الضفة بين نيران الاحتلال وقبضة السلطة.. إلى أين يتجه المشهد؟

في ظل تصعيد الاحتلال الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية، تواصل السلطة الفلسطينية نهجها الأمني الذي يثير جدلًا واسعًا، وسط تساؤلات حول تداعياته على المشهد الفلسطيني.
وبينما تستعر المواجهات في مدن ومخيمات الضفة، تتصاعد الانتقادات لدور السلطة في ملاحقة المقاومين، في وقت يعاني فيه الشارع الفلسطيني من عدوان متواصل وسياسات أمنية مشددة من قبل قوات الاحتلال.
في هذا السياق، يسلط مراقبون الضوء على أبعاد هذه السياسات، وتأثيراتها المحتملة.
استنزاف أمني متواصل
من جهته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن "الضفة الغربية تعيش حالة استنزاف أمني متواصل بفعل استهداف الاحتلال الإسرائيلي المستمر".
وأوضح عرابي في حديث لـ"قدس برس" اليوم الثلاثاء، أن "هذا الواقع لم يتغير منذ عام 1967، إذ لم ينسحب الاحتلال من الضفة الغربية، بل بقي متمركزًا في المستوطنات والمعسكرات، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2002، باتت قوات الاحتلال تقتحم المدن الفلسطينية ومناطق التصنيف (أ)، وتنفذ عمليات اعتقال واغتيال وهدم مستمرة".
وأشار إلى أن "الضفة الغربية شهدت على مدار السنوات الماضية عدة هبّات شعبية، أبرزها في الأعوام 2014 و2015 و2017 و2019 و2021، إلى جانب ظهور التشكيلات المسلحة، لا سيما في شمالي الضفة منذ عام 2021، وهو ما جعل الاحتلال يركز عملياته الأمنية المكثفة ضدها وضد حواضنها الشعبية، خصوصًا بعد وقف إطلاق النار المؤقت في قطاع غزة".
وبيّن أن "اندلاع انتفاضة شعبية شاملة، على غرار الانتفاضتين الأولى والثانية، يتطلب توافر عوامل غير متاحة حاليًا، وعلى رأسها وجود تنظيمات قادرة على قيادة الحراك الشعبي".
وأرجع ذلك إلى "سياسات السلطة الفلسطينية التي تعارض أي عمل نضالي واسع ومؤثر، فضلًا عن أن حركة فتح، التي تشكل القاعدة الشعبية للسلطة، لا تتحرك لتفعيل الشارع الفلسطيني، فيما تعاني الفصائل الأخرى من حالة استنزاف مستمر".
رهانات السلطة الفلسطينية
من جانبه، اعتبر الكاتب محمد القيق أن "السلطة الفلسطينية تعتمد سياسة الملاحقة الأمنية، ظنًا منها أن ذلك سيحقق لها مكاسب سياسية استراتيجية، إلا أن هذه الرهانات باءت بالفشل، سواء في تعزيز وضعها الداخلي أو في الحصول على مكاسب سياسية من الاحتلال، خاصة في إطار اتفاق أوسلو".
وأضاف القيق، أن "التطورات التي أعقبت السابع من أكتوبر جعلت هذه السياسات خلف ظهر الفلسطينيين، إذ أن السلطة لا تملك شرعية تخولها تنفيذ إجراءات قمعية ضد أبناء شعبها، خصوصًا أن مقاومة الاحتلال حق مكفول دوليًا، ولا يحتاج إلى إذن من أي جهة".
وأوضح أن "ما تقوم به السلطة من ملاحقة واعتقالات بحق المقاومين يتنافى مع الشرعية القانونية والأخلاقية، لأنها ليست سلطة منتخبة، مما يجعل ممارساتها غير قانونية. كما أن هذه السياسات تمنح الاحتلال ذريعة لتعميق تدخله العسكري في الضفة، حيث يبرر عملياته الأمنية بأنها استكمال لإجراءات السلطة ضد ما يسميه "ميليشيات إيران وحماس والجهاد الإسلامي"، وهو ما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين واستشهاد واعتقال المئات، وما تزال الحملة مستمرة".
وشدد القيق على أن "هذه السياسات أضرّت بالقضية الفلسطينية على المستويين الدولي والمحلي، إذ أنها عمّقت الانقسام الداخلي، وأضعفت الحاضنة الشعبية للمقاومة، وزادت من حدة الاحتقان المجتمعي، مما يؤثر سلبًا على السلم الأهلي في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى وحدة وطنية لمواجهة الاحتلال".
تصعيد ضد المقاومة
أما الكاتب ثامر سباعنة، فقد أشار إلى أن "التصعيد العسكري (الإسرائيلي) في شمال الضفة الغربية تزامن، للأسف، مع حملة أمنية مكثفة من أجهزة السلطة ضد المقاومة".
وأوضح سباعنة أن "هذه الحملة تحمل دلالات عديدة، أبرزها أن السلطة باتت تخشى من تصاعد المقاومة في الضفة بعد معركة (طوفان الأقصى)، وتسعى لضربها وتحييدها بأي وسيلة، حتى لو وصل الأمر إلى القتل، كما حدث مع المقاوم عبد الرحمن أبو منى في جنين يوم 10 مارس".
وأضاف أن "السلطة، من خلال هذه الإجراءات، تحاول إثبات سيطرتها على الضفة وإقناع الأطراف الدولية بأنها الشريك المناسب لمواجهة ما يصفه الاحتلال بـ(الإرهاب).
كما أن "هناك تنافسًا محمومًا بين قيادات الأجهزة الأمنية لإثبات قوتهم، في إطار الصراع على خلافة رئاسة السلطة".
وحول رد فعل الشارع الفلسطيني، أوضح سباعنة أن "هناك مظاهر متعددة للرفض الشعبي، تشمل الاشتباكات المسلحة بين المقاومين وأجهزة الأمن، والاحتجاجات الشعبية مثل إغلاق الطرق والمقاطعة الاجتماعية، إلى جانب تصاعد العمليات الفردية ضد الاحتلال".
كما أشار إلى "وجود حالات من التمرد داخل أجهزة السلطة، حيث رفض بعض أفراد الأمن المشاركة في عمليات اقتحام وقمع المقاومين، وهو ما يعكس تزايد الانقسامات الداخلية في صفوف السلطة".
ويصعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 930 فلسطينيا، وإصابة نحو 7 آلاف شخص، واعتقال 14 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية رسمية.