31 عاماً على مجزرة الأقصى الأولى.. ما الذي جرى؟ وماذا تغير؟

تحلّ اليوم الجمعة، الذكرى الـ31 لمجزرة الأقصى الأولى، التي يصفها مراقبون بأنها كانت "الأكثر دموية".

فلم تكن صبيحة الـ8 من تشرين أول/أكتوبر 1990، يومًا عاديًا، حيث استفاق الفلسطينيون على أصوات الرصاص والقنابل، ومكبرات الصوت التي صدحت من المساجد، داعية دعوة لحماية المسجد الأقصى المبارك.

وكان آلاف المقدسيين قد توجهوا إلى المسجد الأقصى، بعد إعلان جماعة "أمناء الهيكل" المتطرفة نيتها اقتحام الأقصى، وحينها لم تمنع قوات الاحتلال المصلين من دخول المسجد، كعادتها.

ففي ذلك العام، وقبيل احتفال اليهود بـ"عيد العرش"، قررت ما تسمى "جماعة أمناء الهيكل" تنظيم مسيرة للمسجد الأقصى بنيّة وضع حجر الأساس "للهيكل الثالث"، وتوجه مؤسس الجماعة حينها "غرشون سلمون" برسائل عبر وسائل الإعلام لحث اليهود على الانضمام للمسيرة، قائلًا إن "الاحتلال العربي الإسلامي لمنطقة المعبد يجب أن ينتهي، وعلى اليهود تجديد علاقاتهم العميقة بالمنطقة المقدسة".

وفي محاولة للتصدي للاعتداء؛ اعتكف آلاف المصلين داخل مصليات الأقصى وباحاته، وفور اقتحام المستوطنين المشاركين في المسيرة؛ هبّ المعتكفون لمنعهم من تنفيذ مخططهم.

قوات الاحتلال الإسرائيلي من جانبها، أطلقت العنان لأسلحتها واستخدمت قنابل الغاز السام والأسلحة الأوتوماتيكية والطائرات العسكرية، كما شارك المستوطنون بإطلاق الرصاص الحي تجاه المصلين في "مجزرة الأقصى"، التي أسفرت عن استشهاد 21 شابًا وإصابة المئات بجروح متفاوتة.

ويروي شاهد عيان، أن أحد جنود الاحتلال المتمركزين قرب "باب الأسباط" أحد أبواب المسجد الأقصى، كان يحرك رأسه متوعدًا الشبان الوافدين إلى المسجد.

وأضاف: "قبل المجزرة بنصف ساعة، وضعت قوات الاحتلال الحواجز العسكرية على كل الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى، لكن المصلين كانوا قد تجمعوا في المسجد قبل ذلك التوقيت بساعات".

وتابع الشاهد: "كان جيش الاحتلال جاهزًا، بمجرد بدء الاشتباكات، فبدأ بإطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية، وكذلك إطلاق قنابل الغاز السام، فيما كانت طائرات الهليكوبتر العسكرية تحوم فوق المكان، واستمر إطلاق النار من الجيش والمستوطنين لمدة 35 دقيقة كاملة".

وأفاد المصور الصحفي محفوظ أبو ترك، الذي تفرّد بتوثيق المجزرة بعدسته، بأنه كان من غير المعتاد لأي مستوطن دخول المسجد الأقصى في تلك الفترة، مشيرًا إلى أن المصلين أصروا، حينها، على تأدية الصلاة في الساحة الخارجية قبالة المصلى القبلي.

وأضاف أبو ترك: "فجأة سمعنا صوت انفجار قنبلة صوت أو غاز على ساحات صحن قبة الصخرة، حينها ثار الشبان، وخلال دقائق معدودة رأينا المئات من قوات الاحتلال تدخل بكثافة من بابي المغاربة والسلسلة، وتطلق الأعيرة النارية على المصلين بشكل عشوائي".

وبيّن شاهد عيان آخر، أن قناصة الاحتلال تمركزوا على سطح المدرسة التنكزية المطل على الجهة الغربية من المسجد، وبدأوا بقنص المصلين وتعمّد إصابتهم في أماكن حساسة وعلويّة من الجسم.

وتابع بأن "الشبان العزّل دافعوا عن أنفسهم بالحجارة فقط، بينما اعتقلت قوات الاحتلال مئات المصلين واقتادتهم إلى سجونها، وملأت الدماء في ذلك اليوم باحات المسجد".

وزعم الاحتلال آنذاك أن مكبرات الصوت في المسجد الأقصى كانت تحرّض المصلين للهجوم على قواته، وهو ما نفاه أبو ترك مؤكدًا أن المكبرات كانت تدعو الشبان للابتعاد حفاظًا على حياتهم.

وروى أن أحد ضباط الاحتلال طلب من عميل له جلب شاحنة ممتلئة بالحجارة ليلقيها قبالة باب المغاربة ويزعم لاحقًا أنها من إلقاء المصلين، فعل العميل ما طلب منه، لكنه عاد بعدها إلى بيته في القدس ليكتشف أن شقيقه قد قتل في مجزرة الأقصى.

رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك، عكرمة صبري، واحد من الشهود على المجزرة، أكد في تصريحات صحفية، أن الاحتلال بأذرعه المختلفة خطط حينها لوضع اليد على المسجد الأقصى بأجواء حربية عدوانية.

وأوضح: "ما إن بدأ الناس بالهتاف ضد الاحتلال حتى دخلت أعداد كبيرة من القوات الخاصة وجنود وشرطة الاحتلال للمسجد من عدة أبواب، وبدأ إطلاق الرصاص بشكل عشوائي وكثيف".

ونوه صبري إلى أن "قوات الاحتلال استعانت حينها بالطائرات للمشاركة في المجزرة، لكثرة أعداد المعتكفين بالمسجد، ولم يتمكن الجيش من محاصرتهم على الأرض".

ولفت إلى تغيير الاحتلال من سياسته بالأقصى تدريجيًا، "إذ ينفذ حاليًا اقتحامات عسكرية للمسجد، لكنه يتجنب القتل المباشر باستخدام الرصاص الحي، ويلجأ لاستخدام الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية والغازية لتفريغه من المعتكفين".

وأشار رئيس الهيئة الإسلامية، إلى تنامي سياسة الإبعاد والاعتقالات الاحترازية قبيل تنفيذ المستوطنين لاقتحاماتهم الكبيرة خلال الأعياد اليهودية لضمان سيرها بهدوء.

المقدسية نهى غراب (66 عامًا)، سمعت من منزلها في حي وادي الجوز صوت الرصاص الحي يُطلق بكثافة داخل المسجد الأقصى، ارتدت ملابسها وهرولت باتجاه المسجد، وفق قولها.

وأضافت: "هناك رأيت جثثًا هامدة لشبان ارتقوا على ساحات مصلى قبة الصخرة وما زالت الدماء تسيل منهم، (...)، صدمت حين تنقلتُ بين جثث الشبان بعد أن هدأ إطلاق النار".

وتابعت: "أذكر أن جميع الشهداء دُفنوا بالسر خشية إقدام قوات الاحتلال على خطف الجثامين وحرمان الأهالي من دفنها".

وكشفت الاعتداءات الوحشية على المصلين في المسجد الأقصى عن أبعاد مخطط التهويد ومراميه، حيث كانت تظهر على ألسنة دعاة التهويد بعد كل اعتداء، سواء مجزرة الأقصى الأولى عام 1990 التي ارتقى على أثرها 21 شهيدًا من المقدسيين، أو التصدي الصهيوني لهبة النفق عام 1996 التي استشهد فيها 63 فلسطينيًا مسلمًا دفاعًا عن الأقصى المبارك.

واليوم، وفي ظلال ذكرى هذه المجزرة، تصدر ما تسمى بـ"محكمة الصلح" الإسرائيلية في القدس المحتلة، الثلاثاء، قرارًا يسمح لليهود بأداء طقوس تلمودية و"صلوات يهودية صامتة" في المسجد الأقصى المبارك، في تمادٍ صريح يدلل - وفق مراقبين - على أن الاحتلال مطمئن إزاء الحكومات العربية والإسلامية التي يكتفي بعضها بإصدار بيانات الشجب والاستنكار.. لتستمر الانتهاكات والمخططات التهويدية، وتتواصل المجزرة بحق المسجد والمدينة المقدسة، وسط صمت عربي وإسلامي.

مواضيع ذات صلة
20 عاماً على أسر الفلسطيني "عباس السيد" المحكوم بـ35 مؤبداً و150 عاماً
تصادف، اليوم الأحد، الذكرى العشرون لاعتقال الاحتلال الإسرائيلي، المجاهد الفلسطيني عباس السيد (57 عاماً)، وخليته التابعة لكتائ...
2022-05-08 08:44:03
فصول مجزرة المسجد الإبراهيمي لم تتوقف بعد 22 عاماً
رغم  مرور عقدين من الزمن على مجزرة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل (جنوب القدس المحتلة)، إلا أن فصول وتبعات المجزرة لم تنته...
2016-02-25 20:20:43
27 عامًا على مجزرة الأقصى الأولى: تزايد الاقتحامات وتنامي رياح التهويد
تحلّ غدًا الأحد الثامن من أكتوبر؛ الذكرى الـ 27 لمجزرة الأقصى الأولى، ولعلّ كثرة المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني...
2017-10-07 08:21:14