"الثلاثاء الحمراء".. أول مسمار في نعش الاحتلال الإسرائيلي

ليست حمراء بلون دماء قدمت على مشنقة الحرية فقط، بل بداية لهيب منذ زمن دخلت بريطانيا فيه أرض فلسطين، بعدما تلاقت مصالحها الاستعمارية مع الحركة الصهيونية، وأنهت 400 عام من الحكم العثماني، ليبدأ بعدها تاريخ من الاضطهادات والتشريد بحق الفلسطينيين، مع تغيير ديموغرافي واستقطاب للمليشيات الصهيونية على مدار 31 عاما، ليكمل الاحتلال الإسرائيلي بعدها مابدأه الاحتلال البريطاني، عقب تهجير قرابة 950 ألف فلسطيني، من أصل مليون و400 ألف، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.
الثلاثاء الحمراء

شهداء "الثلاثاء الحمراء"
يحيي الفلسطينيون ومناصروهم، في 17 حزيران/ يونيو كل عام ذكرى "الثلاثاء الحمراء"، يوم استشهاد عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم، الذين أعدمهم الاحتلال البريطاني في سجن "القلعة" بمدينة عكا شمال فلسطين، قبل 93 عاما، يوم يحمل الكثير من الرمزية والتاريخ للفلسطينيين ونضالهم من أجل حقوقهم وحماية مقدساتهم.
بدأت قصة الثلاثة عندما نظم اليهود مظاهرة ضخمة في 14 آب/ أغسطس من عام 1929، بمناسبة ما أسموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان"، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة ضخمة في شوارع القدس، حتى وصلوا إلى "حائط البراق"، يرددون "النشيد القومي الصهيوني"، ويشتمون المسلمين.
وفي اليوم التالي، توافد المسلمون ومن ضمنهم الشهداء الثلاثة للدفاع عن "حائط البراق"، واعتقلت القوات البريطانية، 26 فلسطينيا ممن شاركوا في الدفاع عن "حائط البراق"، وحكمت عليهم جميعا بالإعدام، لينتهي الأمر بتخفيف هذه العقوبة عن 23 منهم إلى السجن المؤبد، والإبقاء على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة.

د. محسن صالح المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
يبين الأستاذ في الدراسات الفلسطينية، والمدير العام لمركز "الزيتونة" للدراسات والاستشارات (مقره بيروت) محسن صالح، في حديث لـ " قدس برس"، أن "الشهداء الثلاثة، كانوا من أوائل النماذج البطولية في مواجهة الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني في فلسطين، حيث ارتبط جهادهم بدورهم الكبير في ثورة البراق التي اشتعلت في آب/أغسطس 1929، في مواجهة مزاعم الصهاينة بحق لهم في الحائط الغربي للمسجد الأقصى.
أمين الحسيني ودوره في ثورة البراق

الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وزعيمها الوطني
ويضيف محسن، أن "التاريخ كشف مؤخرا الدور الأساس والسري لمفتي فلسطين وزعيمها الوطني آنذاك، الحاج أمين الحسيني، والذي رتب لهذه الثورة، وكان له دور كبير في إشعالها لتشمل كل فلسطين، حيث اصطف الشعب الفسطيني والأمة العربية حول المجاهدين".
ويشرح محسن، عن "دور الاستعمار البريطاني في دعم الصهاينة، فكلما تصاعدت الثورات، كان المستعمر البريطاني يتدخل فورا، ويقتل ويقمع، والأدلة كثيرة في ثورة عام 1920، أو ثورة البراق عام 1929، أو ثورة القسّام عام 1935، أو الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، حيث كان الصهاينة يُقتلون على يد الفلسطينيين والعرب، الذين كانو يستشهدون على يد البريطانيين.
بريطانيا سبب البلاء وأصل الداء
ويتابع محسن، بعد ذلك ترسخت قناعة وثقافة، لدى الفلسطينيين بالارتباط الجوهري بين الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني، وضرورة مواجهة الاحتلال البريطاني، وترسخت القناعة أكثر بعد استشهاد الأبطال الثلاثة في ثورة البراق، بأن بريطانيا هي سبب البلاء وأصل الداء.
ثورة البراق مستمرة
لثورة البراق أهمية خاصة هذا العام في ذكراها الرابعة والتسعين، فهي تتزامن مع خطة حزب "الليكود" لتقسيم المسجد الأقصى المبارك، التي يجري إعدادها في برلمان الاحتلال (كنيست)، وتهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيا، والسيطرة على أكبر مساحة ممكنه منه.

الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى
وحول هذه الجزئية، أشار رئيس "الهيئة الإسلامية العليا" وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، إلى أن "ما يحدث اليوم من تهويد للمسجد الأقصى ومحاولة تقسيمه سيؤدي إلى تفجير الأوضاع، تماًما كما حدث في ثورة البراق التي اندلعت دفاًعا عن المسجد الأقصى ، وأن الفلسطينيين لن ينسوا دماء الشهداء".
كما أكد الشيخ عكرمة، أن "حائط البراق هو الحائط الغربي لسور المسجد الأقصى ولايمكن التنازل عنه، وأن هناك قرارا أمميا يؤكد حق المسلمين في حائط البراق، وليس لليهود أي علاقة فيه".
الحركة الأسيرة والثلاثاء الحمراء
وفي تطور لافت يدل على أن واقعة "الثلاثاء الحمراء" لاتزال عالقة في أذهان الفلسطينيين وخاصة الأسرى منهم، دعت الحركة الأسيرة، منتصف آذار/مارس الماضي "لجعل كل يوم ثلاثاء، إحياءً لهذه الذكرى التي قدم فيها الفلسطينيون خيرة أبنائهم على مشنقة الحرية زمن الانتداب والاحتلال البريطاني".
الشهداء الثلاثة
يشار إلى أن ذكرى إعدام الشهداء الثلاثة، تُدرس في المنهاج الوطني الفلسطيني، ويردد الفلسطينيون في مناسباتهم وخاصة التي تخص الشهداء، والدفاع عن المقدسات، قصيدة إبراهيم طوقان "الثلاثاء الحمراء" ومرثية نوح إبراهيم الشهيرة "من سجن عكا طلعت جنازة".
والشهيد فؤاد حجازي أصغر الشهداء الثلاثة سنًّا، مولود في مدينة صفد، شمال فلسطين المحتلة، أتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وعرف منذ صغره بشجاعته وحبه لوطنه، أبلى بلاء حسنا في ثورة البراق.

جزء من وصية الشهيد فؤاد حجازي
وقد سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام فكتب وصيته وبعث بها إلى صحيفة "اليرموك" فنشرتها يوم 18 حزيران/يونيو 1930 بخط يده وتوقيعه وقد قال في ختامها: إن "يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، إن هذا اليوم يجب أن يكون يوما تاريخيًا تلقى فيها الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية".
أما الشهيدان، عطا الزير ومحمد جمجوم من مواليد مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، عاشا ظلم الانتداب، وعرفا بمقاومتهما لليهود ورفضهما للاحتلال البريطاني، وشاركا في مظاهرات عدة احتجاجًا على هجرة اليهود إلى فلسطين.