محللون سياسيون وعسكريون: عملية "بيت حانون" حملت رسالة استراتيجية وأبعادًا عسكرية واستخبارية

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، وتزايد الضغوط الدولية لفرض تهدئة، باغتت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" قوات الاحتلال بعملية نوعية في بيت حانون شمال القطاع، قلبت الحسابات وأربكت الرواية الإسرائيلية من الداخل.
ويرى محللون سياسيون وعسكريون أن العملية التي نفذتها "القسام"، لم تكن مجرد عملية ميدانية، بل رسالة استراتيجية مزدوجة حملت أبعادًا عسكرية واستخبارية، وتزامنت مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، لتشكّل ضربة محرجة على أكثر من مستوى.
توقيت إستراتيجي
وقال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، إن "العملية النوعية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في بلدة بيت حانون، تمثل تصعيدًا ميدانيًا ضمن سلسلة عمليات بدأت منذ مطلع حزيران، وتشكل سياسية بالنار ألقيت على طاولة لقاء نتنياهو وترامب في واشنطن".
وأوضح أبو زيد في حديث لـ"قدس برس" أن للعملية دلالات زمانية ومكانية، "حيث جاءت في توقيت يُعدّ الأسوأ لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع مفاوضات وقف إطلاق النار، بينما نُفّذت ميدانيًا في منطقة تُصنَّف ضمن (الحزام الأمني) شمال قطاع غزة، والتي سبق أن دخلها الاحتلال ضمن ثلاث حملات رئيسية: (السيوف الحديدية)، و(خطة الجنرالات)، و(عربات جدعون).
وأضاف أن "العملية في هذه المنطقة المحصنة، يكشف حجم الانكشاف العملياتي لقوات الاحتلال، ويؤكد أن الحرب بدأت تأكل نفسها، بعد أن تحولت إلى عبء ميداني لا طاقة للجيش الإسرائيلي على تحمّله".
واعتبر أبو زيد أن "استهداف كتيبة (نيتسح يهودا) التابعة للواء (كفير)، أحد ألوية الفرقة 97 التي دخلت مؤخرًا إلى غزة، يثبت قدرة المقاومة على الرصد الدقيق، واختيار أهداف عالية القيمة، سواء من حيث الموقع أو التوقيت".
رسائل مزدوجة
من جهته، رأى المحلل السياسي إياد القرا أن "الهجوم النوعي في بيت حانون يحمل رسائل سياسية وأمنية مزدوجة، لا سيما أنه تزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، ما يجعل منه صفعة مباشرة توازي الملفات التي يحملها، وفي مقدمتها صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار".
وقال القرا، في حديث لـ"قدس برس"، إن العملية "أعادت إلى الأذهان عملية خان يونس الأخيرة، التي وُصفت بأنها الأعقد منذ أشهر، وسبقتها عملية أخرى قبل أسبوعين، ما يؤكد أن المقاومة ما زالت صاحبة المبادرة، وقادرة على ضرب المنظومة الأمنية الإسرائيلية في مقتل".
وأشار إلى أن "الاحتلال ادّعى سابقًا أنه (مسح بيت حانون)، لكن العملية التي نفذت من قلب المنطقة، أسقطت هذه المزاعم، وكشفت مجددًا عن فشل استخباراتي وميداني ذريع".
ولفت القرا إلى أن العملية جاءت "في خضم تصاعد التوتر داخل القيادة الإسرائيلية، ووجود شرخ واضح بين رئيس الأركان، ونتنياهو، والكابينت، ما يجعل العملية مساهمة مباشرة في تعميق الأزمة الداخلية".
كما أشار إلى أن "المنظومة العسكرية التي روّج لها الاحتلال، بما في ذلك (عربات جدعون) والتقنيات المتقدمة، فشلت في كشف أو إحباط الهجوم، مما يعكس حدود الرهان على التفوق التكنولوجي دون حسم سياسي أو ميداني".
واختتم القرا بالقول: "في لحظة كانت إسرائيل تستعد فيها لاستعادة ثمانية أسرى ضمن صفقة تبادل، فقدت في المقابل ثمانية جنود قتلى في بيت حانون. إنها معادلة جديدة: قتلى مقابل أسرى، من شأنها أن تُربك الجبهة الداخلية وتُحدث صدمة في بنية القرار الإسرائيلي".
واعترف جيش الاحتلال، صباح اليوم الثلاثاء، بمقتل خمسة من عناصره في حادث ميداني وُصف بـ"الخطير"، وقع في منطقة "بيت حانون" شمال قطاع غزة، وذلك خلال عملية تمشيط تنفذها قوات الاحتلال منذ مساء السبت. كما أُصيب 14 جنديًا بجروح متفاوتة، بينهم اثنان حالتهما خطيرة، لترتفع بذلك حصيلة قتلى جيش الاحتلال منذ بداية الحرب إلى 888 عسكرياً.
وصرح الناطق العسكري باسم "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، "أبو عبيدة"، بأن العملية المركبة التي نفذها مقاتلو الكتائب في منطقة "بيت حانون" شمال قطاع غزة ليلة الاثنين/الثلاثاء، تمثل "ضربة إضافية لهيبة جيش الاحتلال ووحداته الخاصة"، معتبراً أن الاحتلال كان يظن أن الميدان بات آمناً بعد تدمير معظم معالمه.
وأضاف أبو عبيدة في تصريح صحفي نشره على حسابه في منصة "تليغرام" اليوم الثلاثاء، أن "معركة الاستنزاف" التي تخوضها المقاومة الفلسطينية من شمال القطاع إلى جنوبه، ستُلحق خسائر متواصلة بقوات الاحتلال، مشيراً إلى أن تمكن الاحتلال مؤخراً من سحب جنوده من بعض المواقع كان "بأعجوبة"، وأنه "قد لا ينجح في ذلك لاحقاً، ما قد يؤدي إلى وقوع أسرى جدد في قبضة المقاومة".
وأكد المتحدث أن "صمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاوميه" هما العاملان الحاسمان في تشكيل المعادلات الميدانية ورسم ملامح المرحلة المقبلة، محذراً من أن "القرار الأكثر غباءً الذي يمكن أن يتخذه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو هو الإبقاء على قواته داخل قطاع غزة".
وفي تفاصيل الهجوم فجر مقاتلو المقاومة عبوة ناسفة في مدرعة كانت تقل جنودا ثم استهدفوا روبوتا (آلة مبرمجة لأداء مهام معينة) محملا بالذخيرة بقذيفة مضادة للدروع.
كما استهدفت المقاومة أيضا قوة الإنقاذ التي هرعت لمكان الحادث، في حين سمع سكان مدينة عسقلان دوي "الانفجار الكبير"، وفق ما نقلته المواقع العبرية، التي قالت إن أحد المصابين ضابط كبير.
ويتبع الجنود المستهدفون وحدة "يهلوم" الهندسية التي تعمل على تفخيخ وتفجير منازل الفلسطينيين في القطاع.
وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 194 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.