أمريكا اللاتينية.. مواقف متقدمة تدعم فلسطين وتدين "إسرائيل" في ذكرى "الطوفان"

شهدت دول أمريكا اللاتينية مواقف متقدمة بدعم حق الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتنديد بالإبادة الجماعية التي يتعرضون لها منذ السابع من تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، متجاوزة بذلك العديد من مواقف دول العالم.
وأعلنت كولومبيا وبوليفيا قطع علاقاتهما الدبلوماسية مع "تل أبيب"، بينما سحبت كل من البرازيل وتشيلي سفيريهما، وانضمت الأخيرة إلى جانب نيكاراغوا في دعوى جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية.
وبالتزامن مع مرور عام على ذكرى "طوفان الأقصى"، نرصد هذه التطورات في أمريكا اللاتينية ونتساءل عن مدى تأثيرها وما قد تحمله من تداعيات مستقبلية، إذ يرى الباحث المتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية، علي فرحات، أن "أمريكا اللاتينية مثلت ظاهرة استثنائية في مواقف رؤساء الدول تجاه القضية الفلسطينية، مثل البرازيل، كولومبيا، تشيلي، فنزويلا، كوبا، والمكسيك، وكانت هذه المواقف من أقوى المواقف العالمية."
وأضاف فرحات لـ"قدس برس"، أن "تصريحات رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، ووصفه لما يحدث في غزة بأنه إرهاب دولة، ووصف الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، ما تقوم به دولة الاحتلال في غزة بأنه إبادة جماعية، لم تكن مجرد شعارات، بل تُرجمت إلى قطع علاقات دبلوماسية وسحب سفراء".
وأشار فرحات إلى أن "هذه المواقف السياسية اللاتينية الحادة بسبب الحرب الوحشية على الشعب الفلسطيني، لم تلجأ إليها حتى بعض الدول الإسلامية التي لديها علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني"، وفق قوله.
وحول إمكانية البناء على هذه المواقف التي لم تتوقف في أمريكا اللاتينية، رغم مرور عام على معركة "طوفان الأقصى"، قال فرحات: "يمكن البناء عليها بشكل كبير، خصوصًا في ظل نتائج هذه المعركة، حيث بدأت تظهر بوادر تحولات واضحة في أمريكا اللاتينية".
ويضيق "فرحات": "رأينا تغييرات جذرية مع اجتياح اليمين المتطرف في هذه الدول، ولكن (طوفان الأقصى) ساهم في تعزيز الوعي الشعبي للحد من تأثير هذه الظاهرة، خصوصًا داخل الطبقات المثقفة والفنانين والمفكرين وأساتذة الجامعات، حيث نلمس تعاطفًا كبيرًا مع القضية الفلسطينية وإدانة تامة لما يفعله العدو الصهيوني".
وتابع: "هناك أيضًا نقاشات ومحاضرات تتناول جذور الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، مما فتح باب النقاش المعرفي في قارة كانت بعيدة عن هذا الحوار ومتأثرة بالدعاية الصهيونية الأمريكية."
واعتقد فرحات أن "مقاطعة إسرائيل في أمريكا اللاتينية أصبحت موجودة على الطاولة، وإن كانت ضغوط الشركات الكبرى التي تعمل خارج الإطار اليساري في هذه الدول، تعمل على تخفيف حدتها بمساندة وسائل الإعلام الكبرى التي ما زالت تتبنى السردية الإسرائيلية، والتي ما زالت تحجب من قدرة هذه الثقافة – ثقافة المقاطعة – في المنطقة اللاتينية."
وأوضح فرحات أن "اليسار اللاتيني كان منسجمًا مع مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، وكانت مواقفه بينة وواضحة وعززت نظرته التاريخية المنددة بالإمبريالية التي عملت على زراعة الكيان الصهيوني في المنطقة".
وأرجع فرحات سبب ذلك إلى "معركة طوفان الأقصى التي منحته الجرأة والأريحية في إطلاق هذه المواقف".
وعند سؤالنا عن تأثير الجاليات العربية والإسلامية في أمريكا اللاتينية وثقلها في القارة الجنوبية، لفت فرحات النظر إلى أن: "للجاليات العربية والإسلامية دور مهم في دعم اليسار اللاتيني من خلال نشر الوعي، خاصة أنهم يمتلكون قوى اقتصادية وثقافية متميزة في هذه البلدان".
ومع ذلك، ذهب فرحات إلى القول بأن "النشاط العربي لا يزال محدودًا في أمريكا اللاتينية، نتيجة الملاحقات التي يتعرض لها بعض المسلمين والعرب من قبل اللوبي الصهيوني وبعض أجهزة الاستخبارات في المنطقة، بالإضافة إلى الحملات المستمرة ضدهم".
وأكد أن "هذا لا يبرر التقاعس الكبير لبعض الجاليات العربية، التي رغم تنظيمها لبعض المظاهرات والندوات، كان عليها أن تلعب دورًا أكبر وأكثر تأثيرًا وفعالية".
من جهته، رأى الكاتب البرازيلي، سيد ماركوس تينوريو، أنه "خلال عام كامل، رأينا مشهدين بارزين: الأول هو تدمير البنية التحتية لغزة من قبل إسرائيل، والذي صدم العالم، يتبعه القتل المتعمد لآلاف المدنيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، في إشارة واضحة إلى أن أحد أهداف تل أبيب هو إبادة الشعب الفلسطيني".
وتابع تينوريو: "أما المشهد الثاني فهو صمود الشعب الفلسطيني وشجاعته وبطولته، ودعمه لمقاومته ورغبته القوية في الحرية والعيش بسلام، وهو ما يعني أنه رغم الدمار والعدد الكبير من الشهداء، ستخرج المقاومة الفلسطينية منتصرة."
وشدد تينوريو، في حديثه لـ"قدس برس"، أن "عملية طوفان الأقصى كانت بمثابة إنذار أيقظ العالم تجاه إبادة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ 76 عامًا، وأتاحت للعالم رؤية العنف والجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بوضوح".
وتساءل تينوريو، وهو مؤلف كتاب "فلسطين": "من كان يتصور أن ملايين الناس سينزلون إلى الشوارع في المدن الرئيسية في العالم للدفاع عن حق الفلسطينيين في أرضهم وحياتهم؟ حتى في الولايات المتحدة، حيث تحظى إسرائيل بأكبر قدر من الدعم، وأيضًا في أمريكا اللاتينية والبرازيل تحديدًا، تستمر المظاهرات الداعمة لفلسطين، وبات الشعب البرازيلي لديه رؤية مختلفة حول القضية الفلسطينية، وغالبيته تدعم قضية التحرير."
وحول مواقف الرئيس البرازيلي، دا سيلفا، المؤيدة للفلسطينيين والمنددة بعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، حيث كان من بين أول الرؤساء الذين وصفوا ما يحدث في غزة بـ"الإبادة الجماعية"،
وأوضح تينوريو أن "الرئيس البرازييلي يدرك أن نضال الشعب الفلسطيني يتماشى مع ما كان دائمًا يدافع عنه، فهو شخص له حياة مليئة بالنضال من أجل الحقوق، ولا شك أن دعم الرئيس لولا تجاه الفلسطينيين صادق."
ولفت تينوريو، النظر إلى أن "كل ذلك لا يعني أنه لا يوجد عدد من المؤيدين التاريخيين للصهيونية يعيشون في محيط الرئيس منذ سنوات، ويساهمون في استمرار أنشطة مثل بيع النفط لإسرائيل، وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية والتجسسية من الصهاينة."
ورأى تينوريو أنه "يجب على المجتمع البرازيلي والقوى السياسية الملتزمة حقًا بالقضية الفلسطينية أن تطالب الرئيس البرازيلي بإلغاء فوري لبيع النفط والسلع الأخرى، وكذلك إلغاء عقود شراء الأسلحة من (إسرائيل). بالإضافة إلى ذلك، يجب على البرازيل أن تقطع علاقاتها مع الدولة الإرهابية (إسرائيل) بالكامل."
أما فيما يتعلق بتأثير الموقف المتقدم للبرازيل من القضية الفلسطينية على بقية الدول اللاتينية، اعتبر تينوريو أن "غالبًا ما تؤثر مواقف البرازيل على أمريكا اللاتينية، فعندما اعترفت البرازيل بدولة فلسطين عام 2010، تبعتها تقريبًا جميع دول المنطقة، باستثناء بنما".
مضيفًا: "أما في القضية الحالية، يوجد محور يدعم إسرائيل، مثل الأرجنتين تحت قيادة رئيسها الفاشي، خافيير ميلي، وهناك دول أخرى تتخذ مواقف خجولة، رغم أن قادتها وأحزابهم لديهم تاريخ في الدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك محور آخر يدعم فلسطين بحزم، مثل كوبا ونيكاراغوا، فنزويلا، كولومبيا، والبرازيل. وأعتقد أن التناقضات الإقليمية تمنع هذا المحور من العمل بشكل أكثر تنسيقًا، مما قد يساعد في التأثير على الآخرين وخلق حركة إقليمية قوية لدعم فلسطين."
وأكد الكاتب البرازيلي، سيد ماركوس تينوريو، على أنه "قبل السابع من أكتوبر 2023، كانت قضية فلسطين تهم فقط حركات التضامن وبعض السياسيين المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات العربية، وبالنسبة لغالبية الشعب البرازيلي، كانت فلسطين قضية بعيدة جدًا، بسبب الدعاية الإعلامية القوية المؤيدة للصهاينة. لقد كان هناك اعتقاد سائد بأن القضية الفلسطينية هي حرب دينية عمرها آلاف السنين، نزاع بين العرب واليهود. لكن عندما انطلقت طوفان الأقصى، أدرك العالم أن الحقيقة مختلفة".
وتابع: "لقد أدرك البرازيليون أن إسرائيل هي نظام استعماري عنصري يغزو ويسرق أراضي ومنازل شعب أصيل، ويقتل الناس للاستيلاء على ممتلكاتهم، متوسعًا أكثر في أراضي الدولة التي أنشأها الغرب بشكل مصطنع."
وشدد تينوريو على أن "معركة طوفان الأقصى أعادت رسم الصورة على حقيقتها، فلقد فتحت الإبادة الجماعية التي تُعرض على التلفاز للشعب الفلسطيني أعين البرازيليين جيدًا، وأعتقد أن هذا الوضع تغير جذريًا خلال العام الماضي، فلقد رأيت العديد من لجان دعم فلسطين، وأن من يشارك فيها هم أشخاص كانوا مترددين حول مظلومية الشعب الفلسطيني وأحقيته بأرضه، لكنهم أصبحوا الآن يشاركون في المظاهرات ضد جرائم إسرائيل بقناعة ووعي وإدراك تام".
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوما من الولايات المتحدة وأوروبا، منذ عام كامل، عدوانه على قطاع غزة، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.