لبنان.. المخيمات الفلسطينية: روحانية رمضان ممزوجة بالحزن والدعاء لغزة

مع دخول العشر الأواخر من شهر رمضان، تغيّرت الأجواء في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث ازداد التوجّه إلى المساجد، وعلت أصوات الدّعاء، وارتفع منسوب الأمل رغم قسوة الظروف.
لكن هذا العام، يحمل رمضان فيه طابعًا مختلفًا في قلوب اللاجئين، إذ تخيم مأساة غزة على الأجواء الروحانية، ويصبح الدعاء في التهجد ليس فقط لطلب المغفرة، بل أيضًا لرفع البلاء عن الأهل في القطاع المحاصر.
روحانية ممزوجة بالحزن في المخيمات
ففي مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور جنوب لبنان، كما في باقي المخيمات الفلسطينية، يتوافد السكان إلى المساجد خلال ليالي العشر الأواخر، يبحثون عن الطمأنينة في الصلاة والقيام، ويتمسكون بالأمل رغم المعاناة، لكن المشهد لا يخلو من الألم، حيث الأحاديث تدور حول غزة، التي تواجه حربًا مدمرة، وأهلها الذين يحرمون حتى من أبسط حقوقهم في العبادة والاحتفال بالشهر الكريم.
ولسان حال أبناء شعبنا الفلسطيني في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية على امتداد الأراضي اللبنانية "نحن هنا في ضيق، لكن أهلنا في غزة يعانون أكثر، فهم يصومون تحت القصف، ونحن هنا ندعو لهم في كل سجدة".
موائد إفطار متواضعة ودعاء مشترك مع غزة
يقول مراسل "قدس برس" في لبنان إن "موائد الإفطار في المخيمات تعكس واقعًا اقتصاديًا صعبًا، حيث تكتفي العائلات بأبسط الوجبات بسبب ارتفاع الأسعار والأوضاع الاقتصادية المتردية".
ليالي القدر: تهجد ودعاء لأهل غزة
وفي العشر الأواخر، تكتظ المساجد بالمصلين، وتُرفع الأكف بالدعاء في صلاة القيام، لكن هذه السنة، الدعاء لا يقتصر على المغفرة والرزق، بل يتحول إلى نداء جماعي لرفع الظلم عن أهل غزة.
ترابط روحي رغم البعد الجغرافي
ورغم المسافات التي تفصل المخيمات الفلسطينية في لبنان عن غزة، يبقى الارتباط الروحي والعاطفي حاضرًا، فالقضية واحدة، والهوية الفلسطينية تجمعهم، ورمضان يعزز هذا الشعور بالوحدة والمصير المشترك.
وفي هذا السياق، أكد عضو هيئة علماء فلسطين في لبنان، الشيخ رمزي كريّم أنه "مع اقتراب نهاية شهر رمضان، تتجدد الأحزان في قلوبنا مع استمرار العدوان الصهيوني الوحشي على أهلنا في غزة، مما يترك أثرًا بالغًا في نفوس الفلسطينيين في كل مكان، وبين مشاعر الألم والحزن، برزت حالة إيمانية من التراحم والتكافل، حيث شهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان العديد من الفعاليات التي تعكس روح التضامن مع غزة".
أجواء رمضان في المخيمات: دعاء ودعم ومساندة
وأضاف كريّم في تصريح خاص لـ"قدس برس" اليوم الخميس، أنه "كان لشهر رمضان هذا العام طابع خاص، حيث اجتمعنا في المساجد في صلوات التراويح، نرفع أيدينا بالدعاء لأهل غزة، نشعر بألمهم ونستحضر تضحياتهم، كما كانت خطب الجمعة مركزة على الأوضاع الإنسانية هناك، مما عزز وعي الناس ودفعهم للمساهمة في حملات الدعم المختلفة".
حملات التبرعات والمساعدات
ولفت إلى أن"لم يقتصر الدعم على الدعاء، بل تجسد في حملات جمع التبرعات التي أُطلقت في المخيمات والمساجد، إذ تمكنا بفضل الله من جمع التبرعات لإقامة إفطارات وسحور للأسر المتضررة في غزة، بالإضافة إلى تمويل مشاريع مثل سقيا المياه، كفالة الأيتام، ودعم الأسر المتعففة، وكانت هناك استجابة واسعة من الناس، مما يعكس التلاحم العميق بين الفلسطينيين أينما كانوا".
الفعاليات الثقافية والتوعوية
ومن بين الأنشطة البارزة، يذكر الشيخ رمزي كريّم الأمسيات الشعرية التي أقيمت في بعض المخيمات، حيث عبر الشعراء عن معاناة غزة وصمود أهلها من خلال كلماتهم المؤثرة، كما تم تنظيم ندوات ومحاضرات تناولت حقيقة الصراع الفلسطيني، زيف القانون الدولي، وتأثير الحروب على الأطفال والعائلات".
وتابع قائلاً "أردنا أن نسلط الضوء على أن ما يحدث في غزة ليس مجرد أخبار، بل هو معاناة يومية يعيشها أهلنا هناك، وهذه الندوات ساعدت في رفع الوعي وتعزيز روح المسؤولية لدى الجميع".
التواصل المباشر مع غزة والمظاهرات التضامنية
ومن المبادرات الفريدة التي أُقيمت، يشير كريّم إلى "الجلسات التي تمت عبر تطبيق زووم (عن بعد)، مع أهل غزة، حيث تم تبادل الرسائل بين المخيمات الفلسطينية في لبنان وغزة، مما عزز الشعور بالترابط الأخوي".
كما شهدت المخيمات مظاهرات ووقفات احتجاجية شارك فيها العشرات، مطالبين بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.
وأضاف كريّم أن "هذه المظاهرات رسالة واضحة بأن الفلسطينيين في كل مكان يقفون صفًا واحدًا، وأن غزة ليست وحدها في هذه المعركة".
في ختام حديثه، قال كريّم إنه "رغم الألم الذي نشعر به جميعًا، إلا أن رمضان هذا العام أكد لنا أن غزة ليست وحدها؛ تكافلنا، دعاؤنا، وتبرعاتنا، كلها رسائل محبة وصمود، نحن هنا لنقول لأهلنا في غزة: أنتم لستم وحدكم، صمودكم صمودنا، وألمكم ألمنا، وسنبقى معكم حتى النصر بإذن الله".
و يظل الأمل قائمًا بأن يكون رمضان القادم مختلفًا، بأن ينتهي العدوان على غزة، وأن تعيش المخيمات في لبنان ظروفًا أكثر إنسانية، وربما أن يتحقق الحلم الأكبر: العودة إلى فلسطين، حيث لا يكون رمضان محاطًا باللجوء والمعاناة، بل بالحرية والكرامة.