الشهيدة وفاء جرار.. المرأة الفلسطينية التي وهبت نفسها للجهاد والمقاومة
منذ ارتباطها بزوجها القيادي في حركة حماس الأسير عبد الجبار جرار، قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيف، تغيرت حياة الشهيدة وفاء جرار (50 عاماً) تغيرا جذريا، فقد ارتضت لنفسها أن تكون زوجة لرجل سلك طريق الدعوة والجهاد، وابدى استعداده الكامل لدفع ثمن ذلك من عمره وحياته الخاصة، وقد كانت أم حذيفة رفيقة الدرب والأمينة على بيتها وأسرتها أول وأكبر الداعين له وشاركته الأجر والثواب، بعد أن انخرطت بقوة في العمل الدعوي والمجتمعي، تحمل فكر المقاومة وتنشر دعوة الله في كل مكان حلت فيه.
وتحملت أم حذيفة مبكرا العبء الأكبر، خاصة بعد الاعتقالات المتتالية التي كان يتعرض لها زوجها، خاصة في ظل وجود أربعة أبناء (حذيفة، تقوى، أمجد، زيتونة)، نشأوا وترعرعوا في بيت يؤمن ايمانا راسخا بحتمية زوال الاحتلال، وبضرورة مقاومته وتقديم الغالي والنفيس فداء للقدس والأقصى وفلسطين.
ذاع صيت أم حذيفة، نظرا لتواضعها وقربها من الناس والوقوف معهم في السراء والضراء، فلم تكن تفارق بيوت الشهداء وتواسي ذوي الأسرى رغم أنها واحدة منهم، حتى شكلت مع مجموعة من النسوة قبل نحو ثلاثة أعوام، وتحديدا مع معركة "سيف القدس" وانطلاق شرارة المجموعات العسكرية في جنين ونابلس عام 2021 "رابطة أمهات الشهداء والأسرى في الضفة الغربية"، ولم تكن تعلم أنها ستكون يوما ما شهيدة يؤم الناس بيتها لمواساة عائلتها كما كانت تفعل هي دوما.
تقول ابنتها الصغرى زيتونة "كانت أمي تكرر دوما أنها قادرة على تلمس حاجة الناس لمن يقف معهم في محنتهم. ينصحهم ويشاركهم همومهم، يُهوّن عليهم ويمسح على جرحهم، ويتعاطف معهم، وأنا أيضا احتاج إلى من يقف إلى جانبي في محنتي المتكررة وقت اعتقال زوجي وأولادي. كان هناك البعض ممن فعلوا ذلك بالطبع، ولا أنسى فضل أحد، ولكن كانت مبادرات شخصية، تهب أحياناً وتخبو أخرى".
وتضيف "من هون قرّرت والدتي الشهيدة أن تكون من يُغيّر المعادلة، أن تكون (فاقد الشيء. ومن يعطيه بسخاء)، وأن تكون ومن معها بلسماً لجراح الناس الذين يعيشون ما عشناه ونعيشه تكراراً ومراراً".
وعن ظروف العائلة اليوم، تشير الابنة الصغرى إلى أن والدها المعتقل منذ ستة أشهر وجُدّد اعتقاله اليوم لستة شهور أخرى، كان قد تلقى خبر إصابة والدتهم من أحد الأسرى الذين اعتقلوا لاحقاً، حيث لم يكن يعلم عن اعتقالها وإصابتها... حينها عبّر أبي عن شكره لله وسجد له، مؤكداً أن زوجته "أم حذيفة" صدقت الله فصدقها، وأنه سيكون وفياً لها ويكافئها.
وأمضى عبد الجبار جرار في سجون الاحتلال أكثر من 16 عاماً، ويقضي حاليا حكماً إداريّاً لـ 6 أشهر منذ السابع من فبراير/ شباط الماضي. أما هي فقد اعتقلت لأول مرة يوم 21 أيار-مايو الماضي، من بيتها في جنين، واصيبت بعد انفجار عبوة ناسفة في الآلية العسكرية التي كانت تقلها.
أما عن المرحلة التي تبعت إصابتها، فقد كانت أم حذيفة مدرسة في الصبر، تقول الابنة "رغم بتر قدميها، بقيت والدتي صابرة ومحتسبة، وكانوا يواسونها إنها مثل الصحابي جعفر بن أبي طالب، ومثل القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، نصر جرار، اللذين بترت أطرافهما، حتى استشهدت صباح اليوم.
والشهيدة كانت مرشّحة سابقة ضمن قائمة "القدس موعدنا" التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي تم إلغاؤها عام 2021 بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
كما أنها طالبة حيث كانت تكمل دراسة الماجستير بتخصص اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس.
وكان الاحتلال يتعمد سرقة فرحة العائلة مع كل مناسبة تمر بها. فقبل يومين من حفل زفاف نجلها الأكبر حذيفة، جرى اعتقال الأب، ثم أفرج عنه بعد الفرح بأسبوع واحد فقط، وكان الهدف تنغيص الفرحة.
الأمر الذي تكرر مع فرحة العائلة الثانية بزواج ابنهم (أمجد)، بتاريخ 27 من أيار الماضي، ويتم اعتقال الأم وفاء لأول مرة بتاريخ 21 أيار، وقبل ذلك كانت في السوق تتحضر وتشتري الذهب وهو ما عرف عنه الاحتلال وفور مداهمة المنزل تم السؤال عن الذهب والاحتفال لحظة الاستيلاء عليه.
وشيع الفلسطينيون ظهر اليوم الاثنين، جثمان الشهيدة وفاء جرار بمسقط رأسها في مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
وانطلق موكب تشييع جثمان الشهيدة من أمام مستشفى جنين الحكومي في مدينة جنين، ثم نقلت إلى منزلها في المدينة، حيث ألقت عائلتها نظرة الوداع الأخيرة على جثمانها. بعد ذلك، نقلت إلى مسجد جنين الكبير وتم أداء صلاة الجنازة على جثمانها، ثم حملها المشيعون على الأكتاف وجابوا بها شوارع مدينة جنين، بمشاركة نسائية، وسط هتافات تمجد الشهيدة وتندد بجرائم الاحتلال، وصولاً إلى المقبرة الغربية في المدينة، حيث ووري جثمانها في الثرى.