من التعطيش إلى التهجير: كيف تستخدم "إسرائيل" المياه أداة طرد للفلسطينيين؟

في موازاة ممارساتها العسكرية والاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، تنتهج حكومة الاحتلال سياسة ممنهجة تقوم على الاستيلاء على مصادر المياه وسرقتها، وفرض سياسة التعطيش على الأرض والسكان، بهدف إحكام الهيمنة على الينابيع والآبار، وخلق واقع معيشي طارد يدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، لا سيما من مناطق الأغوار والريف.

في هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد التاج، أن "المياه تحوّلت في الضفة الغربية المحتلة إلى أداة استعمارية في يد الاحتلال الإسرائيلي، يُحكم من خلالها الخناق على الفلسطينيين، ويُعزّز بها وجود المستوطنات، ويُدفع سكان القرى والهضاب نحو الرحيل القسري".

ويُوضح التاج، في حديثه لـ "قدس برس"، أن الضفة الغربية تضم ثلاثة أحواض مائية رئيسية: الحوض الشرقي، الحوض الغربي، والحوض الشمالي. وعلى الرغم من أن معظم هذه الأحواض تقع ضمن الأراضي الفلسطينية، إلا أن "إسرائيل" تسيطر فعليًا على أكثر من 85 بالمئة من المياه الجوفية، وتسمح للفلسطينيين باستخدام كميات محدودة من خلال نظام تصاريح معقّد.

ويضيف أن سلطات الاحتلال تمنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة أو ترميم الآبار القديمة، بل وتقوم بتدمير المتبقي منها بحجة "عدم الترخيص"، كما يحدث في الأغوار الشمالية وقرى الخليل وبيت لحم. في المقابل، يُسمح للمستوطنين بحفر آبار عميقة واستغلال المياه بلا أي قيود تُذكر.

كما أشار التاج إلى أن شركة "ميكوروت" الإسرائيلية، وهي المزود الرئيسي للمياه، تهيمن على توزيع المياه في الضفة الغربية. إذ يُجبر الفلسطينيون على شراء المياه التي يُفترض أن تكون من حقهم، في حين تُزوَّد المستوطنات بكميات تفوق احتياجاتها، تُستخدم لري الحدائق والمزارع، ويحصل المستوطن الواحد على ما يعادل 3 إلى 5 أضعاف كمية المياه التي تُخصص للفلسطيني في المنطقة ذاتها.

من جانبه، يرى الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي، عزام أبو العدس، أن "حرب المياه تعد من أكثر الأدوات التي تستخدمها سلطات الاحتلال لممارسة مزيد من السيطرة على أراضي الضفة الغربية وتفريغها من سكانها".

ويشدد أبو العدس على أن سلطات الاحتلال وضعت، منذ سنوات، يدها على معظم الينابيع والآبار الارتوازية، خصوصًا في منطقة الأغوار، ومنعت الفلسطينيين من الاستفادة منها بأي شكل.

ويُذكّر في حديثه لـ "قدس برس" بأن المستوطنين حوّلوا العديد من الآبار والينابيع والأودية إلى مناطق سياحية ومزارات مغلقة مخصصة لهم فقط، وأقاموا حولها أسوارًا وعوائق تمنع الفلسطينيين من الوصول إليها.

ويرى أبو العدس أن "إسرائيل" تدرك تمامًا أن الأرض التي تفتقر إلى المياه لا تصلح للحياة، ولذلك تمارس سياسة تعطيش ممنهجة تطال الإنسان والحيوان والزراعة، خاصة في الأغوار والمناطق الريفية الفلسطينية.

ويكشف أن سلطات الاحتلال "أفرغت فعليًا أغلب مناطق الأغوار من سكانها بفعل نقص المياه، ما اضطرهم للهجرة إلى مناطق أخرى، بينما بات كثير من سكان القرى والريف يفكرون بالانتقال إلى المدن أو حتى إلى خارج فلسطين، نتيجة غياب مقومات الحياة الأساسية وعلى رأسها الأمن والمياه". وهو ما يراه أبو العدس جزءًا من استراتيجية الاحتلال الرامية للسيطرة الكاملة على أراضي الضفة.

تجدر الإشارة إلى أن معظم محافظات الضفة الغربية وقراها تعتمد بشكل شبه كلي على "إسرائيل" كمصدر رئيسي لتزويدها بالمياه. في المقابل، يمنع الاحتلال إقامة آبار ارتوازية أو مشاريع مائية فلسطينية، ويصادر غالبية الينابيع في القرى، مانعًا الأهالي من الانتفاع بها.

 

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مراقبون فلسطينيون: موقف الفصائل الموحد يعزز قوة التفاوض ويقطع الطريق على مشاريع الالتفاف
يوليو 7, 2025
في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يرافقه من ضغوط إقليمية ودولية لفرض صيغة لإنهاء الحرب، برزت مؤخرًا سلسلة من التصريحات والبيانات الصادرة عن قوى وفصائل فلسطينية، تؤكد على وحدة الموقف الوطني خلف خيار المقاومة. الأمر الذي يعكس وفق ما يرى مراقبون فلسطينيون حالة من التماسك الوطني غير المسبوق في مواجهة الضغوط الخارجية
"حماس" تجدد إدانتها لـ "الآلية القاتلة للمساعدات" في غزة
يوليو 7, 2025
جددت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إدانتها لما وصفته بـ"الآلية القاتلة للمساعدات" التي تُدار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي، معتبرةً أنها تحولت إلى "مصائد موت" تودي بحياة مزيد من المدنيين في قطاع غزة. وقالت الحركة، في بيان صحفي اليوم الإثنين، إن استمرار استخدام هذه الآلية يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد الضحايا، مشددة
دبلوماسيون بريطانيون سابقون يحثون ستارمر وماكرون على الاعتراف بالدولة الفلسطينية
يوليو 7, 2025
وجّه نحو 26 دبلوماسيًا بريطانيًا سابقًا رسالةً مفتوحة، نشرتها صحيفة /التايمز/ البريطانية اليوم الاثنين، إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعوهم فيها إلى الاعتراف بـ "دولة فلسطينية". وقد ضمّت الرسالة توقيع عدد من السفراء البريطانيين السابقين لدى دول في الشرق الأوسط، من بينهم السير دومينيك تشيلكوت، السفير السابق لدى تركيا، وبيتر
مبتورو الأطراف بغزة يترقبون التهدئة أملاً في فرصة للعلاج في الخارج
يوليو 7, 2025
على سرير متحرك في أحد ممرات مستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، يرقد الفتى يوسف أبو خوصة (14 عاما) بعينين تتشبثان بالأمل، وساقٍ واحدة تبقت له بعد أن خطف القصف الإسرائيلي ساقه الأخرى قبل شهور. يمرّر يوسف كفَّه النحيل على موضع البتر، ويتحدث بصوت خافت عن قصته قائلاً: "كنت نائماً في سريري، وفجأة سقط صاروخ
لحظاتٌ أحدُّ من السيف... على نار الانتظار يترقب الغزيون إعلان هدنة الـ 60 يوما
يوليو 7, 2025
تسود قطاع غزة حالةٌ من الخوف والقلق والترقب، بحثًا عن خبرٍ يحمل بشرى نهاية كابوسٍ دام لما يقارب العامين، لم يعرف خلالهما الغزيون طعمًا للراحة، وتجرّعوا صنوف العذاب والقهر والحرمان. يحدّقون بعيون شاخصة نحو العواجل، لعلّ إحداها تحمل نبأً واحدًا يُنذر بانتهاء هذه المقتلة. يتأمل الغزيون أن تكون نهاية هذا اليوم (الاثنين) بوابة لبداية جديدة،
الصحة في غزة: 105 شهداء و 356 إصابة خلال 24 ساعة
يوليو 7, 2025
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 105 شهداء، و 356 إصابة خلال 24 ساعة الماضية. وقالت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الإثنين، إن عددا من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.  وأفادت بـ"ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 57 ألفاً و