الصحفي في غزة "خبر عاجل" على قائمة الشهادة (بورتريه)

يتجنب الصحفي والإعلامي أن يكون جزءا من القصة الصحفية التي يغطيها، والتي يكتب عنها، في قطاع غزة الأمر مستحيل تماما، الصحافي الفلسطيني في ذلك المكان المحاصر بالموت ورائحة الدمار والمعاناة والجوع هو جزء من المشهد، بل أحيانا هو المشهد بأكمله.
 
يصبح الصحفي في غزة هو القصة الصحفية والتقرير الإخباري والخبر العاجل بعد استشهاد 124 صحفيا وصحفية بقصف وقنص جيش الاحتلال، رغم ارتدائهم ستراً وخوذات تكشف عن هويتهم.
 
استهداف متعمد للشهود والمدافعين عن المظلومين والمهمشين، رغم ما يتمتعون به من حصانة بموجب القوانين الدولية في سعيهم لتغطية مجريات الحرب في غزة وإيصالها إلى العالم.
 
لا يتمتع الصحفي بغزة بأية ميزة عن غيره من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة فهم يعانون مثل غيرهم في رحلة البحث عن المياه العذبة والطعام ومكان للنوم والحمامات ونقاط الكهرباء لشحن أجهزة الحاسوب المحمولة والهواتف وحتى أبسط وسائل النقل، وهم مهددون بالموت وبالمجاعة والأمراض حالهم حال غالبية السكان.
 
ومع ذلك، فإنهم يغطون الحرب المتوحشة وغير المسبوقة بحد أدنى من سترات الأمان أو الشواحن أو شرائح المحمول. ويضطرون للبحث عن أي مكان مرتفع لالتقاط إشارة الإنترنت.
 
وتقدر نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن هناك حوالي 1400 صحفي يغطون الأخبار من غزة، منهم 1200 منتسب للنقابة من أصل 3200 في فلسطين.
 
وتقول لجنة حماية الصحفيين الدولية، ومقرها الولايات المتحدة، إن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت الأكثر دموية إطلاقا بالنسبة للصحفيين، إذ سجل مقتل أكبر عدد من الصحفيين خلال عام واحد، وفي مكان واحد.
 
ويفوق عدد الصحفيين الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة حتى اليوم، عدد الإعلاميين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية خلال ست سنوات (1939-1945) والتي توصف بأنها الأكثر دموية التي شهدها العالم الحديث، وقتل فيها 69 صحفيا.
 
فيما لقي 63 صحفيا حتفهم خلال الاحتلال الأمريكي لفيتنام الذي استمر قرابة 20 عاما.
 
وهو ما يفوق عدد الصحفيين الذين قتلوا برصاص وصواريخ الاحتلال منذ عام 2000 وحتى تاريخ اغتيال شيرين أبو عاقلة عام 2022 والبالغ عددهم 50 صحفيا. ويفوق مجموع الصحفيين الذين قتلوا في العالم خلال عامي 2021 و2022، والذين بلغ عددهم 109 صحفيين.
 
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن صحفيا واحدا على الأقل يقتل على أيدي القوات الإسرائيلية كل يوم في فلسطين منذ بداية الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
 
بالإضافة إلى استهدافهم يتعرض الصحفيون للاعتقال والتعذيب والإساءة إليهم، وتهديدهم بالقتل، وقتل أفراد عائلاتهم.
 
ولا يتوقف الاستهداف على الصحفيين فقط، وإنما شمل أيضا المؤسسات الإعلامية نفسها، فقد دمرت القوات الإسرائيلية مؤسسات إعلامية فلسطينية ودولية في القطاع بينها مكاتب صحيفة "الأيام" و"إذاعة غزة" ووكالة "شهاب" للأنباء"، ووكالة "معا"، ومكتب "قناة برس تي في" و"قناة العالم"، و"الرأي الإخبارية"، و "وكالة الصحافة الفلسطينية - صفا"، ومكتب "الوكالة الفرنسية" كليا أو جزئيا.
 
وتقول منظمة "مراسلون بلا حدود"، بعد تحقيقاتها، إن القوات الإسرائيلية تتعمد استهداف الصحفيين، رغم وضعهم إشارة صحافة على ملابسهم. وذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن "معظم الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا لقوا حتفهم بسبب القصف الإسرائيلي".
 
وليس هذا فقط فالصحافة محظورة من دخول قطاع غزة بعد أن منع الاحتلال المراسلين الأجانب من الدخول منذ العدوان على غزة، ومن يدخل يفرض عليه مرافقة القوات الإسرائيلية، ومن ثم تفرض عليه الرواية والسردية العسكرية الإسرائيلية، ويتحول إلى أداة إعلامية طيعة للاحتلال، مما يعني أن أمر تغطية الحرب ملقى على كاهل الصحفيين الفلسطينيين ممن شردوا وأسرهم بعد تدمير منازلهم.
 
وقد توفي المصور سامر أبو دقة في قناة "الجزيرة" متأثرا بإصابته البالغة خلال هجوم إسرائيلي على جنوب القطاع، بعد أن منع الاحتلال وصول سيارات الإسعاف إليه لمدة خمس ساعات نزف خلالها حتى الموت. وأصيب في الهجوم نفسه مراسل "الجزيرة" ومدير مكتبها في غزة وائل الدحدوح الذي انتقل إلى الدوحة لتلقي العلاج من هذه الإصابة.
 
وكان الصحفي حمزة وائل الدحدوح، قد قتل مع زميله مصطفى ثريا، في غارة بطائرة بدون طيار الشهر الماضي.
 
ومنذ الأيام الأولى للعدوان، كتب عدد من الصحفيين على صفحاتهم في منصات التواصل الاجتماعي وصيتهم وكأنهم مقبلون على الموت لا محالة. وعلى سبيل كتب الصحفي رشدي السراج على منصة "إكس" قائلا: "نعتقد أننا نعيش اللحظات الأخيرة في حياتنا." وبعد أيام قليلة من كتابة هذه التغريدة، استشهد السراج بغارة إسرائيلية على منزله في حي تل الهوى بغزة.
 
الصحفي معتز عزايزة لخص واقع الصحفي في غزة بقوله: "انتهت مرحلة المخاطرة لنقل الصورة، وبدأت مرحلة محاولة النجاة"، فيما تقول صانعة الأفلام بيسان عودة: "عكس ما كنت أتوقعه في البداية، فالآن أنا متأكدة أنني سأموت خلال الأسابيع أو الأيام القليلة القادمة".
 
إن أحدا لم يُتهم أو يُحاسب مطلقا على قتل الصحفيين، وثمة تقصير واضح من قبل نقابات واتحادات الصحفيين العربية والدولية والنقابات الحقوقية بشأن ملاحقة مرتكبي جرائم قتل الصحفيين للعدالة.
 
ومع غياب الصحفيين الأجانب في القطاع، يعتمد رواد مواقع التواصل الاجتماعي والكثير من وسائل الإعلام على أصوات محلية لنقل الصورة والفيديو والخبر. كما تستخدم معظم وسائل الإعلام العالمية المحتوى الموجود على صفحاتهم.
 
لذلك يريد الاحتلال خنق هذه الأصوات وكتمها بالقتل والاعتقال والإخفاء القسري، وحجب الصورة والرواية الفلسطينية، يريد أن يخفي جرائمه وتوحشه وسادية جنوده وضباطه وقادته.
 
وهكذا يصبح الصحفي الفلسطيني في غزة هو القصة الصحفية رغما عنه، فهو جزء من الشعب المنكوب الذي تطارده الطائرات والدبابات والقناصة في كل مكان على امتداد قطاع غزة الجريح الذي خذله ذوي القربة الذين قبلوا دور المشاهد الجبان الذي تحول بصمته إلى متواطئ رغما عنه.
 
وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
طلاب الأردن يدعون إلى وقفة في الجامعات تضامنا مع غزة
أبريل 28, 2024
دعا "الملتقى الطلابي لدعم المقاومة" في الأردن (تجمع من اليساريين والإسلاميين والمستقلين)، إلى وقفة في جميع الساحات والميادين الطلابية، يوم الثلاثاء القادم "نصرة لغزة وأهلها ومقاومتها".   وقال بيان صدر عن الملتقى، رصدته "قدس برس" اليوم الأحد، إن الوقفة ستكون تحت عنوان "طلاب الأردن يدعمون غزة"، وستكون بالتنسيق مع القوى والكتل الطلابية في كل جامعة.
"العربية لحماية الطبيعة" تعيد مشتل بلدية غزة إلى العمل
أبريل 28, 2024
قالت المنظمة "العربية لحماية الطبيعية" (غير ربحية مقرها عمّان)، إنها نجحت بالتعاون مع بلدية غزة، في مباشرة زراعة بذور وأشتال الخضروات في أرض المشتل التابع للبلدية الذي دمرته جرافات الاحتلال في بداية العدوان، وأعدمت عشرات الآلاف من الأشجار والأشتال مع تعمّد تجريف نحو 55 ألف شجرة في شوارع وأرصفة مدينة غزة". ونقل بيان صدر عن
"أونروا": تلقينا أنباء عن وفاة طفلين على الأقل بسبب الحر في غزة
أبريل 28, 2024
أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تلقيها أنباء تفيد بوفاة طفلين على الأقل بسبب موجة الحر في قطاع غزة. وكشفت في بيان عبر حسابها على منصة "إكس"، اليوم الأحد، بشأن الوضع الإنساني المتدهور في غزة في ظل الهجمات الإسرائيلية.   ولفتت الوكالة إلى أن "الأطفال في غزة يدفعون الثمن الأكبر" ودعت إلى
 "الوزارية المشتركة" تعرب عن قلقها إزاء الإجراءات المتخذة ضد المتظاهرين المتضامنين مع غزة في الغرب
أبريل 28, 2024
عقدت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة، اجتماعا لها اليوم الأحد، أكدت فيه رفضها "القاطع" لأية محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، وأي عملية عسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وعبر الوزراء المشاركون في الاجتماع، الذي عقد في العاصمة الرياض عن "قلقهم إزاء الإجراءات المتخذة
"القسام": تعنت الاحتلال منع الإفراج عن الأسير سيغال في صفقة نوفمبر الماضي
أبريل 28, 2024
أعلن مصدر قيادي في كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" أن الأسير سيغال كان مدرجا ضمن قائمة الأسرى في صفقة نوفمبر الماضي لكن تعنت الاحتلال منع ذلك. وأشارت "القسام" في تصريح صحفي، اليوم الأحد، إلى أن الأسير الإسرائيلي المسن كيث سيغال الذي ظهر أمس يحمل الجنسية الأمريكية. وأكد الـمصدر القيادي في "القسام" أن الأسير سيغال
وزير خارجية الاحتلال: سنعلق العدوان على رفح إذا توصلنا لصفقة ما "حماس"
أبريل 28, 2024
قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إنّه في حال التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع حركة حماس، فإن اسرائيل ستوقف العدوان العسكري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وجاءت تصريحات كاتس للقناة /12/ العبرية الخاصة، بعد نشر كتائب "القسام" الذراع العسكري لحركة "حماس" مقطعا مصورا لأسيرين محتجزين في غزة، يطالبان حكومة نتنياهو بإطلاق سراحهما.