القصة الكاملة لتدمير المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة

مرّ الشهر الأول لدخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومع ذلك يفتقد شمال القطاع لوجود أي مرفق طبي أو مستشفى يقدم خدمة الرعاية الطبية للنازحين الذين عادوا مؤخرا إلى منازلهم وأحيائهم المدمرة.
فخلال أيام عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع الذي استمر 471 يوما، تعرضت المنظومة الصحية في شمال القطاع لعملية تدمير غير مسبوقة، أخرجت كامل المنظومة الصحية عن الخدمة.
يضم شمال القطاع مدن وبلدات جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون، ويتجاوز عدد سكانه 300 ألف نسمة، كما أنه يضم 6 مستشفيات، منها 3 عامة وهي، الأندونيسي، وكمال عدوان، وبيت حانون، أما المستشفيات الخاصة فتضم مستشفى الشيخ حمد للأطراف الصناعية، مستشفى الكرامة، مستشفى العودة.
مستشفى بيت حانون
يقع في بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع، ويحتوي على سعة سريرية تبلغ 86 سريراً موزعة على أقسام الباطنية، والجراحة، والأنف والأذن والحنجرة، وجراحة الأطفال، والعمليات، والطوارئ، والمختبر، والأشعة، والعيادات الخارجية، ويقدم خدمة الرعاية الطبية لنحو 30 ألفا من أهالي البلدة.
منذ التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي بعد يومين فقط من بدء العدوان، خرج المستشفى عن الخدمة، بعد أن وجهت له مخابرات الاحتلال تحذيرا بضرورة إخلائه من كافة العاملين والمرضى والجرحى، ليتزامن ذلك مع قصف جوي ومدفعي عنيف دفع بالقائمين عليه لإخلائه.
المستشفى الأندونيسي
يقع في حي تل الزعتر في مخيم جباليا، تم إنشاؤه في العام 2011 بإشراف وتمويل من مؤسسة "ميرسي" الأندونيسية، وكان أول مستشفى يتم بناؤه خلال فترة الحصار والإغلاق الذي فرضه الاحتلال على القطاع منذ العام 2006، ويخدم 180 ألفا من أهالي المخيم.
يتكون المستشفى من طابقين بسعة سريرية تبلغ 110 سريرا، منها 10 أسرة عناية مركزة، ويضم أقسام العيادات الجراحة، والباطنية، والعظام، بالإضافة إلى غرف العناية المركزة، وجهاز أشعة مقطعية، وجهاز أشعة فيلوسكوبي، ومختبر للدم.
في الساعات الأولى لبدء العدوان تعرض المستشفى لأضرار بالغة عقب استهدافه من الطيران الحربي بشكل مباشر، الأمر الذي أدى لتعطل محطة الأكسجين واستشهاد أحد العاملين، وإصابة موظفين اثنين من الكادر الطبي.
في الـ28 من ذات الشهر تعرض محيطه لقصف عنيف أدى لتعطل مولدات الكهرباء ومحطات الأكسجين والتعقيم ومضخات المياه وبعض الخدمات المساندة عن العمل.
ونتيجة لسياسة القصف العنيف لمخيم جباليا ومناطق شمال القطاع، اضطر أكثر من 20 ألفا للنزوح للمستشفى هربا من القصف.
بدأت قوات الاحتلال حصارها الأول للمستشفى في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، حيث قصفت بالأحزمة النارية محيط وبوابة المستشفى، لتعلن وزارة الصحة خروجه عن الخدمة لعدم وجود قدرة استيعابية، كما طوقت دبابات الاحتلال محيط المستشفى واعتلت قناصته أسطح المستشفى وفرضت حصارا على أكثر من 700 من الكوادر الصحية وآلاف المرضى والنازحين العالقين بالمستشفى.
دمّر جنود الاحتلال غرف العمليات على الرغم من وجود أكثر من 60 حالة فيه على أجهزة الإنعاش، وتم نقلهم لمشافي مدينة غزة من خلال وضع (6-8) حالات في سيارة إسعاف واحدة.
في 25 من نيسان/ إبريل 2024 عادت قوات الاحتلال لاحتلال المستشفى من جديد من خلال تطويقه بالآليات العسكرية.
في تشرين الأول/أكتوبر 2024، حول جيش الاحتلال المستشفى لنقطة عسكرية حيث تمركزت قواته في محيطه، وأقامت نقاط تفتيش ومركز اعتقال وتحقيق في ساحاته الخارجية، كما استهدفت مدفعية الاحتلال الطابقين الثاني والثالث من المستشفى، وفرضت حصارا مشددا عليه، بالرغم من تواجد 40 مريضا وجريحا و15 من أفراد الطواقم الطبية، وآلاف النازحين.
وفي 27 من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فجرت قوات الاحتلال عبر روبوتات مفخخة السور الخارجي للمستشفى، ثم قامت قواته بحرق مرافق وأقسام ومولدات الكهرباء على الرغم من وجود 60 مريضا بحالات حرجة ظلوا يواجهون خطر الموت بعد مغادرة الطواقم الطبية للمستشفى.
وبعد شهر عادت قوات الاحتلال لإطباق حصار مشدد عليه، عملت من خلاله على تدمير وتجريف وحرق كامل مقتنياته ونبش المقبرة في ساحاته الخارجية.
مستشفى كمال عدوان
يقع في حي السلام في بلدة بيت لاهيا، تم تأسيسه في العام 2002 لخدمة أهالي البلدة الذين يبلغ تعدادهم نحو 80 ألف نسمة، وتبلغ سعته السريرية 118 سريرا.
في الـ4 من كانون الأول/ديسمبر 2023، قصفت قوات الاحتلال بوابة المستشفى، وبدأت قواته بفرض حصار ناري على محيطه ما أسفر عن سقوط 35 شهيدا، كما اعتلت قناصته أسطح المستشفى، واعتقلت مدير المستشفى الطبيب أحمد الكحلوت، ليخرج على إثرها عن الخدمة، بعد أن حولته قوات الاحتلال لثكنة عسكرية.
أواخر شباط/فبراير 2024، أعلنت إدارة المستشفى انتشار مرض الكبد الوبائي، بالتزامن مع وفاة 15 طفلا من النازحين في المستشفى جراء المجاعة وسوء التغذية.
في الـ18 من أيار/ مايو 2024، عادت قوات الاحتلال لفرض حصار على المستشفى، من خلال تكثيف القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف مبنى المستشفى ومحيطه، ليخرج على الخدمة بعد أن قصف طيران الاحتلال مبنى الجراحة ودمّر مولدات الكهرباء، كما قامت قوات الاحتلال بتدمير كافة الطرق المؤدية إليه، ما أعاق تحرك مركبات الاسعاف لنقل الشهداء والمصابين
في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، عادت قوات الاحتلال لتطويق المستشفى من كافة الاتجاهات، وإلزام جميع النازحين والمرضى والعاملين على مغادرته نحو الجنوب، كما قصفت قوات الجيش مبنى الاستقبال والطوارئ وقطعت إمدادات المياه والغذاء عن 200 من الكوادر الطبية العاملة هناك، واعتقلت مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية.
ومنذ ذلك الحين، يعتمد شمال القطاع على النقاط الطبية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في تلقي الخدمات الصحية الأساسية، إلى حين إعادة تشغيل المستشفيات التي يتطلب إعادة إعمارها وتشغيلها من جديد عدة أشهر حال تعهدت الدول المانحة بتوفير المال اللازم لإعادة إعمارها.
يُذكر أن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و19 كانون الثاني/يناير 2025، أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 160 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 14 ألف مفقود.