لحظاتٌ أحدُّ من السيف... على نار الانتظار يترقب الغزيون إعلان هدنة الـ 60 يوما

تسود قطاع غزة حالةٌ من الخوف والقلق والترقب، بحثًا عن خبرٍ يحمل بشرى نهاية كابوسٍ دام لما يقارب العامين، لم يعرف خلالهما الغزيون طعمًا للراحة، وتجرّعوا صنوف العذاب والقهر والحرمان. يحدّقون بعيون شاخصة نحو العواجل، لعلّ إحداها تحمل نبأً واحدًا يُنذر بانتهاء هذه المقتلة.

يتأمل الغزيون أن تكون نهاية هذا اليوم (الاثنين) بوابة لبداية جديدة، مع إعلان اتفاق على هدنة تمتد لـ 60 يومًا، تمنحهم قسطًا من الراحة بعد عناء لم يتوقف، مع الموت والدمار. الأمل يحدوهم، بأن الفرج سيكون بقدر حجم الألم والمعاناة التي تكبدوها خلال حرب الإبادة الجماعية.

عامٌ وتسعة أشهر مرّت كعِقدٍ ثقيل من الزمان، أرخى بظلال أيامه القاسية على أرواحهم، وصاغت سطوره بالنزوح المتكرر، والبعد عن الديار، وفقدان الأحبة، ولسعات برد قارس، وصيفٍ لاهب لم يرحم ضعفهم، فكانت حرارته نارًا تكوي القلوب دون شربة ماءٍ تبرد حرقة الأرواح التي فقدت أعزّ ما تملك. أرواحٌ وحيدةٌ تداري وجعها وتضمد جراحها، على أمل أن تأتي الأيام المقبلة حاملةً فرحة عنوانها: "الاتفاق على وقف إطلاق النار بغزة ودخوله حيز التنفيذ".

"ننتظر بفارغ الصبر إعلان الاتفاق على هدنة تستمر 60 يوما، تحمل في طياتها انتهاء هذه الحرب والعودة إلى رفح بعد كل هذا الغياب"، يقول المواطن الغزي تيسير مغاري.

ويضيف: "لا مشاعر محددة في هذه اللحظات، فالأخبار المبشرة بقرب الهدنة سرعان ما تنقلب، فالاحتلال لا أمان له. في أي لحظة، قد يُسحب الوفد المفاوض من الدوحة وتُعلن فشل الجولة كسابقاتها".

ويتابع في حديثه لـ "قدس برس": "نعيش لحظات مليئة بالخوف والقلق من توحّش الاحتلال وارتكابه مجازر مضاعفة. ففي كل مرة يُعلن فيها عن هدنة، يكشر عن أنيابه ويرتكب المزيد من المجازر، التي قد تطال أحبابنا".

ويؤكد: "أعلم جيدًا أن رفح لم يعد لها أثر، وربما تكون خارج حدود التهدئة، لكنني أتشوّق لاحتضان ترابها والعيش داخل خيمة هناك، وسط أهلي وجيراني".

ويشير إلى أنه، وبمجرد دخول التهدئة حيّز التنفيذ، سيتجه راكضًا إلى رفح دون أن ينظر خلفه، ليبدأ من جديد بناء حياته على ترابها.

أما النازحة من مدينة جباليا هدى عيظ، فوصفت شعورها مع تسارع الأخبار حول التهدئة، بقولها: "خايفة كتير أكون بحلم وما يكتمل، خايفة تضل العودة للشمال أمنية صعب تتحقق".

وتقول عيد لـ "قدس برس": "تطور الأحداث والحديث عن قرب إعلان وقف إطلاق النار، يمنح شعورًا بأن الفرج بات قريبًا، وربما هو أقرب مما نتصوّر. مشاعر مختلطة تجمع بين الحنين للديار والحزن على من رحلوا دون وداع".

وتضيف: "صحيح أن فرحتنا كبيرة، لأن الحرب ستضع أوزارها، وسينتهي كابوس القتل والتشرد والجوع، إلا أن العودة إلى جباليا دون وجود الأهل غصّة كبيرة ووجع لا يمكن وصفه".

ذات الحال يعيشه محمد أبو الروس، النازح من "خانيونس" والمقيم حاليًا في "دير البلح"، حيث يتابع عن كثب تفاصيل ما يجري في الدوحة، ويرقب زيارة رئيس حكومة الاحتلال إلى البيت الأبيض، آملاً أن تُفضي هذه اللحظات إلى نهاية المقتلة إلى الأبد.

يقول أبو الروس: "لا تمر هذه الساعات كغيرها، تشعر وكأن الساعة بعام، وكأن الوقت نفسه يحاربك ويعلم حجم الشغف في انتظارك لإعلان نهاية الحرب".

ويضيف لـ "قدس برس": "فرحة قرب الإعلان عن الهدنة، يرافقها خوف كبير من انقلاب الاحتلال على تفاصيل الصفقة، أو بروز خلافات تعرقلها".

ويتابع: "ننتظر بفارغ الصبر لحظة الإعلان، ولقاء الأحبة والجيران، والعودة إلى خانيونس، للبحث عن مكان نعيد فيه ما تبقّى من أيامنا بين الديار وبين أحضان أهلنا، لتُطوى صفحة التشرد والنزوح".

ويختم: "بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ، ما بدنا من حد شيء، بدنا يتركونا نعيش مثل ما كنا قبل الحرب. نعيد بناء بيوتنا بأيدينا، ونعمرها ونرجّعها مثل أول وأحسن".

ويشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كشف يوم 1 تموز/يوليو الجاري، في منشور على منصته "تروث سوشيال" أن "إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما"، مبيّنا أن "الوسطاء القطريين والمصريين سيتولون تقديم مقترح نهائي".

فيما أعلنت حركة "حماس" أنها سلّمت يوم الجمعة 4 تموز/يوليو الجاري، ردها للوسطاء على المقترح القطري المبني على مقترح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف المعدّل، واصفةً إيّاه بالإيجابي مع إدخال بعض التعديلات الفنية.

وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023 عدوانا على قطاع غزة، خلّف حتى اليوم أكثر من 191 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مراقبون فلسطينيون: موقف الفصائل الموحد يعزز قوة التفاوض ويقطع الطريق على مشاريع الالتفاف
يوليو 7, 2025
في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يرافقه من ضغوط إقليمية ودولية لفرض صيغة لإنهاء الحرب، برزت مؤخرًا سلسلة من التصريحات والبيانات الصادرة عن قوى وفصائل فلسطينية، تؤكد على وحدة الموقف الوطني خلف خيار المقاومة. الأمر الذي يعكس وفق ما يرى مراقبون فلسطينيون حالة من التماسك الوطني غير المسبوق في مواجهة الضغوط الخارجية
"حماس" تجدد إدانتها لـ "الآلية القاتلة للمساعدات" في غزة
يوليو 7, 2025
جددت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إدانتها لما وصفته بـ"الآلية القاتلة للمساعدات" التي تُدار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي، معتبرةً أنها تحولت إلى "مصائد موت" تودي بحياة مزيد من المدنيين في قطاع غزة. وقالت الحركة، في بيان صحفي اليوم الإثنين، إن استمرار استخدام هذه الآلية يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد الضحايا، مشددة
دبلوماسيون بريطانيون سابقون يحثون ستارمر وماكرون على الاعتراف بالدولة الفلسطينية
يوليو 7, 2025
وجّه نحو 26 دبلوماسيًا بريطانيًا سابقًا رسالةً مفتوحة، نشرتها صحيفة /التايمز/ البريطانية اليوم الاثنين، إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعوهم فيها إلى الاعتراف بـ "دولة فلسطينية". وقد ضمّت الرسالة توقيع عدد من السفراء البريطانيين السابقين لدى دول في الشرق الأوسط، من بينهم السير دومينيك تشيلكوت، السفير السابق لدى تركيا، وبيتر
مبتورو الأطراف بغزة يترقبون التهدئة أملاً في فرصة للعلاج في الخارج
يوليو 7, 2025
على سرير متحرك في أحد ممرات مستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، يرقد الفتى يوسف أبو خوصة (14 عاما) بعينين تتشبثان بالأمل، وساقٍ واحدة تبقت له بعد أن خطف القصف الإسرائيلي ساقه الأخرى قبل شهور. يمرّر يوسف كفَّه النحيل على موضع البتر، ويتحدث بصوت خافت عن قصته قائلاً: "كنت نائماً في سريري، وفجأة سقط صاروخ
من التعطيش إلى التهجير: كيف تستخدم "إسرائيل" المياه أداة طرد للفلسطينيين؟
يوليو 7, 2025
في موازاة ممارساتها العسكرية والاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، تنتهج حكومة الاحتلال سياسة ممنهجة تقوم على الاستيلاء على مصادر المياه وسرقتها، وفرض سياسة التعطيش على الأرض والسكان، بهدف إحكام الهيمنة على الينابيع والآبار، وخلق واقع معيشي طارد يدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، لا سيما من مناطق الأغوار والريف. في هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي
الصحة في غزة: 105 شهداء و 356 إصابة خلال 24 ساعة
يوليو 7, 2025
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 105 شهداء، و 356 إصابة خلال 24 ساعة الماضية. وقالت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الإثنين، إن عددا من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.  وأفادت بـ"ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 57 ألفاً و