محللون: تهرب الاحتلال من "المرحلة الثانية" مرتبط بعوامل داخلية وخارجية

قال محللون ومختصون في الشؤون الإسرائيلية إن الحسابات السياسية الداخلية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إلى جانب المؤشرات الدولية المحيطة، لا تشجعه على المضي قدما نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ولا اتخاذ أي خطوة قد تفضي إلى وقف كامل ونهائي للحرب.
وكان مكتب نتنياهو، أعلن أن إسرائيل وافقت على مقترح للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لتهدئة مؤقتة في قطاع غزة خلال شهر رمضان، مقابل "الإفراج عن نصف الأسرى الأحياء والأموات خلال اليوم الأول من الاتفاق"، عقب مناقشة أمنية ترأسها نتنياهو وبمشاركة وزير الحرب وكبار المسؤولين وفريق التفاوض.
يقول الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني لـ"قدس برس" إن نتنياهو يدرك أن الدخول في مثل هذا المسار قد يهدد استقرار ائتلافه الحكومي، وهو أمر لا يملك المخاطرة به، خاصة في ظل طموحاته الاستراتيجية المتزايدة التي توسعت مع تطورات المشهد الإقليمي، وتعززت أكثر مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والتصريحات المتتالية الداعمة للطموحات اليمينية الصهيونية".
وأضاف "لا يمكن في هذا السياق تجاهل التحول الذي أحدثه السابع من أكتوبر في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي بات جوهرها رفض السماح بنشوء أي معادلة لمراكمة القوة على حدود الأراضي المحتلة، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا، أو حتى في محيطات أخرى تُعتبر "هادئة" حاليًا".
هذا الواقع المعقد يفرض العديد من العوامل الحاسمة قبل الخوض في أي مرحلة جديدة من التهدئة في قطاع غزة، وعلى رأسها مستقبل الحكم فيه. ويعقب الطناني قائلا "الوضع القائم حاليا لا يرضي "إسرائيل"، ولا الولايات المتحدة، ولا حتى الدول العربية المنخرطة في مسار التطبيع، ما يعني أن استمرار غموض هذا الملف يمنح الاحتلال هامشا واسعا للتنصل من التزاماته، وإبقاء احتمالات التصعيد قائمة، حتى لو كان ذلك عبر تصعيد جزئي محدود يرتكز أساسا على الضربات الجوية. وهو سيناريو مرشح للاستمرار حتى في حال استكمال مراحل الاتفاق، إذ سيواصل الاحتلال التمسك بسياسة "العمليات الوقائية" بين حين وآخر".
وفي قلب هذه المعادلة الحساسة، يبرز ملف سلاح المقاومة كواحد من أعقد الملفات وأكثرها تفجيرا. فهذا العنوان، الذي لا تقبل المقاومة إدراجه أصلا على طاولة النقاش، يفتقر لأي مساحة مرونة، وأي إصرار أميركي على طرحه سيشكّل معضلة إضافية في مسار أي اتفاق محتمل.
وهنا يستدرك الطناني بقوله "في ظل هذه الصورة المعقدة، تظل أوراق المقاومة محدودة، وتبقى ورقة الأسرى هي الورقة الجوهرية الأهم. غير أن هذه الورقة ليست مفتوحة على إطلاقها، ولا يُتوقع أن توافق المقاومة على طرح مثل مقترح الإفراج عن "نصف الأسرى" في اليوم الأول. فالمسألة ليست فقط في الأعداد، بل أيضًا في معايير التبادل وقيمة الثمن المطلوب مقابل كل أسير، خصوصًا من فئة الجنود والشباب، وهو ملف يحتاج إلى نقاش دقيق ومفاوضات معقدة، خاصة في ظل محاولات الاحتلال التمسك بمفاتيح المرحلة الأولى، وهو ما ترفضه المقاومة بشكل قاطع".
ويلفت إلى أن المقاومة لا تعارض فكرة تمديد المرحلة الأولى من التهدئة من حيث المبدأ، لكن قبولها مشروط بتحقيق ثمن مناسب. "هذا الثمن يرتبط بعدد الأسرى المفرج عنهم، وجدول زمني واضح للانسحاب الإسرائيلي، لا سيما من محور فيلادلفيا، وهو عنوان مركزي وحاسم في أي تفاهم مقبل. وإذا ما تحقق ذلك، فقد نكون أمام إمكانية واقعية لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق".
في المقابل، يترقب الاحتلال مدى الدعم الذي قد توفره له إدارة ترامب في حال تعطلت الاتفاقات وفشلت التهدئة، بينما تنتظر حركة "حماس" مآلات الخطة العربية المرتقبة بشأن مستقبل قطاع غزة. وهذه المسارات مجتمعة ستحدد ملامح المرحلة المقبلة، وترسم موازين الحركة بين استمرار التهدئة أو العودة إلى التصعيد.
وتُصر حركة "حماس" على أن تتضمن المرحلة الثانية بندا واضحا حول إنهاء الحرب، غير أن وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش أعلن أنه سيسقط الحكومة إذا تضمنت المرحلة الثانية من الصفقة إنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها.
بدوره، يشير المختص في الشؤون الإسرائيلي علي نصر الدين إلى أن لكل طرف حساباته في المعادلة، "حتى الدول العربية المتآمرة ضد المقاومة، لديها تخوفات كبيرة من مجموعة من المحاذير، أولها التهجير الذي سيتم تصديره عليها، وثانيها الفوضى الشاملة في قطاع غزة والذي سيحمل معه الكثير من المتاعب، إضافة وجود مصلحة إجمالًا بأن يعود الهدوء للشرق الأوسط ومغادرة السيناريوهات المتفجرة".
وأسار إلى أن إدارة ترامب تبحث عن صفقة شاملة بالشرق الأوسط وترتيبات واسعة تشمل تطبيع مع السعودية، وهذا يتطلب إنهاء للحرب في قطاع غزة، "وحتى نتنياهو ذاته، يريد استمرار حالة من اللاحرب واللاسلم، تتيح له الاحتفاظ بورقة استمرار الحرب وما تحمله في سياقها من مكاسب سياسية، ولا يريد زخم الحرب وتكلفتها بالمعنى الواسع والكبير".
في ضوء كل هذه الحسابات، تصبح المعادلة دقيقة، وكل توافقات فلسطينية داخلية، وعربية، تساهم في تحصين الطرف الأضعف وهو الفلسطيني من خسارات استراتيجية.
أما المتابع للاعلام العبري ياسر مناع فيشير إلى أن "سموترتش لا يستطيع الانسحاب من الحكومة، لأنه إذا انسحب منها فلن يعود، هو في قائمة ضمن تشكيل 3 أحزاب (نوعم، تكوما، عوتسما) وهذه القائمة شكلها نتنياهو وهو يتحكم فيها. وأضاف "المفاوضات كانت ضمن مسارين، مسار تبادلي مع حماس (غير مباشرة) وهو المرحلة الأولى وهذا لا مانع لدى إسرائيل منه، والثاني مسار سياسي وعنوانه تجاوز الفلسطينيين يعني مع مصر، الأردن ، السعودية وغيرها، وهذا يترتب عليه استحقاق سياسي لكن ليس بوجود الفلسطينيين.
وتابع "إسرائيل تبحث عمن يدير قطاع غزة إدارة دولية - إقليمية وهي من تتولى الموضوع الأمني، والأمر ذاته ينطبق على إدخال المساعدات وآلية توزيعها بعيدا عن حماس".