أين تكمن التوراة في تسميات الاحتلال لحروبه ضد غزة؟

أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي تسمية "مطلع الفجر" (في ترجمات أخرى: الفجر الصادق) على عدوانه المتواصل، الذي يشنه على قطاع غزة، منذ عصر الجمعة.

ويرى مختصون، في أحاديث منفصلة لـ"قدس برس"، أن كلاً من تسميات الاحتلال الإسرائيلي لحروبه، وتسميات المقاومة الفلسطينية لمعارك الرد، تحمل معاني عميقة، موجهة لكلي الجمهورين، الإسرائيلي والفلسطيني.

يقول الباحث في مؤسسة "يبوس" للاستشارات والدراسات الاستراتيجية (مركز بحثي مستقل مقره رام الله)، كريم قرط: "اعتدت أن تحمل التسميات التي يطلقها الاحتلال على عملياته العسكرية بعدًا دينيًا، ومغزًى معينًا، وليست تسمية عشوائية".

وأضاف في حديثه لوكالة "قدس برس": "قبيل شهر رمضان الماضي، أعلن الاحتلال عن حملة أسماها (عومير هتنوفاه) لمواجهة التصعيد الذي كان يتحسب له في الضفة الغربية والقدس، ثم غيره لاحقًا إلى (شوبير هغاليم - كاسر الأمواج)".

وتابع: "بالعودة إلى التسمية الأولى، كانت ترجمته المنتشرة للغة العربية غير دقيقة، فقد تُرجم الاسم في البداية (نمو السنبلة)".

وأوضح: "عند التدقيق والبحث، وجدت أن الترجمة الأمثل هي (هزّ / ترديد الحزمة)"، لافتًا إلى أن "هذه التسمية مرتبطة بطقس يهودي مرافق للأعياد اليهودية، يأخذ خلاله أحد الكهنة حزمة من باكورة حصاد القمح، ويهزها عاليًا أمام القربان".

وتابع أن "التسمية - قبل تغييرها - كان لها ارتباط مباشر بمجريات الأحداث"، مشيرًا إلى أن "كل تسمية لحملات الاحتلال العسكرية ترتبط بمفاهيم ورموز قد لا تبدو واضحة إذا قرأناها بعيدًا عن السياق التوراتي".

"مطلع الفجر"

يقول الباحث الفلسطيني، عندما سألته "قدس برس" عن معنى تسمية عدوان الاحتلال الجاري على غزة، إنه لاحظ تخبُّطًا في ترجمة المصطلح العبري עלות השחר (علوت هشاحر)، مضيفًا: "رجعت إلى التوراة للبحث عنه في محاولة الفهم الدقيق له ولمغزاه".

وبيّن قرط أن "هذا المصطلح العبري يشير بدقة إلى الزمن الذي يكون قد بدأ الضوء خلاله بالبزوغ والشمس لم تطلع بعد"، مشيرًا إلى أن "المصطلح العربي المماثل له هو (مطلع الفجر) الذي ورد في سورة القدر: (سلام هي حتى مطلع الفجر)".

واستدرك بالقول: "بعيدًا عن الترجمة اللغوية للمصطلح، فهو قادم من حدث تاريخي توراتي، ورد في الإصحاح 32 من سفر التكوين، الذي تدور قصته حول صراع يعقوب مع رجلٍ عند محاولته تجنب الصدام مع أخيه عيسو".

وزاد: "حسب السرد، فقد صَمَد يعقوب، وتغلب على الرجل عند مطلع الفجر، فاستحق البركة لأنه جاهد مع الله".

واعتبر أن الاحتلال "أراد بالتسمية أن تعكس للجمهور الإسرائيلي أنه لا مفر من المواجهة، وأن التسهيلات التي تقدمها (إسرائيل) لغزة لن تمنع المواجهة".

وأشار إلى أن ذلك شبيه بـ"سياق القصة التوراتية، الذي جاء فيه حديث عن إرسال يعقوب هدايا لأخيه عيسو، حتى يتجنب مواجهته، وأن النصر سيكون هو حليفهم كما كان حليف يعقوب".

لا علاقة بين الكلمتين

يذكر أن جيش الاحتلال زعم، على لسان الناطق باسمه، أن تسمية العملية جاءت "للتركيز على أن العملية تستهدف حركة الجهاد الإسلامي، التي تتخذ من اللون الأسود شعارًا لها".

"رغم أن كلمة الفجر في اللغة العبرية (شاحر) تتشابه (كتابةً) مع كلمة أسود (شحور)، إلا أنني أرى أن لا علاقة بين الكلمتين، وأن المعنى الحقيقي للتسمية يكمن في ما ورد في سفر التكوين"، يقول قرط.

واعتبر أن "هناك دلالات واضحة لهذه التسمية، فهي تشير إلى عدم جدوى تجنب المواجهة، إلى جانب سياسية التسهيلات، لأنها لم تُجْدِ في تجنيب يعقوب المواجهة مع أحد رجال أخيه".

وتابع: "هناك إشارة مهمة - أيضًا - في التسمية، وهي مرتبطة بسياق القصة التوراتية، حيث إن الصراع بين يعقوب وذلك الرجل استمر حتى مطلع الفجر".

وأوضح أن "هذا ما كانت (إسرائيل) تسعى إليه؛ ألا تزيد المواجهة عن عملية خاطفة تكون قد انتهت مع ساعات الصباح الأولى لليوم التالي".

وأشار إلى أن "ذلك ظهر جليًا من خلال تدخل الوساطات للتهدئة ورغبة (إسرائيل) في تطويق الأحداث بأسرع وقت، وهو ما لم ينجح حتى اللحظة".

من جهته، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، صلاح الدين عواودة، إن "من الصعب معرفة سر تسمية عمليات الاحتلال، ففي بعض الأحيان يكون لها بعد تاريخي، وتكون مقتبسة من حروب داود وسليمان ويوشع بن نون، لتشابهها مع حروب في التاريخ".

وأضاف عواودة لـ"قدس برس" أن "التسميات تحتمل وجهين، فهي إما تحمل التفاؤل لجمهورك الداخلي، أو تحمل التهديد والترهيب للطرف الآخر، لكن في بعض الأحيان فهي تعطي تأثيرًا عكسيًا".

واستذكر عواودة المعركة التي أطلقت عليها المقاومة تسمية "سيف القدس"، مشيرًا إلى أن تسمية الاحتلال "حماة الأسوار" أظهرت "تشاؤمًا لدى (إسرائيل)، إذ أنها حملت معنى الدفاع عوضًا عن الهجوم الذي لطالما أشارت إليه التسميات الأخرى".

واعتبر الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن الحديث عن ارتباط التسمية "مطلع الفجر" باللون الأسود وبالتالي ربطها بـ"الجهاد الإسلامي"، "لا تعدو عن كونها تخمينات".

وأكد أن المستوطنين "قارنوا بين التسمية الحالية، وتسمية العملية العسكرية التي شنها الاحتلال عام 2019 على غزة، وتصدى لها الجهاد الإسلامي، التي كان اسمها (الحزام الأسود)"، مشيرًا إلى أن "الجمهور الصهيوني نفسه لا زال يجهل معنى التسمية".

"وحدة الساحات"

بدورها، أعلنت "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين، عن تسمية عمليتها ضد عدوان الاحتلال على قطاع غزة بـ"وحدة الساحات".

وقال القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، ضرار الكوسى، إن "سرايا القدس تخوض عملية وحدة الساحات، التي أطلقتها، بكل مسؤولية واقتدار، وستبقى المقاومة مع شعبها الذي يحتضنها وتحميه".

وأوضح الكوسى لـ"قدس برس" أن هذه المعادلة التي أرستها سرايا القدس، ومعها فصائل المقاومة، تؤكد على رفض فصل غزة عن الضفة والقدس، وعن كل فلسطين، وهو ما يحاول الاحتلال يائسًا فرضه".

وأكد القيادي في "الجهاد الإسلامي" أن "وحدة الساحات تعني أن المقاومة - بكل طاقاتها - جاهزة لمجابهة العدو، في الزمان والمكان والشكل الذي تراه سرايانا المظفرة مناسبًا".

واستدرك قائلاً: "نجدد التأكيد على ألا عودة للوراء، وما فرضته مجريات ونتائج معركة سيف القدس سيبقى راسخًا، وستبقى المقاومة تتقدم في فرض شروطها وتحقيق الانتصارات حتى دحر الكيان عن كامل فلسطين التاريخية، ولن نسمح للعدو بفرض مخططاته اللعينة".

وشدد على أن "عملية وحدة الساحات تؤكد على وحدة الدم الفلسطيني، وحرمة استباحته"، مشيرًا إلى أن "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ما نهضت إلا لقتال العدو وتحرير الأرض وصون المقدسات".

معارك المقاومة مع الاحتلال

شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدة حروب سابقة على قطاع غزة، كانت المقاومة الفلسطينية قد أطلقت على معارك التصدي لها أسماءً مختلفة، معظمها ذات دلالات دينية.

فأطلقت المقاومة على أول معركة تصدٍّ لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، أواخر العام 2008، معركة "حرب الفرقان"، في إشارة واضحة إلى التأسّي بالقرآن الكريم، الذي ذكر أن "الفرقان" معركة الصراع بين الحق والباطل.

تلت "حرب الفرقان" معركة ضد عدوان آخر شنّه الاحتلال على غزة، عام 2012، أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية معركة "حجارة السجيل"، التي ورد ذكرها في سورة الفيل بالقرآن الكريم على أنها سقطت على أبرهة الحبشي وجيشه، الذي جاء ليهدم الكعبة.

أما في حرب الاحتلال التي شنها عام 2014 على القطاع، فردّت المقاومة بمعركة "العصف المأكول"، مقتبسةً التسمية من القرآن الكريم، في تهديد واضح للاحتلال بأنها ستجعله "عصفًا مأكولاً" إذا تجرأ على اقتحام غزة.

وعاد الاحتلال ليشنّ حربًا جديدة على غزة، عام 2021، ردّت عليها المقاومة بمعركة أسمتها معركة "سيف القدس"، التي كانت شرارتها الأولى استمرار اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، ومحاولة تهجير فلسطينيي حي "الشيخ جراح" بالمدينة.

ويرى محللون فلسطينيون أن المقاومة أطلقت تسمية "سيف القدس" على حرب 2021، في دلالة على أن كل من يعتدي على القدس، ويحاول تهويدها، وترحيل أهلها، سيواجه سيفًا ومقاومة فلسطينية مستميتة للحفاظ على أرض فلسطين وشعبها.

حملات الاحتلال فشلت

يقول أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الإسرائيلية، عدنان أبو عامر، إن "أسماء الحملات العسكرية الإسرائيلية في مواجهة المقاومة تعددت"، مشيرًا إلى أكثر من 23 تسمية دلّ معظمها على "الهجوم".

وأوضح أبو عامر لـ"قدس برس" أن "قادة جيش الاحتلال يبدون اهتمامًا كبيرًا لاختيار الأسماء التي يطلقونها على حملات القمع والتنكيل ضد الفلسطينيين، على أمل أن تخلق هذه الأسماء قدرًا من الردع، حتى قبل أن تنتهي مهمتها".

وأكد أنه "ورغم تعدد أسماء العمليات ودلالاتها العسكرية، فقد أقرت المصادر الإسرائيلية بفشلها في القضاء على المقاومة".

وأشار إلى أن "من ذلك ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، الجنرال أهارون زئيفي فركش، إن الحديث عن القضاء على المقاومة مجرد وهم".

ولفت الخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى أن الجنرال الإسرائيلي "اعترف بأن العمليات الحربية التي يقوم بها الجيش مفيدة لتقليص عمليات المقاومة، أو الحد من انتشارها، أو تضييق الخناق عليها ومحاصرتها، ولكن في النهاية يتبين لنا أن المقاومة بئر بلا قاع، لا يمكن القضاء عليه تماما بالوسائل العسكرية".

وتتواصل، منذ عصر الجمعة، غارات طيران الاحتلال الإسرائيلي الحربي على مناطق متفرقة بقطاع غزة، فيما زعم جيش الاحتلال أنه ينفذ عملية عسكرية ضد أهداف لحركة "الجهاد الإسلامي"، تحت عنوان "مطلع الفجر".

ووصل عدد الشهداء الفلسطينيين، منذ بدء عدوان الاحتلال حتى كتابة هذا التقرير، إلى 31 شهيدًا، إلى جانب إصابة نحو 265 آخرين بجراح متفاوتة، وفق إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية بغزة.

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
700 ألف مصاب بأمراض معدية في قطاع غزة
مارس 29, 2024
 حذر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، من أن هناك 700 ألف مصاب بالأمراض المعدية، منهم 8 آلاف حالة عدوى التهاب الكبد الوبائي الفيروسي، نتيجة اكتظاظ مراكز الإيواء، والظروف الهشّة فيها، وعدم توفر الغذاء والمياه والرعاية الصحية المطلوبة.    وكانت بلدية غزة حذرت اليوم الجمعة، من مخاطر انتشار أمراض خطيرة بفعل القوارض والحشرات الضارة التي
20 شهيدا بينهم أطفال ونساء بقصف إسرائيلي شرق مدينة غزة وغربها
مارس 29, 2024
استشهد 20 فلسطينيا على الأقل، اليوم الجمعة، بينهم نساء وأطفال، إثر قصف طيران الاحتلال مركبة ومنزلا في مدينة غزة. وقصفت طائرات الاحتلال مركبة على شارع "صلاح الدين" شرقي المدينة، ما أدى إلى استشهاد 8 فلسطينيين، بينهم 5 أطفال وسيدتان، وجرح العشرات. واستشهد 10 فلسطينيين آخرين، إثر قصف طائرات الاحتلال منزلا في شارع "الوحدة"، شرق مجمع
انتقادات في الكويت بسبب دعوة السفيرة الأمريكية لزيارة "مسجد الدولة الكبير"
مارس 29, 2024
انتقد المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات (مستقل مقره الكويت)، عبدالعزيز العنجري، دعوة الحكومة الكويتية للسفيرة الأمريكية لزيارة "مسجد الدولة الكبير" خلال شهر رمضان، وقال إن "صواريخ أمريكا دمرت أكثر من ألف مسجد في قطاع غزة".   وشدد العنجري في تدوينة له على منصة "إكس"، اليوم الجمعة، على أن "الدور الأمريكي في الإبادة الإسرائيلية
"منظار جراحي".. مشروع طبي كويتي لإنقاذ غزة
مارس 29, 2024
أطلقت جمعية "الرحمة العالمية" الكويتية (مؤسسة خيرية مستقلة)، اليوم الجمعة، مشروعها الطبي الإغاثي "منظار جراحي"، ضمن مشروعات حملتها الرمضانية "من أجلهم". وقال نائب المدير العام لشؤون الاتصالات والتسويق وتكنولوجيا المعلومات في الجمعية عدنان الحداد، إن المشروع "يأتي في ظل أوضاع صحية وطبية بالغة الصعوبة يعيشها أهل غزة بسبب الحرب التي تعرض لها القطاع، وفي ظل
آلاف الأردنيين يهتفون "أوقفوا القتل والتجويع في غزة" (محدث)
مارس 29, 2024
انطلقت بعد صلاة الجمعة، مسيرات حاشدة في العاصمة عمّان ومختلف المحافظات تنديدا ورفضا للعدوان الإسرائيلي المتواصل على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة. وشارك آلاف الأردنيين في المسيرة الجماهيرية الحاشدة التي انطلقت من أمام مسجد عمر بن الخطاب، في محافظة الزرقاء شرق الأردن، بعد صلاة الجمعة اليوم، بمشاركة شعبية واسعة رفضاً لسياسة التجويع والإبادة الجماعية المتواصلة
125 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة الثالثة من رمضان في المسجد الأقصى
مارس 29, 2024
أدى عشرات الآلاف من الفلسطينيين صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان، في المسجد الأقصى المبارك، رغم إجراءات الاحتلال المشددة وغير المسبوقة، المفروضة على مدينة القدس. وذكرت "دائرة الأوقاف الإسلامية" في القدس (تابعة للأردن) في بيان لها، أن 125 ألف فلسطيني أدوا صلاة الجمعة الثالثة من رمضان في رحاب المسجد الأقصى.   وقال خطيب المسجد الأقصى