مراقبون: العودة إلى شمال غزة تحول فارق في مسار الصراع مع الاحتلال

في مشهد يتجاوز كونه مجرد عودة إلى الديار، ويرتقي إلى مستوى التحدي السياسي والميداني، يسطر الفلسطينيون اليوم فصلًا جديدًا في معركتهم مع الاحتلال. 
 
فما كان لعقود يُروّج له كحلم مستحيل، يتحوّل الآن إلى واقع تفرضه الإرادة الشعبية، حيث تتدفق حشود النازحين في جنوب غزة إلى شمالها رغم الصعوبات كلها، في صورة تعيد تعريف مفهوم الصمود والمقاومة. 
 
وأشار مراقبون تحدثوا لـ "قدس برس" إلى أن هذه العودة "ليست مجرد تحرك بشري، بل هي إعادة رسم للمعادلة التي حاول الاحتلال فرضها بالقوة، وتأكيدٌ جديد على أن الفلسطيني لا يتخلى عن أرضه، ولا يتنازل عن حقه، مهما اشتدت التحديات وتعاظمت التضحيات".
 
كسرٌ للوهم وتأكيدٌ للحق
وقال الباحث في مؤسسة القدس الدولية (مقرها بيروت)، علي إبراهيم، إن "ما يحدث اليوم يمثل لحظة فارقة، حيث يعود الفلسطيني إلى أرضه رغمًا عن الاحتلال ومخططاته". 
 
واعتبر إبراهيم هذا المشهد بأنه "يمثل صورة جديدة للعودة، تمامًا كما مثّلت عملية طوفان الأقصى (يوم 7 أكتوبر 2023) نقطة تحول في مسار المقاومة، فكما فتحت الأخيرة أفق التحرير بقدرات فلسطينية خالصة، فإن العودة الحالية ترسّخ حق الفلسطينيين في استعادة أرضهم، رغم ما دفعوه من ثمن باهظ" وفق ما يرى.
 
وأشار إلى أن "الاحتلال، وعلى مدار 77 عامًا، سعى إلى طمس حق العودة وجعله ضربًا من المستحيل، سواء عبر تعقيدات الواقع أو تفتيت الوجود الفلسطيني داخل الوطن وخارجه، إضافة إلى سياساته الرامية إلى ابتلاع ما تبقى من الأرض. إلا أن هذا الزخم البشري المتدفق نحو شمال غزة يحطم أوهام الاحتلال، ويفرض معادلة جديدة على الأرض".
 
وأوضح أن "الحكومة الصهيونية، التي لطالما تحدّث وزراؤها عن إعادة الاستيطان في غزة، تجد اليوم أن الوقائع تجاوزت خططها، فالغزيون لم ينتظروا إذنًا للعودة، بل فرضوها كحقيقة لا يمكن إنكارها". 
 
وأضاف أن "صمود المقاومة، وما ألحقته من خسائر في صفوف العدو، أفشل مخطط الاحتلال لفرض وجوده العسكري في القطاع، كما أن بقاء الفلسطينيين في الشمال أفشل محاولات تهجيرهم ضمن ما سُمّي بـ” خطة الجنرالات”".
 
وأكد إبراهيم أن "عودة عشرات الآلاف ستجعل أي مخططات إسرائيلية مستقبلية، عسكرية أو غير عسكرية، صعبة التحقيق"، مشددًا على أن "العائدين، إلى جانب الصامدين، سيكونون سدًا منيعًا أمام أي محاولات جديدة لفرض وقائع ديمغرافية جديدة".
 
وفيما يتعلق بالتصعيد الإسرائيلي، رأى إبراهيم أن "الحديث عن استئناف الحرب ليس سوى محاولة لامتصاص غضب اليمين المتطرف، في ظل فشل الجيش في تحقيق أهدافه، وعجز الحكومة عن استعادة أسراها إلا عبر التفاوض، وهو ما يعزز من قدرة المقاومة على فرض شروطها، ويجعل ما يُعرف بـ”اليوم التالي” لغزة قرارًا فلسطيني خالصًا".
 
رمز الهوية والصمود
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني إياد القطراوي أن "مشهد عودة النازحين يحمل أبعادًا تتجاوز مجرد العودة المادية، فهو يكرّس مفاهيم الهوية والكرامة والتاريخ المشترك". 
 
وأضاف القطراوي أن هذه العودة "ليست مجرد واقعة آنية، بل هي امتداد لنضال الفلسطينيين المستمر ضد التشريد والاحتلال، ورسالة واضحة بأن الفلسطيني لن يتنازل عن حقه في أرضه مهما طال الزمن".
 
وأوضح القطراوي أن "مشهد العودة يكسر العديد من “التابوهات” التي سعى الاحتلال لترسيخها، وعلى رأسها فكرة استحالة العودة وتلاشي حق اللاجئين مع مرور الوقت. كما أنه يعيد التأكيد على أن هذا الحق مكرّس في القانون الدولي وموثق في قرارات الأمم المتحدة، رغم محاولات تغييب القضية الفلسطينية عن المشهد العالمي".
 
وأشار إلى أن "العودة الجماعية تشكل تحديًا مباشرًا للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، وترفض الواقع الديمغرافي الذي يحاول الاحتلال فرضه"، مؤكدًا أن "الفلسطينيين أثبتوا أن الأرض ليست مجرد جغرافيا، بل جزء لا يتجزأ من هويتهم الوطنية".
 
ولفت إلى أن "هذه العودة تحيي قضية اللاجئين الفلسطينيين، التي حاولت أطراف عدة تهميشها، وتعيدها إلى الواجهة عربيًا ودوليًا، ما يزيد الضغط على الاحتلال، ويُحرج القوى الداعمة له".
 
تحديات جديدة للاحتلال
وأكد القطراوي أن "عودة النازحين تفرض معادلات جديدة على الاحتلال، سواء من الناحية العسكرية أو السياسية أو حتى اللوجستية، فوجود عشرات الآلاف في المناطق المستهدفة يعقّد أي محاولة لإعادة العدوان، ويزيد تكلفة أي تحرك عسكري".
 
وأضاف أن "وسائل الإعلام قد تركز على معاناة العائدين، ما يضاعف الضغوط الدولية على الاحتلال"، مشيرًا إلى أن "هذه العودة يمكن أن تساهم في تعزيز المقاومة الشعبية، حيث يصبح من الصعب على الاحتلال تنفيذ عملياته في ظل وجود هذا الزخم البشري".
 
وتابع: “عودة الناس إلى أراضيهم تعزز من صمودهم، وتوفر بيئة داعمة للمقاومة، مما قد يغيّر معادلة المواجهة في المستقبل”. 
 
وأوضح القطراوي أن "العودة الجماعية تخلق تحديات لوجستية هائلة للاحتلال، من حيث تأمين المناطق وإدارة الوضع الأمني، فضلًا عن تأثيرها في خطط “اليوم التالي”، التي يبدو أن الفلسطينيين هم من سيقررون ملامحها، لا الاحتلال".
 
وختم القطراوي بالقول: “العودة الجماعية ليست مجرد خطوة عفوية، بل هي تأكيد فلسطيني جديد على أن محاولات التهجير والاقتلاع لن تفلح، وأن الهوية الفلسطينية، مهما حاول الاحتلال طمسها، ستبقى حاضرة ومتجذرة في الأرض”.
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الإغاثة الطبية: 17 ألف طفل في غزة يعانون سوء التغذية الحاد
يونيو 27, 2025
أطلق مدير الإغاثة الطبية في قطاع غزة، بسام زقوت، تحذيرات جديدة من تفاقم أزمة سوء التغذية الحاد التي تضرب الأطفال في القطاع المحاصر، مؤكداً أن نحو 17 ألف طفل يعانون حالياً من سوء تغذية خطير، وسط توقعات بوفاة أعداد كبيرة منهم ما لم يتم التدخل بشكل عاجل وجاد. وقال زقوت، في تصريحات صحفية اليوم الجمعة،
أبو ردينة: عدوان المستوطنين في الضفة يهدف إلى جرها لمواجهة شاملة
يونيو 27, 2025
حذّر الناطق الرسمي باسم رئاسة السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، من "استمرار حرب الإبادة الجماعية والتجويع التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على شعبنا والتي تترافق مع الإرهاب المنظم الذي يشنه المستوطنون على القرى والبلدات والمدن في الضفة الغربية، وآخرها هجومهم على "كفر مالك" و"ترمسعيا" و"صوريف" و"مسافر يطا"، ما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من المواطنين العزّل،
صحة غزة: 72 شهيدا و174 جريحا وصلوا المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية
يونيو 27, 2025
أعلنت وزارة الصحة في غزة نقل 72 شهيدا فلسطينيا، و174 جريحا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية. وأضافت الوزارة، في تصريح صحفي، اليوم الجمعة، أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/مارس 2025، وصلت إلى 6,008 شهيدا و20,591 جريحا، مشيرة إلى أن هناك عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع
أطباء بلا حدود: خطة "مساعدات" غزة المدعومة أمريكيا قاتلة ويجب إنهاؤها
يونيو 27, 2025
وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" خطة توزيع المساعدات الإنسانية التي تنفذها "مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة من "إسرائيل" والولايات المتحدة، في غزة بأنها "قاتلة"، ودعت إلى إنهائها فورا. وأكدت المنظمة في بيان أصدرته، اليوم الجمعة، أن خطة توزيع المساعدات التي أطلقتها "مؤسسة غزة الإنسانية" قبل شهر تُهين الفلسطينيين. وأشارت إلى أن الخطة تُجبر الفلسطينيين على الاختيار
الكشف عن مقتل 20 جنديا إسرائيليا في قطاع غزة خلال أسبوع
يونيو 27, 2025
كشفت قناة عبرية عن عدد القتلى الحقيقي في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي جراء المعارك في قطاع غزة خلال الأسبوع الأخير، وهو رقم لم ينشره الناطق باسم الجيش على منصاته الرسمية. وذكرت مراسلة القناة /12/ العبرية "دانييلا فايس" الليلة الماضية خلال لقائها وزير الجيش "يسرائيل كاتس"، أن الجيش تكبّد 20 قتيلًا في معارك القطاع خلال الأسبوع الأخير، على
رئيس المجلس الأوروبي يُقر بانتهاك "إسرائيل" لشروط الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بسبب غزة
يونيو 27, 2025
أقر رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، بأن "إسرائيل" تنتهك شروط اتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، والتي تُلزمها باحترام حقوق الإنسان، وذلك في ضوء استمرار العدوان على قطاع غزة منذ أكثر من 21 شهراً. وجاءت تصريحات كوستا، أمس الخميس، على هامش قمة قادة دول الاتحاد الأوروبي المنعقدة في العاصمة البلجيكية بروكسل، والتي خُصصت ليوم واحد