من ساحات اللعب إلى همّ الإعالة.. أطفال غزة يكبرون قسرًا

في أرض الاستثناءات، حيث يعيش الأطفال ما لا تطيقه الأرواح، حُمّلوا على كاهلهم أعباء حياةٍ عجز عنها الكبار. فصار الصغير منهم مسؤولًا عن آخرين لا يفوقونه إلا بعامٍ أو عامين، ليكون لهم أبًا بعدما حرمهم الاحتلال والدهم، ليعيشوا أيتامًا دونه.

هنا غزة، حيث ذبلت الطفولة، وغابت البراءة، وشاخت الوجوه، وشهقت الأبصار. أطفال بلا مأوى، تحت ركام الحرب وبين الخيام، يكافحون يوميًا لإعالة إخوانهم وعائلاتهم، وسط الجوع والخوف والموت المستمر دون توقف.

في خيمة بالية، اهترأت أقمشتها بعد تعاقب شتاءين وصيف هو الأحرّ على الإطلاق، يجلس الطفل محمد أبو وردة (12 عامًا)، يهز شقيقته ذات العامين، والتي لم تنطق بعدُ كل حروفها، فصار لها أبًا تناديه "باب"، وتركض إليه كلما أرادت شيئًا.

لحظات قليلة كانت كفيلة بأن تجعل محمد معيلًا لعائلته، بعدما استُشهد والده وترك خلفه ثلاث بنات وابنًا وحيدًا، أصبح مسؤولًا عن أسرة كانت، حتى وقتٍ قريب، تراه طفلًا صغيرًا.

يقول محمد: "كنت قبل استشهاد أبي الطفل المُدلّل، لا يُردّ لي طلب، ألهو وألعب مع رفاقي دون أدنى مسؤولية. أما الآن، فقد انقلبت حياتي رأسًا على عقب، وأصبح واجبًا عليّ أن أهتم بأخواتي وأعين والدتي في هذه الحياة".

ويضيف: "منذ استشهاد أبي لم أعرف طعم الراحة، وكأن بركانًا ضرب حياتي. أصبحت مسؤولًا عن عائلة، ومطلوب مني أن أوفر لها ما تحتاجه... أن أجعلهم يشعرون وكأن أبي ما يزال موجودًا".

ويتابع في حديثه لمراسلة "قدس برس": "أنا في مرحلة أشد ما أحتاج فيها لمن يهتم بي، من يربّت على جراحي، لكنني فقدت والدي، والوقت لا يسمح لي بالبكاء عليه... الانهيار في هذه اللحظة سيكون كارثة تعقبها كوارث لا تُحصى".

ويشير إلى أنه يُخفي حزنه وألمه عن والدته، كي لا تشعر بالعجز أو ترى فيه ضعفًا يمنعها من الاعتماد عليه.

وتعيش الصغيرة ريما نصر الحال ذاته، بعدما فقدت والدتها في الحرب، لتُصبح أمًّا لإخوتها، تطبخ وتغسل وتقوم بأعمالٍ لا تقوى عليها نساءٌ كبيرات.

تقول ريما: "كنت دائمًا ألهو بدميتي، وأعاملها كأنني أمها. لكن اللعبة تحولت إلى واقع، وأصبحتُ أمًّا حقيقية لشقيقتيّ الصغيرتين. تولين تبلغ 3 سنوات، وصبا لم تتجاوز عامها السادس".

وتضيف في حديثها لـ "قدس برس": "أقوم بغسل الملابس، والطبخ، والعجين، إلى جانب تعبئة الماء والاهتمام بنظافة أخواتي".

وتشير الطفلة، التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، إلى أنها تفتقد والدتها في كل لحظة، وفي كل خطوة تخطوها. تبكي بحرقة، ألما من حربٍ سرقت طفولتها وأجبرتها على لعب دور الأم في سنٍ مبكر.

الحكاية هنا ليست عن محمد وريما فقط، بل عن آلافٍ مثلهم، بل ملايين، من الأطفال الذين فقدوا والدهم أو والدتهم أو كليهما، ليُفتح بابٌ واسع من الوجع، عنوانه: "صغار غزة... طفولة انتزعت الحرب براءتها وأبقتها يتيمة دون معيل".

وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي عن تسجيل قرابة 30 ألف طفل يتيم، معظمهم فقدوا أحد والديهم أو كليهما خلال العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ويتوقّع الإعلام الحكومي أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 40 ألفًا، ضمن الفئة العمرية حتى 18 عامًا.

وتواجه منظومة رعاية الأيتام في قطاع غزة خطر الانهيار، في ظل تفاقم أوضاع العائلات، التي باتت عاجزة عن تحمّل أعباء الأطفال اليتامى، نتيجة الفقر الشديد والنزوح المتكرر.

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
"القسام" تعلن قنص جندي "إسرائيلي"
يوليو 12, 2025
قالت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" إنها تمكنت من "قنص جندي صهيوني وإصابته إصابة قاتلة" في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وكانت "القسام" قد أعلنت في وقت سابق من اليوم تدمير جرافتين عسكريتين من نوع D9 في مدينة غزة، قبل 10 أيام. بدورها قالت "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة
"سرايا القدس": دمرنا آلية عسكرية للاحتلال بخان يونس
يوليو 12, 2025
قالت "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، إنها دمرت آلية عسكرية تابعة للاحتلال بعبوة مزروعة مسبقا على طريق "كيسوفيم"، شمال شرق خان يونس، جنوبي قطاع غزة قبل 4 أيام. وكانت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" قد أعلنت في وقت سابق من اليوم تدمير جرافتين عسكريتين من نوع D9 في مدينة غزة، قبل 10
السويد.. تظاهرة حاشدة رفضًا لاستمرار العدوان على غزة
يوليو 12, 2025
خرج مئات الأشخاص في العاصمة السويدية ستوكهولم، مساء اليوم السبت، في تظاهرة حاشدة احتجاجًا على استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة والصمت الدولي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي. وتجمع المتظاهرون في ساحة "أودينبلان" استجابةً لدعوة من منظمات المجتمع المدني، مطالبين الحكومة السويدية بـ"التحرك العاجل لوقف جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة". وردد المشاركون شعارات
4888 دونمًا في قبضة الاحتلال: توسيع استيطاني جديد بالخليل
يوليو 12, 2025
قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الاستيلاء على أربعة آلاف و888 دونمًا من أراضي مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة لصالح الاستيطان. ويقضي الأمر العسكري الذي أصدره جيش الاحتلال، اليوم السبت، بوضع اليد على تلك الأراضي "لأغراض عسكرية"، قائلا إنه "يحق لأصحاب الحقوق في تلك الأراضي أو المتصرفين فيها تقديم اعتراض على الأمر". بدورها دعت بلدية سعير
حماس: الاحتلال يرتكب جرائم ممنهجة بدعم أمريكي عند نقاط المساعدات
يوليو 12, 2025
قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إن "أكثر من مئة فلسطيني استشهدوا منذ فجر اليوم السبت، في سلسلة من الهجمات التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على منازل مأهولة وخيام للنازحين في قطاع غزة، في تصعيد يعكس الطبيعة الفاشية والإجرامية للاحتلال وتجاهله الكامل للقيم والقوانين الإنسانية". وأضافت في بيان تلقته "قدس برس"، مساء اليوم السبت، أن الاحتلال
الاحتلال يصدر أمرا بإغلاق بحر غزة ومنع الصيادين من الإبحار فيه
يوليو 12, 2025
أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، ظهر اليوم السبت 12 تموز/ يوليو 2025، أمرا عسكريا يقضي بإغلاق بحر قطاع غزة بشكل كامل، ومنع الصيادين من الإبحار فيه حتى إشعار آخر، في خطوة وصفت بأنها تصعيد خطير يستهدف مصدر رزق آلاف العائلات الفلسطينية التي تعتمد على الصيد البحري لتوفير احتياجاتها الغذائية اليومية. وأفاد مراسل "قدس برس" في جنوب