بعد 200 يوم... فشل متراكم لمنظومات الاحتلال في إخماد جذوة المقاومة في غزة
بعد 200 يوم على عدوانه على قطاع غزة، ما زال الاحتلال الإسرائيلي يُمنى بفشل ذريع في تحقيق أي من أهدافه التي أعلن عنها، ولم يفلح سوى بتحقيق أرقام قياسية في القتل والاجرام، وتدمير مساحات شاسعة طالت أكثر من 75% من القطاع، بفعل القصف الصاروخي الذي لم يتوقف يوما واحدا منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأجمع كُتّاب ومحللون سياسيون التقتهم "قدس برس"، اليوم الثلاثاء، على أن "رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي كان قد حدد عند انطلاق العملية العسكرية، أهدافا أساسية، هي القضاء على (حماس) واستعادة المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وإنهاء أي تهديدات من قطاع غزة، قد غرق اليوم في وحل غزة، وأغرق معه منظوماته الأمنية والعسكرية والسياسية، وأوصل الاحتلال إلى عزلة دولية، لم تكن بالحسبان".
حيث قال المختص في الشؤون الإسرائيلية عمر جعارة إن "المفروض بقائد أي معركة ان يقدم (جرد حساب) أو على الأقل خطة مكتوبة أو حتى شفوية لما ينوي ويخطط للقيام به من جهة، ولسير العمل والتنفيذ من جهة أخرى، غير أن نتنياهو يعمل دون تقديم أي دليل للداخل ولا للعالم على اقترابه من تحقيق ما حدده من أهداف للحرب التي يشنها في قطاع غزة، كما لم يقدم استراتيجية تقود لتحقيق هذه الأهداف وإنهاء الحرب".
وأشار إلى أن "هذا الفشل المتراكم، أحدث زلزالا في داخل (مجلس الحرب الإسرائيلي)، جعل من أعضائه يتقاذفون الاتهامات ويحملون بعضهم المسؤولية عنه، كما أنه قوى شوكة المعارضة التي باتت تتهم نتنياهو بالمسؤولية الكاملة عن كل ما لحق بالكيان من خسائر جسدية ومادية ومعنوية، وزعزع من علاقاتها مع الكثير من دول العالم".
استنزاف الجيش
ووصل عدد قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى 606 قتلى وأكثر من 3294 مصابا وأكثر من ألفي جندي معاق، ليطرح انقضاء 200 يوم من الحرب سؤالا جوهريا عن إمكانية إدارة حرب لا يعرف أحد وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها، في حين يقترب نتنياهو من استنزاف غضب جزء كبير من المؤيدين له.
يعلق الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق على ذلك بقوله "200 يوم، وغلاف مستوطنات غزة تحت القصف، بل امتد لعكا والشمال وإيلات، وبات باليستياً وعبر مسيّرات، وأيضا أبو عبيدة ما زال يخرج صوتا وصورة، والمقاومة توثق عملياتها ما يعني أن القيادة والتحكم مستمران".
وتابع "شروط المقاومة لا تغيير عليها بل الإصرار يزداد، ما يدلل على قوة لم تتأثر، في حين يفشل جيش الاحتلال في السيطرة على بيت حانون شمالا ويتجهز لمحاولة الانقضاض على رفح، رغم أن الردع الإسرائيلي يزداد ضعفا".
وأشار إلى أنه "وبعد 200 يوم من القصف والقتل، يحاول الاحتلال التمركز في المنطقة الشرقية للقطاع لفصلها عن الوسط والجنوب ومنع النازحين من العودة وإقامة منطقة عازلة بعمق 500 متر من السياج الفاصل داخل القطاع، لكن هذا التمركز سيجعل القوات صيدا سهلا للمقاومة التي تواصل تنفيذ ضربات في مناطق لم يتوقع الاحتلال أن يؤتى منها بعد ما ألحقه بها من دمار".
أخطاء قاتلة
من جهة أخرى، رأت صحيفة /هآرتس/ العبرية، أن "حكومة بنيامين نتنياهو ارتكبت بعد تنفيذ عملية (طوفان الأقصى) أخطاء قلصت من قدرة الاحتلال الإسرائيلي على حسم الحرب في غزة لمصلحتها، وتهدد بإلحاق هزيمة بها.
ولفتت إلى أن "مماطلة حكومة نتنياهو في السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة جعل (إسرائيل) تخسر في النهاية القدرة على توظيف هذه الورقة، لأن هذا الواقع أفضى إلى تكثيف الضغوط الدولية التي أجبرت تل أبيب على فتح أبواب القطاع أمام المساعدات من دون أن تكون قادرة على استغلالها روافعَ ضغط في المفاوضات للإفراج عن أسراها".
وخلصت الصحيفة إلى أن "تأثير تباهي الضباط والجنود بجرائمهم وتوثيقها فاق عشرة أضعاف تأثير ما تبثه قناة الجزيرة عن الحرب".
وبحسب الصحيفة، فإن" حكومة نتنياهو تجاهلت آلام عوائل الأسرى (الإسرائيليين) وتعاملت معها بلامبالاة تامة".
فشل مركب
وفي تحليل موسع، أشارت مجلة /إيكونوميست/ البريطانية إلى أن "هناك أوجه كثرة للفشل لدى جيش الاحتلال، أولها الفشل الاستراتيجي، حيث يقع اللوم في المقام الأول على السياسيين (الإسرائيليين)، وتحديدا نتنياهو، الذين رفضوا قبول أي قوة فلسطينية بديلة تسيطر على غزة. كما تقع المسؤولية أيضا على عاتق الجنرالات وفهمهم لكيفية قياس النجاح هناك".
أما الفشل الثاني، "فهي الطريقة التي خاض بها جيش الاحتلال هذه الحرب، وتحديدا المستويات العالية من الدمار وقتل المدنيين".
أما الفشل الثالث لهذا الجيش فهو "دوره في عرقلة جهود المساعدات لسكان غزة، رغم أن الضباط ألقوا باللوم في ذلك على السياسيين بشكل أساسي".
وتختم إيكونوميست تحليلها بالتأكيد على أن "الوضع لا يبشر بالخير، فالحرب في غزة لم تنته بعد، كما أن الخطوة التالية لإسرائيل غير واضحة".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أميركية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 34 ألفا و 183 شهيدا، وإصابة 77 ألفا و 143 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 85 بالمئة من سكان القطاع، بحسب سلطات القطاع وهيئات ومنظمات أممية.