الوساطة الأمريكية بين التناقض والانحياز: هل واشنطن طرف في ملف غزة أم وسيط؟

أثار المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، جدلاً واسعًا بتصريحاته الأخيرة حول حركة "حماس"، حيث وصفها بأنها "فكرة إيديولوجية متجذرة يصعب اقتلاعها"، مما يشير إلى اعتراف أمريكي ضمني بعمق حضور الحركة شعبيًا.

ومع ذلك، رافقت هذه التصريحات دعوته لنزع سلاح "حماس"، مما يعكس تناقضًا بين الاعتراف بواقع الحركة ومحاولة فرض شروط تخدم الرؤية الإسرائيلية. يطرح هذا التساؤل: هل تغير الموقف الأمريكي فعلاً، أم أنها مجرد مناورة سياسية جديدة؟

يؤكد الخبير في الشأن الأمريكي، أن تصريحات ويتكوف "ليست سوى رأي شخصي، ولا تمثل موقف الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، والتي تعكس انحيازًا كاملاً للموقف الإسرائيلي".

وفي حديثه مع "قدس برس"، أشار طعمة إلى أن الإدارة الأمريكية، منذ وصول ترامب، لم تعد تعترف بحل الدولتين كخيار مطروح. ورغم أن ويتكوف لم يستبعد هذا الحل، إلا أن حديثه عنه كاحتمال يعكس تراجعًا واضحًا عن التزام الإدارات الأمريكية السابقة بهذا الحل.

ورأى طعمة أن هذا الموقف يعزز رؤية رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي يرفض حل الدولتين ويسعى إلى فرض واقع جديد في الضفة الغربية والقدس، مع إبقاء غزة معزولة ومهمشة. وأضاف: "انتهى حل الدولتين مع فوز ترامب، فالسياسة الأمريكية باتت تتبنى رؤية إسرائيل بالكامل، وهو ما تجلى في دعم العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، رغم المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين".

تناول طعمة التصريحات الأمريكية حول "حماس"، معتبرًا أنها "تعكس تناقضًا كبيرًا. فرغم تصنيفها كحركة إرهابية وفق السياسة الأمريكية، أقر ويتكوف بأن حماس فكرة إيديولوجية متجذرة في وجدان الشعب الفلسطيني، ومن الصعب اجتثاثها".

وبحسب طعمة، فإن هذا الاعتراف "يشير إلى إدراك أمريكي عميق بأن أي حل مستقبلي لا يمكن أن يتجاوز حماس"، ومع ذلك، أشار إلى أن "ويتكوف لم يبتعد عن إرضاء إسرائيل، بطرحه مطلب نزع سلاح حماس، رغم إدراكه استحالة تحقيق ذلك". واعتبر طعمة أن ذلك "تناقضًا واضحًا".

ورأى طعمة أن حديث ويتكوف عن احتمال وقوع "اضطرابات" في حال لم يُحل وضع غزة "يعكس إدراكًا أمريكيًا متأخراً بأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط". وأكد على أن الإدارة الأمريكية تخشى من عودة سيناريو "الربيع العربي"، خاصة في ظل تعاطف الشعوب العربية والإسلامية مع غزة، مشيرًا إلى أن استقرار غزة أصبح بمثابة ضمانة لاستقرار المنطقة بأكملها.

من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أحمد الحيلة، أن موقف ويتكوف يعكس صراعًا داخليًا في الإدارة الأمريكية، بين السعي لتحقيق نجاح دبلوماسي، والانصياع لضغوط إسرائيل واللوبي الصهيوني في واشنطن. وكشف الحيلة في حديث مع "قدس برس" عن معلومات حول اتصالات أجراها المبعوث الأمريكي لشؤون الأسرى، آدم بولر، مع "حماس"، مشيرًا إلى أن "هذه الاتصالات أثارت غضب إسرائيل، التي سارعت إلى شن حملة ضغط عبر لوبياتها في واشنطن، مما أدى إلى عزل بولر من متابعة الملف".

ويرى الحيلة أن هذا التطور يعكس تناقضًا أمريكيًا: "فمن جهة، تتواصل واشنطن مع حماس سرًا لتحقيق انفراجة، ومن جهة أخرى، تستجيب لضغوط إسرائيل لعزل من يقود هذا التواصل".

ويؤكد الحيلة أن مقترح ويتكوف لـ "حماس"، الذي يتجاهل وقف إطلاق نار مستدام ويركز فقط على "الأسرى مقابل الغذاء"، هو خروج عن الاتفاق الأصلي الذي كان يفترض أن يحقق انسحابًا إسرائيليًا كاملًا. ويتساءل: "كيف يمكن اعتبار هذا الحل مقبولًا، وهو أشبه بترحيل الأزمة بدلًا من حلها؟".

ويعتقد الحيلة أن "هذا الطرح لا يعكس إرادة أمريكية حقيقية لوقف الحرب، بل هو محاولة لفرض حل مؤقت يهدف فقط لتهدئة الأوضاع، بما يتيح لواشنطن التركيز على ملفات أخرى، مثل إيران والتطبيع مع الدول العربية".

ويلخص الحيلة المشهد بأنه "سباق مسارات" بين خيارين:

المسار الأول: مفاوضات تتمسك بها "حماس"، مدعومة بصمود شعبي فلسطيني غير مسبوق.

المسار الثاني: تصعيد يسعى إليه نتنياهو، مدفوعًا بالرغبة في كسر إرادة المقاومة، وفرض معادلة جديدة تنتهي بتهجير الفلسطينيين من غزة.

يبدو أن الموقف الأمريكي بات أكثر التباسًا وتناقضًا. ففي ظل محاولة التظاهر بدور الوسيط، والانحياز الفعلي لإسرائيل، يبدو أن واشنطن لا تزال عالقة في لعبة الضغوط الإسرائيلية، مما يثير التساؤلات حول نواياها الحقيقية تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وقال المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، إن حركة "حماس" فكرة لا يمكن القضاء عليها، وأشار ويتكوف إلى أنه لا يعتقد بإمكانية التخلص منها (حماس)، كونها فكرة إيديولوجية، وليس مجرد تنظيم سياسي.

وتحدث المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، في مقابلة مع الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون مساء الجمعة، عن ملفات عدة منها مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة التي اخترقها الاحتلال الإسرائيلي، ومستقبل التطبيع في المنطقة.

وعن رؤيته لحركة حماس قال ويتكوف: "لا أعتقد أنهم منغلقون أيديولوجيًا، وعندما تفهم أنهم يريدون الحياة حينها تستطيع التحدث معهم بطريقة أكثر فاعلية".

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مبادرة ترامب للتهدئة في غزة: مقترح "ملغوم" يفتقر للضمانات ويكرّس الواقع القائم
يوليو 2, 2025
أثار مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوماً، والذي يتضمن ترتيبات جزئية لتبادل الأسرى وتخفيف محدود للحصار، موجة من التحفظات لدى محللين فلسطينيين وعرب، رأوا فيه طرحاً غير متوازن يفتقر إلى الضمانات الحقيقية لوقف دائم للعدوان أو لتأمين الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة في القطاع. واعتُبر المقترح، الذي يأتي قبيل
"إسرائيل" تقتل مدير المستشفى الإندونيسي الدكتور مروان السلطان وعائلته في قصف على منزله بغزة
يوليو 2, 2025
في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للطواقم الطبية، استشهد مدير المستشفى الإندونيسي شمال قطاع غزة الدكتور مروان السلطان، برفقة زوجته وخمسة من أبنائه، إثر قصف جوي نفذته طائرات الاحتلال استهدف منزله في حي تل الهوا غرب مدينة غزة، وفق ما أكدته مصادر طبية في مستشفى الشفاء ومصادر صحفية متطابقة. وأعلنت وزارة الصحة
صحة غزة: 142 شهيدا و487 جريحا وصلوا المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية
يوليو 2, 2025
أعلنت وزارة الصحة في غزة نقل 142 شهيدا فلسطينيا، (بينهم 3 شهداء انتشال)، و487 جريحا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية. وأضافت الوزارة، في تصريح صحفي، اليوم الأربعاء، أن حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/مارس 2025، وصلت إلى 6,454 شهيدا و22,551 جريحا، مشيرة إلى أن هناك عددًا من الضحايا ما زالوا تحت الركام
إصابة معتقل فلسطيني بشلل جزئي جراء التعذيب بسجون "إسرائيل"
يوليو 2, 2025
ذكر "نادي الأسير الفلسطيني"، إن معتقلا إداريا بالسجون الإسرائيلية فقد القدرة على الحركة في جزئه السفلي من جسده جراء تعرضه لعمليات تعذيب وضرب مبرح. وأضاف النادي (أهلي) في بيان اليوم الأربعاء، تلقته "قدس برس"، أن "المعتقل الإداري محمد نسيم أبو العز (19 عامًا) من أريحا، والمعتقل منذ فبراير/شباط من العام الماضي، تعرّض لعمليات تعذيب وضرب
"صدى سوشال": أكثر من 1247 انتهاكًا رقميًا بحق الفلسطينيين خلال يونيو.. و"إنستغرام" في صدارة القمع
يوليو 2, 2025
كشف مركز "صدى سوشال" للحقوق الرقمية (مستقل مقره رام الله)، عن تصاعد حاد في وتيرة الانتهاكات الرقمية ضد الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية، مؤكدًا توثيقه 1247 انتهاكًا رقميًا خلال شهر حزيران/يونيو 2025 الماضي، في سياق ما وصفه بـ"التصعيد الرقمي المنظّم والمتعدد الأطراف" ضد المحتوى الفلسطيني، تزامنًا مع اتساع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتضييق حرية الصحافة
"فلسطينيي الخارج" يستعرض أهم المخاطر التي تهدد "أونروا" خلال تموز 2025 وحتى حزيران 2026
يوليو 2, 2025
سلّط "ملف الأونروا" في "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" الضوء على جملة من التحديات والمخاطر المصيرية التي تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" خلال الفترة الممتدة بين تموز/يوليو 2025 وحزيران/يونيو 2026، في ظل تصاعد الضغوط السياسية والمالية، وتكثف المساعي الدولية لإعادة هيكلة دور الوكالة وتقليص مسؤولياتها. وفيما يلي أبرز المحاور التي استعرضها التقرير: 1. تجديد