لوحات فنية من مدينة رام الله تنتصر للغة العربية

“نادية” و“ربا”، مهندستان فلسطينيتان اتّخذتا من اللغة العربية مفتاحا لما تحترفانه من فن التصميم وحب لتنسيق الخطوط، من خلال إنتاج لوحات إبداعية تحتكر لغة الضاد وحدها المساحة الكاملة فيها.

في تاريخ 30 من شهر تشرين أول/ أكتوبر عام 2015، أطلقت الشابتان الفلسطينيتّان مشروعهما الخاص الذي حمل عنوان “وصل”، على هامش معرض فني استضافه مركز “خليل السكاكيني” بمدينة رام الله.

الأمر كما تصفه “نادية” و“ربا” كان أشبه بالحلم؛ فقد تجاوز عملهما على 35 لوحة أكثر من عام، ولأنهما لا تحبّان التكرار ولا تقبلان الخطأ، فقد واجهتهما مهمّة صعبة تحتاج لمجهود ووقت كافيان لإنجاز مشروع حلمت به كلتاهما طويلا.

مشروع “وصل” الذي يتضمّن معرضا فنيا يحتوي على ثلاث مجموعات رئيسية من اللوحات؛ الأولى حملت أسماء مجرّدة، والثانية حوَت آيات قرآنية وعبارات دينية وأحاديث نبوية وروحانيات، أما الثالثة فكانت تتعلّق بالشعر والقصائد والأدبيات.

تقول “نادية عفونة” التي تعود أصولها إلى قرية دير استيا في مدينة سلفيت، وتقطن رام الله، إن “معرضنا استمرّ لمدة أسبوعين حيث كان الإقبال عليه رائعاً، ولم نكن نتوقّعه، إلّا أننا بحمد الله استطعنا أن ننجز شيئاً جميلاً، مميّزاً، قريباً جداً للذات، بطريقة تُدخل الفرح في قلب من يراها كونها تحمل الزخارف والألوان المتعدّدة برفقة اللغة العربية وحروفها وخطوطها الجميلة”.

والد “نادية” فنان تشكيلي وخطاط، ولديه ورشة خاصة للعمل اليدوي في هذا المجال، تقول ابنته “كنت أساعد والدي في عمله منذ أن كنت صغيرة، كما أنني شاركت في مسابقات للخطوط العربية، وأتقن ثلاثة خطوط، لكنّ عملي وربا كذلك ليس يدويّاً، وإنّما باستخدام الكمبيوتر وعدّة برامج وتطبيقات تخص الخطوط العربية والزخارف وأشياء أخرى”.

وتُضيف في حديثها لـ ”قدس برس” أنها كانت تفكر طيلة الفترة الماضية، منذ تخرّجها من جامعة بيرزيت بتخصص الهندسة المعمارية، في إقامة مشروع خاص لإحياء اللغة العربية وعرض تفاصيلها الأنيقة.

وتتابع عفونة “في مرة من المرات زرت ربا (وهي من مدينة جنين وتسكن رام الله)، ورأيت عدّة لوحات في بيتها، جذبتني جداً، وعرضت المشروع عليها، وقد شجّعنا بعضنا، وفعلاً باشرنا بالعمل، حتى وصلنا إلى افتتاح معرضنا الأول”.

وفي اليوم الأوّل الذي افتُتح فيها المعرض الفني، تم إنشاء صفحة خاصة لـ “وصل” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ لتبدأ طلبات الحصول على إنتاجاتهما الفنية بالتدفّق منذ ذلك الوقت، وهو ما زاد من فخر “ربا” و“نادية” بما حقّقتاه.

“وصل” .. أصل الحكاية

تقول نادية لـ ”قدس برس” إن التميّز الفني لحروف اللغة العربية يكمن في انحناءاتها واتصال حروفها مع بعضها البعض لتشكيل الكلمات، وهنا يأتي دور الإبداع والذائقة الخاصة في إبراز جمالية الخطوط العربية. 

وتضيف ”للوحات التي تحمل لغة الضاد روحاً تبعث في نفسك مشاعر خاصة، فتشكّل تلك اللوحة اتصالاً ما بينها وبين الشخص الذي طلبها، وكلّما رآها فإن سيشعر بشيء ما أو يتذكر شخصاً ما يحبّه أو يتعلّق به“.

وتوضّح أن “شعار المعرض الذي تحوّل إلى مشروع أخد وقتاً طويلاً في إعداده، فالانطلاقة هي البداية الصحيحة التي لا بدّ أن تكون في المستوى المطلوب سواء لي أو لربا“. 

هل يقدّم “وصل” لغات أخرى؟

لا يُمكن للمنتصر للغة العربية أن يقدّم شيئاً غيرها، وهذا ما قالته لنا نادية، فهاتان المهندستان، ارتأتا أن اللغة العربية تحمل معانٍ ومفردات لا حصر لها، وتستطيع أن تعبّر من خلالها عن كل شيء دون الحاجة للغة أخرى.

تقول نادية “نعم طُلب منّا لوحات باللغة الإنجليزية لمطاعم في رام الله، لكننا استطعنا أن نُقنع أصحابها بأن اللغة العربية قادرة على استحضار عبارات تعكس المكان وأجواءه، وإحدى اللوحات التي عُرضت ولاقت إعجاباً في المطاعم هي لوحة (قهوة)”. 

كيفية العمل في “وصل”

“بعد أن نستقبل الطلب من الزبون عن طريق الهاتف أو صفحة الفيسبوك، نستفسر عن مكان عرض اللوحة المرغوب باقتناءها؛ فالأمر يختلف طبعا عمّا إذا كانت ستُعرض في منزل أو مكتب أو مطعم، كما أننا نلقي اهتماماً خاصّاً أيضاً بطبيعة ولون الأثاث الموجود في ذلك المكان؛ لنبدأ العمل بعدها والذي قد يستغرق وقتا طويلاً”، كما تقول نادية.

و“تضيف تحتاج اللوحة لوقت طويل من العمل؛ قد يقول البعض إن العمل على الحاسوب سهل جداً، ولا يحتاج وقتاً أو جهداً، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فهناك حاجة إلى استخدام عدّة برامج، وتمازج في الألوان، وزخرفات متنوّعة ومتجدّدة باستمرار، وفي بعض الأحيان نقوم بابتكار زخارف جديدة لإدخالها في اللوحة”.

وتشير إلى أن أكثر اللوحات التي احتاجت وقتاً طويلاً في التصميم والإنجاز هي “أسماء الله الحسنى”، حيث استغرق العمل فيها شهرين كاملين؛ لكونها تحمل 99 اسماً في 99 مربعاً، أما اللوحات الأخرى تحتاج لنحو أسبوعين لإنجازها وتسليمها.

تبيّن نادية أن “اللغة العربية هي من أجمل اللغات، وكلّما قرأنا كتباً أكثر، كلما زادت معرفتنا ومصطلحاتنا، وثقافتنا، ونحن اليوم نعيش في بُعد عنها نسبياً، فالقراءة كانت تشغل وقتنا قديماً، لكن اليوم أخدت مواقع التواصل الاجتماعي من أوقاتنا الكثير”.

طموح “نادية” و“ربا” أن يكون لـ”وصل” محلاً خاصاً يرتاده زبائنه، فهما تعملان في منزليهما، كما أن آلة الطباعة التي تستخدمانها مُكلفة جداً؛ فتضطرّان إلى إخراج لوحاتهما إلى النور في مطابع بمدينة رام الله، كما أنهما تحملان أفكاراً جميلة يحتاج تطبيقها إلى مواد خام تفتقر أسواق الضفة الغربية المحتلة لها، وهذا ما يُعرقل عملية التنفيذ إضافة إلى العامل المادي.


ـــــــــــــــــــــ

من فاطمة أبو سبيتان
تحرير محمود قديح

 


 

مواضيع ذات صلة
لوحات فنية على الصبار تجسّد معاناة الفلسطيني وطموحاته
أحمد محمد ياسين، طالب جامعي ورسام الفلسطيني موهوب يبلغ من العمر 21 عاما، اتخذ من الرسم على ألواح الصبار هواية له يحاول من خلالها إ...
2016-02-18 13:53:39
من القهوة.. لوحات فنية بريشة التشكيليّ الفلسطيني "يزن غريب"
"القهوة تأمّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات" .. قالها يوما الشاعر الفلسطيني محمود درويش، لتجسيد روعة مذاقها وأجوائها، تماماً كشعراء...
2016-11-02 17:20:47
نابلس.. فلسطيني يبدع لوحات فنية بـ "حرق الخشب"
برع "هشام الأغبر" بصناعة لوحات فنية إبداعية في مدينة نابلس (شمال القدس المحتلة)، متميزا عن نظرائه باستخدام الأخشاب كمادة خام للوحا...
2017-01-17 19:22:01