"مجيدو".. جحيم الأسرى بين القمع والإهمال الطبي

يواجه الأسرى الفلسطينيون في سجن "مجيدو" الإسرائيلي أوضاعًا إنسانية صعبة، في ظل سياسات القمع والتنكيل التي تمارسها إدارة السجون الصهيونية بحقهم، والتي تشمل الإهمال الطبي المتعمد، والاكتظاظ الشديد، وظروف الاحتجاز القاسية التي تهيئ بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة بين المعتقلين. ومع تصاعد الانتهاكات، يعاني الأسرى من حرمانهم من الرعاية الصحية اللازمة، ما يفاقم أوضاعهم الصحية ويجعلهم عرضة لأمراض مزمنة وخطيرة دون أي تدخل طبي حقيقي.
وفي هذا السياق، يؤكد محللون وخبراء أن "سياسة الإهمال الطبي في (مجيدو) ليست عشوائية، بل تندرج ضمن استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إنهاك الأسرى وإضعافهم جسديًا ونفسيًا، وسط غياب شبه تام لأي رقابة دولية أو التزام بمعايير حقوق الإنسان".
هيمنة درزية
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق إن "سجن (مجيدو) يُعد من أسوأ السجون الصهيونية، لعدة أسباب، أبرزها ارتفاع نسبة السجانين الدروز العاملين فيه، نظرًا لقربه من قراهم ومناطقهم".
وأوضح أن "هؤلاء السجانين، بحكم خدمتهم في الجيش، يتجاوزون القوانين بشكل كبير في تعاملهم مع الأسرى الفلسطينيين"، مستدركًا بأن "هناك أفرادًا من الطائفة الدرزية رفضوا الخدمة في الجيش، وهو موقف يُحترم ويُقدَّر".
وأضاف القيق، في حديثه لـ"قدس برس"، أن "موقع السجن بالقرب من شمال الضفة الغربية، وخاصة جنين ونابلس، يزيد من تعقيد الأوضاع فيه، إذ إن الاحتلال يتعامل مع هذه المناطق بتوتر دائم، ما ينعكس على تعامل إدارة السجن مع الأسرى عبر تصعيد الانتهاكات والتجاوزات القانونية بحقهم".
وأشار إلى "عامل آخر يزيد من قسوة السجن، وهو أن العديد من السجانين العاملين فيه ينحدرون من مناطق قريبة، مثل العفولة والخضيرة، وهما من أكثر المناطق التي تشهد انتشارًا للتطرف الصهيوني والمستوطنين المتشددين، الأمر الذي يجعل هؤلاء السجانين أكثر عدائية في تعاملهم مع الأسرى الفلسطينيين".
وأوضح القيق، وهو أسير محرر، أن "السجون الصهيونية عمومًا تفتقر إلى أي التزام بالقوانين الدولية، مع غياب شبه تام لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، ما يترك المجال لتعاملات تعسفية ومزاجية من قبل إدارة السجون وأجهزة الاستخبارات، خاصة في السجون القريبة من مناطق التوتر أو التي تضم سجانين يحملون توجهات استيطانية متطرفة.
وأضاف أن "(مجيدو) يجمع كل هذه العوامل، مما يجعله من بين أكثر السجون قسوة وانتهاكًا لحقوق الأسرى".
انتهاكات ممنهجة
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية إياد القطراوي أن "ممارسات مصلحة السجون الصهيونية، المدعومة من جهاز الشاباك والموساد، جعلت من سجن "مجيدو" واحدًا من أكثر السجون الصهيونية انتهاكًا لحقوق الأسرى الفلسطينيين".
وأوضح القطراوي، في حديثه لـ"قدس برس"، أن "الأسرى في (مجيدو) يتعرضون لتعذيب ممنهج يشمل الضرب المبرح، الحرمان من النوم، الإهانات اللفظية، والتهديد بالعنف، بهدف كسر إرادتهم وإضعافهم نفسيًا وجسديًا".
وأشار إلى أن "إدارة السجن تلجأ إلى العزل الانفرادي كإجراء عقابي طويل الأمد، حيث يتم احتجاز الأسرى في زنازين ضيقة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، مما يؤدي إلى آثار صحية ونفسية خطيرة".
وأضاف أن "الاحتلال يفرض قيودًا صارمة على زيارات الأسرى، إذ يُحرمون من رؤية ذويهم لفترات طويلة، أو تُقلَّص مدة الزيارة بشكل متعمد، مما يزيد من معاناتهم وعزلتهم".
ولفت إلى أن "الأسرى يعانون من اكتظاظ شديد داخل الزنازين، ما يسهم في انتشار الأمراض، في ظل إهمال طبي متعمد وعدم توفير العلاج اللازم، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية بشكل مستمر".
وبيّن أن "سلطات الاحتلال تعتمد سياسة تأجيل محاكمات الأسرى بشكل متكرر، ما يطيل أمد اعتقالهم دون محاكمة عادلة، ويُبقيهم رهن الاعتقال الإداري لفترات طويلة دون توجيه تهم واضحة".
وأكد القطراوي أن "هذه الانتهاكات تأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الأسرى والضغط عليهم، في انتهاك صارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية".
وحذّر مكتب إعلام الأسرى (تابع لحركة حماس)، الإثنين الماضي، من انتشار فيروس خطير داخل قسم 3 في سجن "مجيدو" الإسرائيلي، وقال، إن "نحو 90% من الأسرى في القسم يعانون منذ ما يقارب عشرة أيام من الإسهال والتقيؤ المستمرين، في وقتٍ تسجل فيه حالات فقدان للوعي بين الأسرى، خصوصًا كبار السن، نتيجة تفاقم الحالة الصحية وانعدام الرعاية الطبية".