جبل فلسطين الشامخ نائل البرغوثي.. مناضل أمضى 44 عاما في سجون الاحتلال

من جديد تنسم عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي الحرية، بعد نحو عقد قضاه في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد اعادة اعتقاله عام 2014، مع مجموعة كبيرة من محرري صفقة "وفاء الأحرار" التي عقدتها المقاومة مع الاحتلال مقابل الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" عام 2011، لتضاف إلى 33 سنة سُرقت من عمره في اعتقاله الأول.
صفقة "طوفان الأقصى" اعادت الحياة مجددا لـ41 عائلة فلسطينية في الضفة الغربية، اعتقل الاحتلال أبنائها ليستكملوا أحكامهم السابقة، بعدما عاش المحررون المعاد اعتقالهم خارج السجن 32 شهراً فقط، عادوا إلى حياتهم بعد سنين طويلة من الأسر، أو أسسوا حياة جديدة، ومنهم البرغوثي الذي تعود أصوله لبلدة كوبر شمال غرب رام الله، فقد اعتقل عام 1978 ولم يكن يتجاوز 20 عاماً، وخرج بالصفقة بعد أن أمضى 33 عاماً في الأسر وهو بعمر 54 عاماً، وكان حينها أقدم أسير فلسطيني في سجون الاحتلال. خرج البرغوثي وتزوج وبنى أسرته، ليعود أسيراً، ويصل إلى ما مجموعه 44 عاماً في الأسر وهي أطول مدة قضاها أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.
عاد نائل لحياته عام 2011، وأصبح لديه بيت يهتم به، وأرض يزرعها، تعلم السياقة، وبدأ إكمال دراسته الجامعية، لكنه خرج حينها ووجد والده ووالدته وقد توفيا، سرق الاحتلال حياته مرة أخرى، وسيعود ليجد شقيقه عمر القريب إلى قلبه قد توفي، وابن شقيقه قد استشهد، حال نائل هو واقع محرري صفقة وفاء الأحرار، ومن بينهم 11 اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، بين الأعوام 1978 و1992.
وفي أحدث تصريح لزوجته الأسيرة المحررة أمان نافع -التي منعها الاحتلال من السفر إلى مصر للحاق به- إنّ نائل وباقي محرري صفقة التبادل دفعوا الفاتورة مرتين، أخذوا رهائن من أجل الضغط في مفاوضات صفقة محتملة، رغم أنهم خرجوا وفق اتفاق تبادل بوساطة دولية، في خرق واضح للاتفاق.
وتشير إلى أنه في عام 2014 حكم البرغوثي بالسجن لثلاثين شهراً حين اعتقل بتهمة إلقائه كلمة أمام الطلبة في جامعة بيرزيت، وبقي بعد انتهاء الحكم شهرين إضافيين قبل أن تُفاجأ العائلة بإعادة حكم المؤبد بحجة وجود ملف سري لا تعلم العائلة عنه شيئاً، وبقي معتقلاً رغم عدم تصديق محكمة الاحتلال العليا على قرار إعادة المؤبد له.
عاش نائل خلال فترة الحرب ظروفاً قاسية، واعتُدي عليه ما أدى لكسر في أضلاعه، واعتقلت زوجته إدارياً دون تهمة لمدة ثلاثة أشهر.
وُلد القيادي البرغوثي في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 1957 ببلدة كوبر شمال رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.
درس المرحلة الابتدائية في قريته، وانتقل لإكمال دراسته الإعدادية والثانوية في مدرسة الأمير حسن في بيرزيت، وبينما كان يستعد لامتحانات الثانوية العامة اعتقل وشقيقه عمر وابن عمهما فخري البرغوثي في نيسان/ أبريل 1978 بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت وتفجير مقهى في القدس، وحكم عليهم جميعا بالسجن المؤبد.
يعد البرغوثي قارئا نهما، وعرف بين الأسرى بثقافته الواسعة وحبه للتاريخ، ويعتبرونه مرجعا في محطات النضال الفلسطيني.
تعلم داخل السجن اللغتين العبرية والإنجليزية، وبعد إطلاق سراحه في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في صفقة "وفاء الأحرار" بدأ دراسة التاريخ في جامعة القدس المفتوحة، لكن إعادة اعتقاله حرمته من مواصلة مشواره التعليمي.
عرف بصلابته منذ الطفولة، وبدأ رحلته مبكرا في المواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 عندما دخلت قواته الضفة الغربية ووصلت إلى بوابة قرية كوبر وقصفتها، فصعد نائل برفقة أخيه عمر وابن عمه فخري فوق سطح بيتهم حيث جمعوا كومة من الحجارة وبدأوا يكبّرون ويهتفون.
انخرط في خلية للمقاومة برفقة أخيه عمر وهو بعد في بداية الشباب، واعتقل لأول مرة يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر 1977، وحُكم عليه بالسجن 3 أشهر، وأعيد اعتقاله بعد 14 يوما من الإفراج عنه بتهمة مقاومة الاحتلال برفقة ابن عمه فخري البرغوثي، وصدر في حقهما حكم بالسجن المؤبد.
انتمى نائل إلى حركة فتح وآمن بالمقاومة طريقا لتحرير البلاد، وبعد تعرض الحركة عام 1983 لانشقاق بسبب خروج الثورة الفلسطينية من بيروت ومعاناتها من إشكالات داخلية تحوّل نائل وأخوه عمر إلى فتح الانتفاضة، ومن ثم انتميا إلى حركة حماس.
عانت عائلته من اعتقال أفرادها ومطاردة الاحتلال لهم، وأفرج عن والده وأخيه عمر عام 1985 ضمن صفقة تبادل مع الجبهة الشعبية القيادة العامة، لكن الاحتلال رفض إدراج اسمه ضمنها أو ضمن صفقة تبادل أخرى كانت قد تمت في إطار المفاوضات مع الاحتلال في سياق تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1993.
عقب ظهور التيارات الإسلامية في الساحة الفلسطينية ومشاركتها القوية في مقاومة الاحتلال -التي تزامنت مع انطلاق ما سمي مسار التسوية وعملية السلام- انتمى شقيقه عمر إلى حركة حماس، ثم التحق به وهو معتقل يومها في سجن الجنيد بنابلس عام 1995.
عانى من مرارة فقد الوالدين وهو في السجن، إذ توفي والده في تشرين الأول/ أكتوبر 2004، ثم لحقته والدته في الشهر نفسه من العام التالي دون أن يتمكن من وداعهما.
أفرج عنه يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 ضمن صفقة “وفاء الأحرار” التي تمت بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وأطلق بموجبها سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل إفراج إسرائيل عن أكثر من ألف أسير فلسطيني.
بعد الإفراج عنه تزوج بالأسيرة المحررة إيمان نافع يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، وبدأ حياته من جديد في قريته كوبر، حيث اشتغل باستصلاح الأرض وزراعتها، لكنه لم يكن حرا طليقا بل خضع للإقامة الجبرية في رام الله ومحيطها، حيث كان مطالبا بالحضور كل شهرين إلى مركز قيادة جيش الاحتلال في مستوطنة "بيت إيل" من أجل توقيع "إثبات الوجود".
في 2021، فقد نائل شقيقه ورفيق دربه عمر البرغوثي (أبو عاصف)، ومنعته إسرائيل من وداعه، كما سبق أن حرمته من وداع والديه.
دخل البرغوثي موسوعة غينيس للأرقام القياسية لكونه أقدم أسير سياسي في العالم، إذ قضى أطول فترة أسر عرفها التاريخ داخل سجون إسرائيل.
وعلى مدار سنوات أسره، وجّه البرغوثي رسائل عديدة منها: "محاولات الاحتلال قتل إنسانيتنا لن تزيدنا إلا إنسانية"، و"لو كان هناك عالم حرّ كما يدّعون لما بقيت في الأسر حتى اليوم".