت في شرق خان يونس، ووسط المدينة، وقبلها في الزنة وعبسان، تؤكد أن الاحتلال، رغم الاجتياحات المتكررة والتدمير واسع النطاق، فشل في تفكيك بنية المقاومة أو تقليص قدرتها على المبادرة والفعل الميداني".

وأضاف أن "المقاومة أثبتت مجددًا أنها قادرة على التخطيط والتنفيذ في مناطق يزعم الاحتلال أنه أخضعها بالكامل، ما يكشف عن فشل استخباراتي وعسكري مزدوج. نوعية الاستهداف، والكمائن المنصوبة للوحدات الخاصة، تعكس استنزافًا متواصلاً، لا لقوات العدو فقط، بل لهيبته ومعادلة الردع التي يتغنى بها".

وأكد أن "هذه العملية تحمل رسالة استراتيجية بأن المقاومة تفاوض من موقع القوة، وترى أن الميدان لا يُلغى بالتفاوض، بل يُدعّمه، وأن أي اتفاق لا يحقق وقفًا شاملًا للعدوان وانسحابًا حقيقيًا من الأراضي المحتلة، سيكون هشًّا وغير قابل للحياة".

وأشار القرا إلى أن "تنفيذ العملية في خان يونس – المدينة التي تعرضت لأكبر موجات التدمير خلال الحرب – له بعد رمزي بالغ، يُظهر أن ما قيل إنه (أُخضع بالكامل) قد عاد ليكون بؤرة اشتباك وموقعًا لتفجير كمائن".

وختم القرا تحليله بالقول: "العملية تشكل دفعة معنوية قوية للجمهور الفلسطيني، وتبعث برسالة مزدوجة إلى العدو والشعب على حد سواء: المعركة لم تنتهِ، والميدان ما زال يتكلم بلسان المقاومة".

وعرضت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، أمس السبت، مشاهد لإغارة مقاتليها على تجمع لآليات وجنود الاحتلال الإسرائيلي واستهداف دبابتين بطريقة "العمل الفدائي" في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.

وتضمنت المشاهد الإغارة على تجمع لجنود وآليات الاحتلال حيث قاموا باستهداف دبابتي (ميركافا) بعبوتي شواظ بطريقة "العمل الفدائي" واستهداف ناقلة جند بقذيفة (الياسين 105) والاشتباك مع قوة الإنقاذ، وذلك في منطقة المحطة وسط مدينة خانيونس.

كما نشرت "القسام" مشاهد لاستهداف 3 ناقلات جند في منطقة المجمع الإسلامي وشارع البيئة وسط المدينة.

واعترف الاحتلال بمقتل جندي وإصابة عدد آخر بينهم قائد سرية في تلك العملية.

ودأبت فصائل المقاومة في غزة على توثيق عملياتها ضد قوات جيش الاحتلال وآلياته في مختلف محاور القتال، وظهرت خلال المقاطع المصورة تفاصيل كثيرة عن العمليات التي نفذت ضد قوات الاحتلال.

كما دأبت على نصب كمائن محكمة ضد جيش الاحتلال كبدته خسائر بشرية كبيرة، فضلا عن تدمير مئات الآليات العسكرية وإعطابها، إضافة إلى قصف مدن ومستوطنات بصواريخ متوسطة وبعيدة المدى.

وتستمر فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة في مناطق عديدة من قطاع غزة بعد استئناف جيش الاحتلال الإسرائيلي، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، عقب توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.

وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 193 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

 

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
3 أشخاص من عصابات "أبو شباب" يسلمون أنفسهم للمقاومة في غزة
يوليو 6, 2025
أعلنت وحدة "سهم" (شكلتها وزارة الداخلية في غزة عام 2024)، مساء الأحد، تسليم ثلاثة أشخاص من عصابة ما يعرف بـ"أبو شباب" لأنفسهم. وقالت الوحدة في بيان مقتضب، إنه "في ظل الحديث عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وبعد بيان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة صباح اليوم، ثلاثة أشخاص من عصابات ياسر أبو شباب
"حماس" ترحب بالبيان الختامي لقمة "بريكس"
يوليو 6, 2025
رحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الأحد، ما جاء في البيان الختامي لقمة (بريكس) المنعقدة في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، ودعوته لوقف إطلاق النار في غزة وانسحاب جيش الاحتلال، وإدانته لانتهاكات القانون الإنساني الدولي واستخدام التجويع وسيلة للحرب. ودعت "حماس" دول مجموعة "بريكس"، وكل دول العالم، إلى "ممارسة الضغوط على حكومة الاحتلال الإرهابي، للامتثال للقانون
جيش الاحتلال يعلن تدمير مواقع عسكرية جنوب سوريا بذريعة "التهديد المباشر"
يوليو 6, 2025
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، إنه نفّذ عمليات عسكرية في جنوب سوريا استهدفت مواقع قال إنها "تابعة لقوات النظام السوري"، وذلك رغم مرور نحو سبعة أشهر على سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. وأوضح جيش الاحتلال في بيان، أن قوات "لواء الجبال 810 تواصل نشاطها في منطقة جبل الشيخ القريبة من العاصمة دمشق"، مشيرا
جيش الاحتلال يشن غارات مكثفة على جنوب لبنان والبقاع
يوليو 6, 2025
نفذ الطيران الحربي والمسيّر التابع لجيش الاحتلال "الإسرائيلي"، مساء الأحد، سلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت مناطق متفرقة في جنوب لبنان والبقاع، في تصعيد ميداني جديد. وأفاد مصدر أمني لبناني من بيروت بأن الغارات تركزت على منطقتي بصليا وكفرملكي في إقليم التفاح جنوبي البلاد، إلى جانب وادي تبنا في بلدة البيسارية، تزامنا مع تحليق مكثف للطيران
هل يمنع الاحتلال توظيف المعلمين الدارسين في الجامعات الفلسطينية بالداخل المحتل؟
يوليو 6, 2025
رأى العديد من المتابعين، أنّ إقرار "الكنيست الإسرائيلية" وتصدبقها بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون وقرار بموجبه رفض منح رخصة تدريس لكل من يحمل شهادة من المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية، يرمي إلى "تحقيق العديد من المكاسب السياسية والوطنية وفي مقدمتها ضمان عدم تأثر الطلبة بالأبعاد الوطنية والإبقاء على حالة الفصل بين فلسطيني الداخل وأهالي الضفة الغربية". بدوره
بطولات جديدة لـ"القسام".. الكتائب تعلن عن عمليات جديدة ضد جيش الاحتلال
يوليو 6, 2025
أعلنت كتائب "القسام"، الجناح المسلح لحركة "حماس"، الأحد، دك تجمعات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في منطقتي "السطر" و"القرارة" شمال مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بقذائف الهاون. كما أعلنت "القسام" في بيان مقتضب، استهداف مغتصبتي "نيريم" و"العين الثالثة" بصواريخ "رجوم" من عيار 114 ملم. وفي وقت سابق أمس السبت، عرضت كتائب "القسام" مشاهد لإغارة مقاتليها على