"النكسة".. تبعات سياسية وجغرافية لا تنتهي (إطار)

تمر اليوم الذكرى الـ56 على نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967، عندما شنت "إسرائيل" حربا على ثلاثة دول عربية، هي سوريا ومصر والأردن، دامت ستة أيام، وهزمت فيها الجيوش العربية.
وكان من نتائج هذه الحرب خسائر بشرية ومادية كبيرة، وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي، واحتلال الضفة الغربية، والشطر الشرقي من مدينة القدس، وقطاع غزّة، والجولان السوري، وصحراء سيناء المصرية.

اندلاع الشرارة
اندلعت الشرارة الأولى لـ "النكسة"، بعد إقدام سلاح الجو الإسرائيلي على شن هجوم مباغت على قواعد سلاح الجو المصري في سيناء، يوم 5 حزيران/يونيو 1967، واستغرقت هذه الحرب، التي نتجت عنها هزيمة الجيوش العربية، ستة أيام.
وأطلق الاحتلال على هذه الحرب اسم "حرب الأيام الستة"، وذلك من باب التفاخر بالمدة الزمنية القصيرة التي هزمت خلالها الجيوش العربية، ويقول مؤرخون عرب، إن "إسرائيل" استغلت عدة أمور، لتبرير شنها للحرب، ومنها إغلاق مصر لـ مضيق "تيران" بالبحر الأحمر يوم 22 أيار/مايو 1967 في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي اعتبرته "إعلانا مصريا رسميا للحرب عليها".
وتقول مصادر تاريخية وسياسية إن المستويات العسكرية الإسرائيلية كان لها دورٌ حاسمٌ في صناعة قرار حرب عام 1967، مع تهميش دور رئيس الحكومة آنذاك، ليفي أشكول.
وتضيف أن هذه الحرب، التي تبنّتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، جاءت في إطار خطط توسّعية إسرائيلية في المنطقة، خططت لها قبل عام 1967، ودرست تنفيذها من خلال شنّ عمليات عسكرية في دول عربية.
في المقابل، ادّعت الرواية الإسرائيلية أن الجيش بادر إلى المعركة لأهدافٍ دفاعية، بعد تقديره بوجود نوايا عربيةٍ هجومية من شأنها أن تشكّل خطراً وجودياً عليها.

تبعات الهزيمة
انتهت حرب 1967 عسكريا، لكن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته بعد، حيث تواصل إسرائيل احتلال الضفة الغربية، ومحاصرة قطاع غزة، إلى جانب ضم القدس والجولان لحدودها، والمضي في المشاريع الاستيطانية التهويدية بمدينة القدس المحتلة.
وبحسب تقارير فلسطينية، فإن سلطات الاحتلال استولت على 85 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كيلومتر مربع، وتواصل نهب مقوماتها، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15 بالمئة فقط، وتخضع لإدارة الاحتلال الإسرائيلي.
بحسب دائرة "الدبلوماسية والسياسات العامة" التابعة لمنظمة التحرير، فإن الهزيمة العربية في الحرب ترجع إلى عدة أسباب، أبرزها:
استخدم الكيان عنصر المفاجأة في ضرب القوات العربية، الأمر الذي أفقد العرب توازنهم وتسبّب بخسائر فادحة في صفوف جيوشهم، والتفوّق العسكري الإسرائيلي، خاصة في سلاح الجو، والذي ساعدها في السيطرة على ميادين القتال في الجبهات المختلفة.
إلا أن مؤرخون عرب ومراقبون، قالوا في مناسبات عدة، إن أحد أهم أسباب الهزيمة العربية، هي غياب الإرادة الحقيقية لدى الأنظمة العربية في مواجهة الخطر الإسرائيلي، وفق تقديرهم.

أبرز نتائج النكسة
تشير التقديرات إلى أن ما بين 15 إلى 25 ألف عربيّ، قُتلوا خلال الحرب، وأصيب حوالي 45 ألفاً، في مقابل مقتل نحو 650 إلى 800 إسرائيلي، وإصابة ألفين.
ودمّر كيان الاحتلال خلال الحرب، وفق دراسات تاريخية، ما يقدّر بنحو 70 - 80 بالمئة من العتاد العسكري في الدول العربية التي شاركت في الحرب، فيما لحق الضرر بنحو 2 - 5 بالمئة من عتادها العسكري.
وترتب على "النكسة"، وفق إحصائيات فلسطينية، تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة؛ معظمهم نزح إلى الأردن.
ووفق بيان لـ "هيئة شؤون الأسرى" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، فقد سجلت على مدى عقود "النكسة" أكثر من مليون حالة اعتقال نفذها الاحتلال الإسرائيلي، بينهم قرابة 4400 لا زالوا رهن الأسر.
أما احتلال الجانب الشرقي من مدينة القدس، فقد شكّل حدثاً تاريخياً ودينياً إسرائيلياً، ساعدها في بسط سيطرتها على ما تسمّيه بـ"القدس الكبرى"، وذلك لأول مرة منذ بداية الصراع الفلسطينيّ الإسرائيلي.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد دشّنت الحرب مشروع تمدّد الاستيطان الإسرائيلي إلى الضفة وغزة، ورسّخت مبدأ "فرض الأمر الواقع" بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية ونهب مواردها الطبيعية، بحسب المراجع التاريخية.
فتحت "النكسة" الباب للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وبخاصة في مدينة القدس، وقطاع غزة، وتشير تقديرات إسرائيلية وفلسطينية، إلى وجود نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها الشطر الشرقي من القدس المحتلة، يسكنون في 164 مستوطنة، و116 بؤرة استيطانية.

"أوسلو" وإعادة الاحتلال
استمر الاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر، للضفة الغربية وقطاع غزة، حتّى تأسيس السلطة الفلسطينية، عقب توقيع اتفاقية أوسلو للتسوية بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" عام 1993، والتي ترتب عليها تطبيق نظام الحكم الذاتي، في تلك الأراضي.
وكان من المقرر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب كيان الاحتلال، عقب انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999، وإنهاء الاحتلال لأراضي الضفة وغزة، حسبما تنص "أوسلو".
لكنّ "إسرائيل" تنصلت من التزاماتها، وبدلا من ذلك عززت الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وأعادت عام 2002 احتلال مناطق خضعت للسلطة الفلسطينية وفق الاتفاقية.
وبسبب السلوك الإسرائيلي، تعطلت "عملية السلام"، وتوقفت المفاوضات السياسية، ولا زالت متوقفة منذ فشل آخر جولة مفاوضات عام 2014 بسبب إصرار الاحتلال على بناء المستوطنات.
ومنذ تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، لصالح قرار منح فلسطين صفة دولة "مراقب"، لم تتوقف مساعي الفلسطينيين لإكمال عضويتهم كـ "دولة".

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
البرازيل.. دعوات رسمية لقطع العلاقات مع "إسرائيل" وتأكيد على عدالة القضية الفلسطينية
يوليو 3, 2025
عقد مجلس النواب البرازيلي جلسة رسمية، مساء أمس الأربعاء، لإحياء الذكرى الـ77 لنكبة الشعب الفلسطيني، وسط حضور سياسي ودبلوماسي وشعبي واسع، ومطالبات مباشرة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، شملت دعوات لقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معه. الجلسة جاءت بطلب من النائب عن "حزب العمال"، الأب جواو، وبمبادرة من المعهد "البرازيلي الفلسطيني-ابرسبال"، واحتضنها مبنى البرلمان في
قراءة في المقترح الأمريكي الجديد لوقف إطلاق النار في غزة
يوليو 3, 2025
في خضم تسريبات متزايدة حول تفاصيل الورقة الأمريكية لوقف إطلاق النار في غزة، تتحدث تقارير إعلامية عن مقترح مختلف من حيث الشكل والمضمون، تطرحه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بصيغة تحمل ملامح تحول سياسي لافت. هذه الورقة، التي يُروّج لها على أنها اتفاق متكامل يمتد لـ60 يومًا، تتضمن بنودًا غير مسبوقة، كوقف شامل لإطلاق النار،
أوقاف غزة تعلن نفاد القبور في القطاع وتطلق نداء لإكرام الشهداء بدفن كريم
يوليو 2, 2025
أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، الأربعاء، نداء إنسانيا عاجلا، محذّرة من نفاد القبور في معظم مناطق القطاع، نتيجة استمرار عدوان الاحتلال "الإسرائيلي" وما يرافقه من تدمير ممنهج للمقابر، ومنع إدخال مواد البناء ومستلزمات الدفن. وقالت الوزارة في بيان رسمي إن الاحتلال، ومنذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023، دمّر أكثر من 40
تصعيد استيطاني في الضفة: حرق أراضٍ جنوب نابلس وبؤرة جديدة قرب أريحا
يوليو 1, 2025
شهدت الضفة الغربية، اليوم الثلاثاء، تصعيدًا خطيرًا في النشاطات الاستيطانية، تمثل بإحراق مستوطنين لعشرات الدونمات الزراعية في قرية مادما جنوب نابلس، شمالي الضفة الغربية، وإقامة بؤرة استيطانية جديدة في منطقة المعرجات شمال غرب أريحا،شرقي الضفة الغربية المحتلة. وقال رئيس مجلس مادما القروي، عبد الله زيادة في تصريح صحفي، إن "مستوطنين أضرموا النيران في أراضٍ زراعية
خبراء يحذرون: الاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية ينهار وديون الموظفين قنبلة موقوتة
يوليو 1, 2025
"الاقتصاد الفلسطيني يواجه كارثة مالية وديونًا متراكمة تهدد بالانهيار البنيوي" – بهذه العبارة الصادمة افتتح البنك الدولي تقريره الأخير الصادر في حزيران/يونيو 2025، ليدق ناقوس الخطر بشأن الحالة الاقتصادية والمالية في مناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة. غير أن الأزمة لم تعد في خانة التحذير، بل تحوّلت إلى واقع يومي يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية،
الصحة في غزة: توقف خدمة غسيل الكلى من مجمع الشفاء الطبي بسبب نفاد الوقود
يوليو 1, 2025
أعلنت وزارة الصحة في غزة توقف خدمة غسيل الكلى من مجمع الشفاء الطبي بسبب نفاد الوقود، والاقتصار على تقديم خدمة العناية المركزة فقط لساعات قليلة. وقالت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس" اليوم الثلاثاء، إن "الاستمرار في عدم توفير الوقود يعني الموت المحتم لكافة المرضى والجرحى في المستشفيات". وأضافت أنها "تعاني من أزمة خانقة