صحفيو غزة في دائرة "الإبادة" الإسرائيلية.. أشكال مختلفة من الاستهداف لطمس الحقيقة

يتعرض صحفيو غزة، خلال العدوان المتواصل على القطاع، لملاحقة ومطاردة على مدار الساعة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول تغييب أي صوت ينقل حقيقة ما يجري.
فقد سجلت حرب غزة منذ اندلاعها في الـ7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتقاء 143 شهيدا من العاملين بالوسط الصحفي الفلسطيني، وهي أعلى حصيلة وثقت في قتل الصحفيين بتاريخ الأمم المتحدة.
آخر هؤلاء الشهداء كان المصور الصحفي بهاء عكاشة، الذي يعمل في فضائية /الأقصى/ المحلية، وارتقى بجانب زوجته وأبنائه في قصف إسرائيلي استهدف منزله بمخيم جباليا شمال القطاع.
استهداف متعمد
وارتقى العشرات من صحفيي غزة خلال تغطيتهم الميدانية في نقل الصورة ورصد الانتهاكات الإسرائيلية ونقل معاناة النازحين، وتعمد جيش الاحتلال اغتيالهم رغم معرفته المسبقة بطبيعة عملهم وأخذهم لدرجات الحيطة والحذر وارتدائهم للخوذة والدرع الموسومة بعبارة "PRESS".
ومن بين هذه الشواهد ما يرويها الصحفي، سامي شحادة، المصور الخاص لقناة /TRT عربي/، الذي بترت ساقه، وحوله الاحتلال لرجل مقعد نتيجة سقوط قذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية نحوه بشكل مباشر، أثناء تغطيته لاجتياح جيش الاحتلال، لمخيم النصيرات في 11 من نيسان/ إبريل 2024.
ويقول شحادة لـ"قدس برس": "وصلت لمنطقة صنفها جيش الاحتلال على أنها آمنة في النصيرات، وكنت أرتدي الزي الخاص بالصحافة، وأقف بجانب سيارة البث المميزة بعبارات الصحافة باللغتين العربية والانجليزية، وما أن بدأت تجهيزات النقل المباشر، أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة نحونا فسقطت مصابا وبترت ساقي".
ويتابع: " أعمل في مهنة المتاعب منذ 17 عاما، وأشارك في تغطية الحروب الإسرائيلية وجولات التصعيد المتكررة في القطاع منذ العام 2008، إلا أن هذه الحرب هي الأعنف، فنحن نواجه إبادة حقيقية ونتعرض لاستهداف مباشر لتغييب صورة غزة عن العالم".
أما الصحافيان في قناة /الجزيرة/ القطرية، إسماعيل أبو عمر وأحمد مطر، فقد تعرضا كذلك لقصف إسرائيلي من طائرة مسيرة استهدفت سيارة البث الخاصة في محيط مستشفى ناصر بمدينة خانيونس، وأدت لبتر قدم المراسل "أبو عمر"، ومضاعفات خطيرة لزميله "مطر"، الغائب عن الوعي منذ 13 شباط/ فبراير 2024.
أشكال مختلفة من الاعتداءات
وتباينت الاعتداءات الإسرائيلية ضد الوسط الصحفي الفلسطيني لتأخذ مسارات مختلفة منها القتل المباشر، إذ وصلت حصيلة الشهداء لـ143 شهيدا، وفق مصادر رسمية بالقطاع.
ويقول مراسلنا في غزة: "شكل آخر من الانتهاكات الإسرائيلية يتمثل باستهداف الاحتلال لبيوت ومنازل الصحفيين، في محاولة للنيل منهم، ومن بين الشواهد استهداف منزل الصحفي وائل الدحدوح مدير مكتب الجزيرة بغزة، حيث تعمد الاحتلال استهداف عائلته مرتين فقتل زوجته وعددا من أبنائه".
كما استهدف الاحتلال منازل العشرات من الصحفيين، وكان آخرهم، ليلة أمس، منزل الصحفي بقناة الجزيرة، أنس الشريف، في بيت لاهيا، وقبل ذلك استهدف الاحتلال منزل الصحفي باسل خلف مراسل قناة /العربي/، إضافة لبيوت العشرات من الصحفيين التي لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية.
إغلاق قناة الجزيرة
تعرضت قناة /الجزيرة/ لتحريض واسع من قبل الحكومة الإسرائيلية بسبب تغطيتها للحرب على غزة، دفعت برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الاتصالات في حكومته شلومو كرعي، لتقديم مشروع قانون في مجلس الوزراء لإغلاق مكاتب القناة العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وسبق أن وصف نتنياهو القناة بـ"التحريضية"، كما اتهم مراسليها بأنهم "مسوا بأمن الدولة وحرضوا على جنود جيش الاحتلال وعرضوهم للخطر".
ومثل هذا الحدث صدمة في الأوساط الصحفية والإعلامية، واعتبرها كثيرون "دليل تخبط وقلق تواجهه دولة الاحتلال، بعد أن فقدت جزء من صورتها أمام المجتمع الدولي بسبب حربها على غزة".
ويقول نائب رئيس منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، محمد أبو قمر لـ"قدس برس": أن "القرار الإسرائيلي بحق الجزيرة، يأتي في سياق دفع القناة الداعمة للسردية الفلسطينية لتغيير خط التحرير الخاص بها، بعد أن أثبتت قدرتها في التأثير على الرأي العام الإقليمي والدولي".
ويضيف: "أثبتت قناة الجزيرة منذ اليوم الأول للحرب تفانيها في تسليط الضوء على كل الجوانب المتعلقة بالحرب، سواء على الصعيد الميداني والإنساني والإغاثي والسياسي والحقوقي، وهذا ما أثار غضب الاحتلال الذي سعى للترويج لروايته ومحاولة تعميمها".
تجدر الإشارة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، يواصل عدوانه على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بمساندة أمريكية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 34 ألفا و 971 شهيدا، وإصابة 78 ألفا و 641 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 1.7 مليون شخص من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.