غزة تعود إلى المقايضة: طحين مقابل أثاث وحلاقة بثمن كوب شاي

في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي يعيشها قطاع غزة، تشهد الأسواق الشعبية عودة واسعة لنظام "المقايضة" (أسلوب قديم من أساليب التبادل التجاري، يقوم على تبادل السلع أو الخدمات مباشرة دون استخدام النقود كوسيط) حيث تُعرض عشرات السلع غير التقليدية ليس للبيع، بل للمبادلة بسلع أخرى، في ظل انعدام السيولة النقدية والتوقف شبه الكامل للدورة الاقتصادية.
وباتت المقايضة النمط السائد في المعاملات التجارية داخل المخيمات ومحيط مناطق النزوح، حيث يعرض السكان مقتنيات منزلية ومواد غذائية مقابل الحصول على سلع أساسية، مثل عبوة شامبو أو كمية صغيرة من السكر أو القهوة.
وخلال جولة ميدانية أجراها مراسل "قدس برس" في سوق العطار بمنطقة المواصي في خان يونس جنوب القطاع، لوحظ انتشار واسع للأثاث المنزلي المعروض للمبادلة، ومن بين تلك المشاهد، كان الشاب حسن يقف خلف تسريحة خشبية، جزء من طقم نومه، عارضًا إياها مقابل كيس طحين.
وقال حسن لـ"قدس برس": "أسكن في خيمة منذ نزحي قبل شهرين، ومساحتها لا تتجاوز ثمانية أمتار مربعة، لم أعد بحاجة إلى السرير أو الخزانة، ففككتها وبعت الخشب كي أتمكن من إطعام أطفالي، أما التسريحة فلم يعد لها أي فائدة لذا قررت استبدالها بكيس طحين".
غير بعيد عنه، كان طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يجلس أمام عشرات علب الطعام المعلب من الفاصولياء والبازلاء، وينادي بصوت عالٍ: "أريد شامبو للاستحمام بدل هذه المعلبات".
وفي الزاوية الأخرى من السوق، كانت تُعرض ملابس أطفال مقابل عبوات من حليب الرضع، في مشهد يعكس انعدام الخيارات أمام الأهالي، واستبدالهم أدوات الراحة والرفاهية بأبسط مقومات البقاء.
حتى أصحاب المهن اليومية باتوا يلجؤون لهذه الأساليب، منهم على سبيل المثال لا الحصر، أصحاب صالونات الحلاقة، حيث باتوا يعرضون على الزبائن الحلاقة مقابل توفير بعض الطعام أو كوبا من الشاي أو فنجان قهوة بدلا من النقود.
وتأتي هذه الظاهرة في ظل استمرار العدوان على القطاع، وغياب شبه تام للرواتب والفرص الاقتصادية، ما دفع السكان للعودة إلى أساليب عيش بدائية، كتعبير واضح عن حالة الانهيار المعيشي والاقتصادي التي يشهدها القطاع منذ شهور.
بدوره يشير الباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر أن "نظام المقايضة يعد أحد الحلول الإبداعية والمهمة التي أوجدها المجتمع الغزي للتكيف مع أزمة انعدام وشح السيولة، وهذا التحول في نمط الاقتصاد يعتبر مؤقتا لحين وقف الحرب وإدخال المساعدات والبضائع بحرية كاملة".
وتابع في حديث لـ"قدس برس" اليوم الثلاثاء، أن "ظاهرة المقايضة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي يعيشها القطاع، وقد برزت وانتشرت بشكل واسع بسبب غياب السلع والفقر الشديد الذي يعصف بشريحة واسعة من الفلسطينيين، وعدم امتلاك المال الكافي للشراء".
ويواجه قطاع غزة أزمة حادة في توفر السيولة النقدية، جراء رفض قوات الاحتلال إدخال كميات من النقد "الكاش"، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رغم المطالبات المتكررة، وهو ما انعكس سلبا على ارتفاع في نسبة سحب الأموال من التجار والصرافين لتصل لأكثر من 50 بالمئة.
وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق، منذ ذلك الحين ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة خلفت نحو 194 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.