تقرير: غرامات الاحتلال الباهظة ترهق مزارعي الأغوار بهدف تهجيرهم
لم يصدق المزارع عليان دراغمة من سكان الاغوار الشمالية أن الاحتلال الإسرائيلي قد فرض عليه غرامة مالية تبلغ 48000 شيكل، أي نحو 13 ألف دولار من أجل استرجاع 19 رأس من الأبقار، تم مصادرتها من قوة عسكرية إسرائيلية قبل نحو أسبوع خلال رعيها في سهل مجاور لمضارب البدو هناك.
ويقول دراغمة: "من ينظر إلى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته، فقد علمت أن مربيا للثروة الحيوانية في منطقة "عين الحلوة" في الاغوار أيضا، صادر له مجلس المستوطنات قبل عشرة أيام 48 رأسا من الأبقار ونقلوها إلى بؤر استيطانية قريبة، وعندما ذهب ليستردها، أبلغوه أن عليه دفع غرامة بقيمة 143910 شيكل أي نحو 39 ألف دولار، غير أنها لا زالت محتجزة لغاية اللحظة، لأنه لا يستطيع دفع هذه المبالغ الطائلة.
ويضيف لـ"قدس برس": "هذه سياسة جديدة تنتهجها سلطات الاحتلال لتهجير السكان من أراضيهم، وهي تعد الأخطر على الوجود الفلسطيني في التجمعات الفلسطينية في الاغوار، حيث يتعمد على مصادرة كل مقومات الحياة ومنها الجرارات الزراعية وصهاريج المياه والسيارات الخاصة والعربات المجرورة، ومعها المواشي من الأغنام والأبقار، ولا يعيدها إلا بدفع غرامات باهظة تعود لصندوق توسيع الاستيطان التابع لـ"مجلس مستوطنات وادي الأردن".
وأشار دراغمة إلى أن مصادرة الجرارات تحديدا مع بدء موسم حرث الأراضي تهدد زراعة الحبوب البعلية لنحو ثلاثة آلاف دونم، في حين تحرم مصادرة الصهاريج العائلات البدوية ومواشيها من مياه الشرب.
ونوّه إلى أن المستوطنات المقامة في الأغوار عموماً، تتوسع وتتطور بشكل مخيف على حساب الأراضي الفلسطينية المصادرة، ومقابلها عائلات بدوية تعيش على هذه الأرض منذ القدم في مساكن من الصفيح يعتبرها الاحتلال هدفاً دائماً للهدم.
أما المزارع مسعود الطوباسي من منطقة الحديدية في الأغوار الشمالية، فهو يبحث منذ مدة طويلة عن جرّار زراعي لحراثة أرضه، من دون جدوى. فلم يوافق أيّ صاحب جرّار على ذلك، خشية قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بمصادرته كما حدث في مرّات سابقة.
ويقول لـ"قدس برس": "تواصلت مع أكثر من عشرين شخصاً يملكون جرّارات زراعية لتهيئة أرضي للزراعة بالتزامن مع هطول الأمطار، فرفضوا. مخاوفهم في محلّها، وأعرف ذلك جيّداً، فأنا خسرت جرّاريَن زراعيَّين بعدما صادرهما الاحتلال".
وكان جنود الاحتلال قد داهموا قبل عام أرض الطوباسي وصادروا جرّاره الزراعي ونقلوه إلى معسكر قريب قبل أن يعيدوه بعد يومَين مع فرض غرامة مالية. لكنّهم صادروه من جديد قبل شهرَين ورفضوا الإفراج عنه، فاضطرّ إلى شراء جرّار آخر. وما كاد يبدأ عمله حتى دهم الاحتلال أرضه من جديد وصادروا الجرّار، ولم تفلح كلّ المحاولات بإعادة الجرّارين حتى الآن.
وأكد مسؤول ملف الاستيطان في الاغوار معتز بشارات إن "الاحتلال يسعى إلى إيقاع الخسائر المادية بالمزارعين والبدو والرعاة، والتي لا طاقة لهم بتحملها، بتغريهم مبالغ باهظة لاسترداد الجرارات الزراعية وصهاريج المياه والشاحنات وغيرها التي يصادرها، وهي تمثل شريان حياة للمزارع في الأغوار، خاصة في ظل عدم سماح قوات الاحتلال بتعبيد الطرق وإقامة مشاريع البنى التحتية، فتصبح الجرارات الزراعية وسيلة للتنقل في دروب لا تصلها المركبات، عدا عن حراثة الأرض، ونقل صهاريج المياه".
ويشدد على أن "ما يجري يندرج في إطار الحرب الإسرائيلية المتواصلة على الأغوار وعلى الزراعة الفلسطينية. ومصادرة الجرّارات الزراعية تأتي كسياسة عقاب جديدة تضاف إلى سياسات كثيرة بحقّ السكان الفلسطينيين للضغط عليهم وترحيلهم"، لافتاً إلى أنّ "الاحتلال استوفى مئات آلاف الشواقل الإسرائيلية كغرامات مالية لقاء الإفراج عن معدّات وجرّارات زراعية تمّ الاستيلاء عليها مؤخرا".
ولا تتوفّر إحصاءات لأعداد الجرّارات الزراعية أو "تراكتور" التي صادرها الاحتلال في الأغوار الفلسطينية في خلال الفترة الأخيرة، إلا أنّ المتابعين يقدّرونها بنحو 45 جرّاراً منذ السابع من أكتوبر الماضي، الأمر الذي ألحق أضراراً فادحة بالموسم الزراعي وحال دون وصول المزارعين إلى أراضيهم في الأساس، إذ إنّ الجرّارات تُعَدّ وسيلة التنقّل الرئيسية في الأغوار حيث لا بنى تحتية كافية.
وتُعَدّ الأغوار الفلسطينية من أبرز المناطق التي يسعى الاحتلال إلى ترسيخ جذورها فيها، فيفرض إجراءات مشدّدة تحول دون استغلال معظم الأراضي، علماً أنّها كانت تُعرَف سابقاً بأنّها سلّة فلسطين الغذائية، عدا عن كونها رافداً زراعياً مهماً يساهم في الدخل القومي الفلسطيني.