تقرير: جباليا.. "مخيم الثورة" عقدة جيش الاحتلال ولعنة تطارده

مثّل مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة على مدار التاريخ العقدة المستعصية أمام دولة الاحتلال التي حاولت مرارا وتكرارا التخلص منه ومن كل المخيمات الفلسطينية بشتى الطرق لإنهاء قضية اللاجئين التي تعتبر لب القضية الفلسطينية للأبد ولكنها فشلت.

لم يكن الشعب الفلسطيني قبل العام 1948م، وهو عام النكبة يعرف "المخيم"، ولكنه عرفه حينما هجرته العصابات الصهيونية عن أراضيه وبيوته بقوة السلاح واضطر للعيش فيه بشكل مؤقت لحين عودته إلى ارضه التي هجر عنها.

تحولت المخيمات الفلسطينية وفي مقدمتها مخيم جباليا الذي يطلق عليه الفلسطينيون "مخيم الثورة" خلال أكثر من 7 عقود إلى رمز وطني ومحضن للمقاومة وهاجس يطارد الاحتلال الذي يحلم بالتخلص منه بأي طريقة كونه أحد الشهود على النكبة.

يقع مخيم جباليا وهو أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد اللاجئين حيث يزيد تعداد سكانه عن 150 ألف نسمة في بقعة صغيرة لا تزيد عن 1.5 كيلو متر مربع على اراض مدينة جباليا؛ وهي واحدة من المدن الفلسطينية القديمة التي لها تاريخ عريق منذ القرن الرابع الميلادي حيث اقام الرومان على جزء من أراضيها قرية "أزاليا"، والتي اندثرت عندما رحلوا عنها وتحول اسمها الى جباليا.

وسعت الدولة العبرية تاريخيا لتدمير مخيم جباليا وإزالته عن الوجود وحاولت أكثر من مرة توطين اللاجئين في أماكن متفرقة، منها ما هو خارج غزة والتي فشلت جميعًا، ومنها ما هو داخل غزة عبر مشاريع الإسكان، وذلك رغبة منها في إنهاء كل ما يمت للمخيمات واللاجئين بصلة حتى الأونروا التي أنشئت من أجلهم يحاربها ويحاول بشتى الطرق أن يجفف مواردها لتنتهي وليسهل بعد ذلك تصفية القضية الفلسطينية.

وغدا طابور اللاجئين على مراكز التموين يدخل في قلوب المحتلين الرعب لأنه يؤكد يومًا بعد يوم أن هذه المخيمات حية وشاهدة على أكبر جريمة في التاريخ المعاصر، اقتلاع شعب حي من أرضه وتراثه وإحلال عصابات تم تجميعها من شتات الأرض محله، فالمخيمات تذكرهم بأن هذا الاحتلال لا بد زائل طال الزمان أم قصر".

وبعد ان نصب اللاجئون خيامهم في هذا المخيم عام 1948 بدؤا يفكرون في العودة الى ديارهم وكانوا على قناعة ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة فبدأت الإضرابات والمظاهرات والعمليات الفدائية تنطلق من المخيم بما تيسر من سلاح وقدم المخيم الاف الشهداء والجرحى والأسرى في سبيل الحرية.

وعندما أنشئ جيش التحرير الفلسطيني في ستينيات القرن الماضي سارع المئات من شبان المخيم للانضمام إليه وأقيمت معسكرات التدريب من أجل ذلك، وشاركوا في عمليات فدائية داخل خط الهدنة وحرب حزيران عام 1967، للدفاع عن وطنهم إلى جانب إخوتهم العرب، ولم تثنهم الهزيمة والاحتلال عن المقاومة والانضمام إلى التشكيلات الفدائية التي أرقت العدو وأوقعت فيه الخسائر الجسيمة.

 وكانت أوج هذه العمليات بين عامي 1968 و 1972 إذ قام وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون آنذاك بعمليات استهداف كبيرة للفدائيين وهدم أعداد كبيرة من منازل المخيم في محاولة منه لوأد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.

ومثل العقد السابع من القرن الماضي بداية هذه التحولات من خلال حرب العصابات التي كان يقودها أبناء المخيم ضد قوات الاحتلال ليظل دافعا كبيرا للأجيال القادمة التي فجرت انتفاضة الحجارة في 8 كانون اول/ ديسمبر من عام 1987 والتي امتدت لاحقا الى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة ليطلق على مخيمها اسم "مخيم الثورة".

وعلى الرغم من ان مخيم جباليا يعتبر من المناطق الأكثر فقراً والأكثر عرضةً للاجتياحات والقصف الإسرائيلي؛ الا انه كان امتداد لكافة الفصائل الفلسطينية التي سعت ان يكون لها أذرع عسكرية تضرب بقوة لا سيما "كتائب القسام" التي تقود المعارك الان في المخيم، حيث كان لعناصرها دور مهم خلال انتفاضة الحجارة ثم انتفاضة الأقصى والتي خاضت خلالها عدة معارك عام 2004 ما عرف باسم "أيام الغضب".

لم يعش اللاجئون الفلسطينيون في مخيم جباليا وبقية المخيمات حياة مستقرة فالفقر والبؤس صفتان لازمتهم ولم يفارقهم حنين العودة إلى الوطن لكنهم خافوا على إرث الماضي الذي حافظ عليه الأجداد والآباء وتناقلوه بينهم.

كان يدرك الاحتلال قوة كتائب مخيم جباليا فحرص منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر الماضي بقصفه بشدة والتوغل فيه عدة مرات للقضاء على أي شكل من اشكال المقاومة الا انه في كل مرة توجه له المقاومة ضربات موجعة رغم تدميره كل شيء هناك ليغرق في وحل مخيم هذا المخيم الذي ظل عقدته ولعنة عليه.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
ترامب: وقف إطلاق النار في غزة "وشيك"
يونيو 27, 2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة "بات قريبا"، مرجحا أن يتم إبرامه خلال الأسبوع المقبل. وأضاف ترامب خلال فعالية في البيت الأبيض احتفالا باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، أنه تحدث أخيرا مع عدد من الأطراف المعنية بالمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في قطاع
"القسام" تعلن تفجير نفق مفخخ شرق خان يونس ومقتل ضابط "إسرائيلي"
يونيو 27, 2025
أعلنت كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، الجمعة، تنفيذ عملية تفجير نفق مفخخ استهدفت قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بتاريخ 16 حزيران/يونيو الجاري. وذكرت الكتائب، في بيان مصوّر نشرته، أن العملية أسفرت عن مقتل نائب قائد كتيبة في جيش الاحتلال، وإصابة عشرة جنود بجروح متفاوتة. وأشار البيان
عنف المستوطنين يتواصل.. إطلاق نار وسرقة وتخريب في رام الله والخليل
يونيو 27, 2025
شهدت مناطق عدة في الضفة الغربية، الجمعة، سلسلة اعتداءات عنيفة نفذها مستوطنون "إسرائيليون" مسلحون بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، تخللتها أعمال ترويع وتخريب متعمد. ففي بلدة "شقبا" غرب رام الله، هاجم عدد من المستوطنين مجموعة من المواطنين أثناء تواجدهم في أراضيهم الزراعية شمال غرب البلدة. وقام المستوطنون بطرد أصحاب الأرض تحت تهديد السلاح، حيث أظهر مقطع
البرازيل.. مظاهرة حاشدة أمام القنصلية الأميركية في ساو باولو رفضا للعدوان على غزة
يونيو 27, 2025
شارك العشرات من النشطاء البرازيليين والمنظمات السياسية والنقابية، اليوم الجمعة، في تظاهرة جماهيرية أمام القنصلية الأمريكية في مدينة ساو باولو (جنوب شرق البرازيل)، احتجاجا على استمرار العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، والدعم الأميركي اللامحدود لحكومة الاحتلال. وجاءت التظاهرة بدعوة من قوى يسارية وحركات اجتماعية، بينها الحزب الشيوعي الثوري (P.C.O)، ومركز النقابات الشعبية  (CSP Conlutas)، ومجموعة
لازاريني: نظام توزيع المساعدات الجديد في غزة تحوّل إلى "ساحة قتل"
يونيو 27, 2025
قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، الجمعة، إن نظام توزيع المساعدات الجديد في قطاع غزة، الذي بدأ تطبيقه قبل نحو شهر، أدى إلى "مقتل أكثر من 400 شخص من المدنيين الجوعى". وأضاف لازاريني في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، أن هذا النظام أصبح "ساحة قتل" بدلا
غوتيريش: البحث عن الطعام في غزة لا يجب أن يكون "حكما بالإعدام"
يونيو 27, 2025
ندد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجمعة، بالوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. وأكد غوتيريش أن السعي للحصول على الطعام لا يجب أن يُعرّض الناس للموت، محذرا من أن آليات توزيع المساعدات الحالية في القطاع تؤدي فعليا إلى قتل المدنيين. وقال في تصريح للصحفيين من نيويورك: "يُقتل الناس لمجرد محاولتهم إطعام عائلاتهم وأنفسهم. لا