يحدث في غزة فقط... مواكب الشهداء حدث يومي منذ تسعة أشهر

غزة (فلسطين) - قدس برس
|
يوليو 23, 2024 7:13 م
يصلي مروان الفجر في خيمة أقامها بالقرب من مقبرة "النصيرات" وسط قطاع غزة، ثم يتجه إلى مشفى "العودة" الذي لا يبتعد كثيرا عن المقبرة، وهناك يعرف من خلال قسم الاستقبال والطوارئ عدد الشهداء الذين وصلوا المشفى خلال ساعات الليل لمعرفة كم قبراً سيجهز خلال الساعات المقبلة.
فقد مروان وهو في الثلاثينات من عمره حاليا، اثنان من أبنائه في قصف استهدف إحدى مدارس الإيواء شباط/فبراير الماضي، لم تسعفه الظروف من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على أبنائه؛ بسبب إصابته البالغة التي تعرض لها في رأسه، والتي أجبرته على البقاء في سرير المشفى عدة أيام، فقرر التطوع والمبادرة بعمل خيري وهي تجهيز مقابر الشهداء.
وقبيل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بنحو شهر، أعلنت وزارة الأوقاف هناك عن إغلاق عدد من المقابر لامتلائها، مثل مقبرتي "الشيخ رضوان" شمال غرب مدينة غزة، و"المعمداني" وسط المدينة، وبعد ذلك القرار بنحو شهر آخر، بدأ القطاع في مواجهة تحد إنساني وبيئي وأخلاقي، نادر في تاريخ العالم. أين سندفن مئات الشهداء الذين تقتلهم إسرائيل يوميا؟ في مجتمع يعتبر أن إكرام الميت في سرعة دفن جثمانه.
يشير مروان في حديث لـ"قدس برس" إلى أنه أكثر من يشعر بإحساس الفقد "فأنا لم أتمكن من تجهيز قبر أبنائي أو حتى توديعهم، فقررت تكريما لهم أن أبقى بجانبهم لخدمتهم، واختار لهم جيرانهم من الشهداء" على حد تعبيره.
ولأجل ذلك "أساعد ذوي الشهداء الذين يأتون يوميا في ساعات الفجر الأولى لتجهيز قبور ذويهم، أرشدهم بحكم خبرتي إلى المواقع التي يمكن أن تكون متاحة لدفن شهدائهم، وأساعدهم على اختيارها وما إذا كان من الممكن اختيار قبور جماعية في الحالات التي يكون فيها الشهداء أشلاء اختلط رفاتهم برفات من استشهد معهم".
لا تكاد تخلو مقابر القطاع من زوار دائمين يجوبونها طوال فترة النهار، وهم عادة ما يكونون من أقارب وأصدقاء الشهداء يأتون لقراءة الفاتحة والدعاء لهم، وآخرين لم يحالفهم الحظ في إلقاء نظرة الوداع لظروف الحرب القاهرة التي حالت دون مشاركتهم في مراسم الدفن، فتراهم يأتون تباعا من مناطق مختلفة للمقبرة، يجلسون ساعات مع شهدائهم يحاورونهم تارة، ويدعون لهم تارة أخرى.
وينشط في مقبرة "النصيرات" عدد من الشبان، جزء منهم يحفر القبور، وتجهيز الحجار اللازمة للتلحيد ووضع شواهد، إضافة إلى فتح ممرات لتسهيل حركة الناس بين القبور.
وحوّلت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، مواكب الشهداء إلى حدث يومي هناك، تخرج جثامين الشهداء من المشافي إلى المقابر محمولة على أعناق الأقارب والأصدقاء، حيث تؤدي صلاة الجنازة في المقبرة، حيث كان معتادا الصلاة عليها في المساجد التي دمرها الاحتلال.
وما أن تنفض جموع المعزين من الرجال ويغادرون المقبرة، حتى تبدأ أمهات وأخوات وزوجات الشهداء، بالجلوس أمام القبر والدعاء له، في مشهد بات مألوفا داخل المقبرة.
واستحدث الفلسطينيون في قطاع غزة عدداً كبير من المقابر المؤقتة لدفن شهدائهم وموتاهم، بعد أن أمست معظم المقابر الرسمية، والتي توجد جلها في أطراف المدن خارج الخدمة بفعل وقوعها تحت سيطرة قوات الاحتلال.
وتبرع عدد من الغزيين بقطع أراض لكي يقوم سكان كل منطقة بدفن شهدائهم وموتاهم فيها، وفي غالبها تضم قبورا جماعية؛ نظرا للعدد الكبير من الشهداء، حيث تتم عمليات الدفن بصورة سريعة وبحضور الحد الأدنى من العوائل، خوفا من القصف الإسرائيلي.
وفيما كان مروان يحمل أدوات الحفر، ويسير برفقة مراسل "قدس برس" بين القبور بحثا عن مساحات يمكن حفرها، أعرب عن اعتقاده، أن منطقة قطاع غزة شهدت خلال الأشهر التسعة الماضية، أكبر عمليات حفر للقبور في العالم.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 39 ألفا و 90 شهيداً، و 90 ألفا و 147 إصابة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مدعومة من الولايات المتحدة وأوروبا، ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، لليوم الـ 291 تواليًا، عبر شن عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي، مع ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وسط وضع إنساني كارثي نتيجة الحصار ونزوح أكثر من 95 بالمئة من السكان.