21 عامًا على اغتيال الشيخ المؤسس.. أحمد ياسين أيقونة الأحرار

يوافق اليوم السبت، الذكرى السنوية الـ 21 لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتيل بطائرة تابعة للاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من صلاة فجر يوم 22 آذار/مارس 2004.
وشكلت جريمة اغتياله حادثة مثيرة لاستغراب أحرار العالم، ونبهت الأمتين العربية والإسلامية للخطر الحقيقي الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة.
ارتبط اسم الشيخ أحمد ياسين، منذ ستينيات القرن الماضي، بالمقاومة والتحريض عليها، في كل مواقفه وأفكاره، ليصبح "الأب الروحي" لفكرة مقاومة الاحتلال، حتى قبل أن تُمارسها تنظيمات المقاومة واقعًا على الأرض.
وتمتع الشيخ ياسين بمكانة روحية وسياسية متميزة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ومقاومته، حيث رسخت صورته في الأذهان كواحدٍ من أبرز رموز التاريخ والعمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي.
كان الشيخ ياسين مصدر إلهام كبير للأجيال الفلسطينية الصاعدة التواقة للحرية والانعتاق من الاحتلال، لتواصل من بعده طريق الجهاد والمقاومة والتحرير الذي خطه بدمائه.
في فجر 22 آذار/مارس عام 2004، كان الشيخ ياسين على موعد مع الشهادة حينما استهدفته طائرات الاحتلال الحربية أثناء عودته من صلاة الفجر، مما أدى لاستشهاده وسبعة آخرين.
شهد ذلك الفجر الحزين خاتمة رحلة الرجل الذي يُعد أحد الشخصيات التي أطلقت العمل المقاوم ضد الاحتلال، وترك إرثًا مقاومًا وروحًا جهادية لا تزال تسري في أبناء الشعب الفلسطيني، وحاضرة في مواجهة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية.
النشأة والتأسيس
ولد الشيخ ياسين في قرية "الجورة" قضاء مدينة عسقلان عام 1936، قبل أن تجبره "العصابات الصهيونية" على الهجرة منها عام 1948، إلى قطاع غزة برفقة مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين هجروا من منازلهم وقراهم ومدنهم بفعل النكبة الفلسطينية.
تعرض لحادثة وهو في السادسة عشر من عمره، أثناء ممارسته رياضة "الجمباز" على شاطئ بحر غزة مع أقرانه في منتصف تموز/يوليو عام 1952، أدت إلى شلل تام في جميع أطرافه.
عمل ياسين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيب عرفه القطاع، لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ"المجمع الإسلامي" في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.
بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، كان للشيخ نشاطات اجتماعية ودعوية، ثم أسس "المجمع الإسلامي" الذي أصبح مركزًا هامًا للنشطاء الإسلاميين في القطاع.
اعتُقل عام 1983 بتهمة "حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكري، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود"، وعرض أمام محكمةٍ عسكرية إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.
وأُفرج عنه عام 1985 في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة"، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
في كانون الأول/ديسمبر عام 1987، أسس الشيخ ياسين مع مجموعةٍ من الناشطين الإسلاميين داخل فلسطين وخارجها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، معرَّضًا للتهديد بالإبعاد، حيث داهمت قوات الاحتلال منزله أواخر آب/أغسطس 1988 وفتشته وهدَّدته بالنفي إلى لبنان.
ملاحقة واعتقال
اعتقلته سلطات الاحتلال يوم 18 أيار/مايو 1989 مع المئات من نشطاء "حماس"، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي اتخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.
وحكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية يوم 16 تشرين الأول/أكتوبر 1991 بالسجن مدى الحياة و15 عامًا، بتهمة تأسيس حركة "حماس" وجهازيها العسكري "كتائب القسام" والأمني "مجد"، والتحريض على اختطاف وقتل الجنود الإسرائيليين.
لكن في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1997، أُفرج عن الشيخ ياسين بموجب اتفاق جرى بين عمان و"تل بيب"، مقابل تسليم عميلين من "الموساد" الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" آنذاك، خالد مشعل في عمان.
فور الإفراج عنه، عمل ياسين على إعادة تنظيم صفوف "حماس" من جديد بعد تفكيك بنى الحركة من أجهزة الأمن الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بها فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانًا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.
فرضت السلطة الفلسطينية عليه إقامتين جبريتين بتحريض من الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد "إسرائيل"، فكانت الأولى في كانون الأول/ديسمبر عام 2001، والثانية في حزيران/يونيو عام 2002.
ومع إصراره على مواصلة طريق المقاومة ومعارضته لاتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير و"تل أبيب"، ورغم فرض الإقامة الجبرية عليه، استمر في الحفاظ على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.
قام الشيخ ياسين بحملة علاقات عامة واسعة في أيار/مايو 1998 في الخارج، نجح خلالها في جمع مساعدات معنوية ومادية كبيرة للحركة، مما أثار استياء "إسرائيل"، التي اتخذت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة من القرارات تجاه ما وصفته "بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج".
سارعت "إسرائيل" إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية لعدم تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، لكنه عاد لاحقًا بعد ترتيب مع السلطة الفلسطينية.
جهاد ومقاومة
في إطار العمل الوطني، حرص الشيخ على الوحدة الوطنية، واتسمت مواقفه بالتركيز عليها وأولاها أهمية كبيرة، حيث ظلت الوحدة الوطنية إحدى القضايا الأساسية التي آمن بها الشيخ وسعى لترسيخها.
أولى الشيخ ياسين أهمية كبيرة لقضية الأسرى الفلسطينيين وحريتهم، وعمل على إطلاق سراحهم بكل الوسائل الممكنة، حتى باتت كلماته ومواقفه ترددها الأجيال من بعده، وليس أدل على ذلك من مقولته المشهورة "بدنا أولادنا يروحوا غصبًا عنهم".
وساهم الشيخ في دعم توجه حركة "حماس" وذراعها المسلح "كتائب القسام" للقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الأخرى.
واختتم الشيخ حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 آذار/مارس 2004، ليُرسم نهجًا أحيا به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ "الحياة مقاومة".
أشعل استشهاده غضبًا عارمًا واستنكارًا رسميًا وشعبيًا واسعًا حول العالم، حيث خرجت تظاهرات عديدة في مدن عربية وعالمية تنديدًا بالجريمة الإسرائيلية.
شارك عشرات الآلاف من الفلسطينيين الغاضبين في تشييع جثمانه، مطالبين برد قاسٍ على هذا الاعتداء.
عقب اغتيال الشيخ ياسين، خاضت حركة "حماس" الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أيلول/سبتمبر 2005، حيث فازت بالأغلبية الساحقة وشكلت الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
تأتي ذكرى استشهاد الشيخ ياسين، ولا يزال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يتعرض لحرب إبادة جماعية يرتكبها جيش الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مما خلف أكثر من 162 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.