الرد السوري على الشروط الأمريكية: انحناءة أمام العاصفة أم نهج دولة جديدة؟

بعثت سوريا ردًا خطيًا إلى الولايات المتحدة، بشأن قائمة شروط طرحتها واشنطن مقابل تخفيف جزئي للعقوبات المفروضة عليها، مشيرة إلى أنها استجابت لمعظم الشروط، فيما تتطلب قضايا أخرى "تفاهمات متبادلة"، وفق ما أظهرت الرسالة التي تسربت مقاطع منها للصحافة.

وكانت واشنطن قد سلّمت دمشق، في آذار/مارس الماضي، قائمة تضمنت ثمانية شروط، من بينها تدمير ما تبقى من ترسانتها الكيميائية، وضمان عدم تسلم أجانب مناصب قيادية في الحكم ومنع أي وُجود للفصائل الفلسطينية على الأراضي السورية.
 
التزامات سورية واستعداد للمناقشة
وأوضحت دمشق في رسالتها أنها تجاوبت مع غالبية الشروط الأمريكية، وبيّنت أنها شكّلت لجنة خاصة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية على أراضيها، معربة عن استعدادها لإجراء مزيد من النقاشات في هذا الشأن.
ونوّهت الرسالة إلى أن سوريا "لن تشكل تهديدًا لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل"، لكنها اعتبرت أن ملف المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري يتطلب مشاورات إضافية، مؤكدة في الوقت ذاته تعليق إصدار الرتب العسكرية.
 
انحناءة مؤقتة
وحول هذا التطور، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الشمال في إدلب، الدكتور كمال عبدو، أن الرد السوري لا يعكس تبني الدولة نهجًا جديدًا، بل هو "انحناءة مؤقتة أمام العاصفة".
 
وقال عبدو لـ "قدس برس" إن "الشعب السوري عبر تاريخه كان دومًا داعمًا للقضية الفلسطينية منذ بدايات المشروع الصهيوني وحتى اليوم"، معتبرًا أن "الشروط الأمريكية قاسية جدًا على سوريا التي تحاول اليوم النهوض من تحت الركام، وتحتاج إلى وقت لاستعادة عافيتها".
 
ولفت إلى أن "أي نظام سوري، سواء أكان من أقصى اليمين أو اليسار، لا يستطيع التطبيع مع العدو الإسرائيلي"، مشددًا على أن "طرد الفلسطينيين أمر مستحيل؛ لأنهم جزء من النسيج السوري، كما لا يمكن طرد الفصائل الفلسطينية من سوريا، بل يمكن تنظيم تحركاتها بالتفاهم معها".
 
وأشار إلى أن "ملف المقاتلين الأجانب وعلاقة دمشق بالفصائل الفلسطينية، إضافة إلى الارتباطات الإقليمية مع إيران وحزب الله والخليج وتركيا، كلها ملفات شائكة وطويلة الأمد".
 
وبيّن عبدو  أن "العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة تقوم على انعدام الثقة المتبادل، إلا أن هناك إمكانية لتجاوز هذه الفجوة، لا سيما أن واشنطن تدرك أن فشل الدولة السورية سيؤدي إلى فوضى شاملة في المنطقة".
وعبّر عبده عن اعتقاده بأن "ملف التفاوض مع الولايات المتحدة صعب وشاق، إذ تسعى واشنطن إلى تقليص سيادة سوريا، لكنها في الوقت ذاته تريد الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار".
 
ورأى أن "التضحيات السورية في هذه المرحلة تكتيكية ومؤقتة وليست استراتيجية"، معتبرًا أن "الانحناء أمام بعض المطالب ضرورة ظرفية، حتى تتمكن سوريا من إعادة بناء قدراتها".
 
وختم بالإشارة إلى أن "التطبيع مع إسرائيل غير وارد طالما أن الجولان محتل، وأن العلاقة ستظل قائمة على التهديد المتبادل بين الطرفين، مع حرص دمشق على تجنب أي مواجهة عسكرية حالياً بسبب ضعف الإمكانيات".
 
نهج دولة جديدة لا مجرد انحناءة
من جانبه، يعتقد المحلل السياسي السوري باسل معراوي أن ما جرى يعبر عن نهج جديد للقيادة السورية، وليس مجرد انحناءة تكتيكية.
 
وقال معراوي: "لا أرى أن ما حدث هو مجرد انحناءة للعاصفة، بل هو مسار سياسي جديد بدأ مع سقوط النظام السابق، وبرز في تصريحات الرئيس أحمد الشرع ووزير خارجيته في عدة مناسبات داخلية وخارجية".
 
وأوضح أن "القيادة السورية الجديدة ترى أن سوريا خرجت منهكة بعد عقود من حكم عائلة الأسد وما تبعه من دمار شامل، وهي بحاجة إلى إعادة بناء عميقة للبنية السياسية والمجتمعية".
 
وأشار إلى أن "دمشق فتحت قنوات اتصال مع موسكو، حيث زار وفد روسي رفيع بقيادة ميخائيل بوغدانوف سوريا، واُتُّفِق على إعادة هيكلة العلاقات الثنائية على أسس جديدة".
 
ولفت معراوي إلى أن "العلاقة مع إيران تبقى معقدة، إذ إن طهران دعمت بعض الحركات المتمردة، إلا أن القيادة السورية تركت الباب مفتوحًا لتحسين العلاقات مستقبلًا".
 
وبذلك فإنه يرى التوجه السوري نحو الولايات المتحدة بأنه "تحول حقيقي يتماشى مع النظام الدولي، خاصة بعد ترحيب دولي وإقليمي بسقوط النظام السابق، ما منح واشنطن أوراقًا قوية في مفاوضاتها مع إيران".
 
وبيّن أن "دعم دول الخليج وتركيا للقيادة السورية الجديدة، وهما حليفان لواشنطن، يشكل دليلاً إضافيًا على الرضا الأمريكي عن دمشق"، مشيرًا إلى أن "تسليم ملف محاربة داعش لسوريا بالتعاون مع تركيا يعزز هذا الاتجاه".
 
وأضاف معراوي إن "التخفيف المتوقع للعقوبات، وانخراط سوريا في تحالف إقليمي رباعي مع الأردن والعراق وتركيا، يصبان في مصلحة استقرار سوريا والمنطقة عمومًا".
 
وأوضح أن "الرد السوري على الشروط الأمريكية كان مقنعًا، وإلا لما دُعِي الوفد السوري إلى واشنطن، ورفع العلم الجديد هناك، والمشاركة في مجلس الأمن، إضافة إلى الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
 
وحول النقاط العالقة مع واشنطن، أشار معراوي إلى وجود خلافين رئيسيين: الأول، يتعلق برفض الولايات المتحدة منح مناصب قيادية لمقاتلين أجانب سابقين. والثاني، يخص تنفيذ عمليات أمنية داخل سوريا بحق أفراد تعتبرهم واشنطن تهديدًا لأمنها القومي.
 
وختم معراوي بالإشارة إلى أن "إسرائيل تخشى تكرار تجربة طوفان الأقصى داخل سوريا، وتسعى إلى إبقاء مناطق عازلة في الجنوب السوري، مفضلة التعامل مع جيش نظامي مستقر بدل تنظيمات غير منضبطة، دون أن تسعى لعقد معاهدة سلام، بل الاكتفاء بتثبيت اتفاق فصل القوات لعام 1974".
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
3 أشخاص من عصابات "أبو شباب" يسلمون أنفسهم للمقاومة في غزة
يوليو 6, 2025
أعلنت وحدة "سهم" (شكلتها وزارة الداخلية في غزة عام 2024)، مساء الأحد، تسليم ثلاثة أشخاص من عصابة ما يعرف بـ"أبو شباب" لأنفسهم. وقالت الوحدة في بيان مقتضب، إنه "في ظل الحديث عن قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وبعد بيان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة صباح اليوم، ثلاثة أشخاص من عصابات ياسر أبو شباب
"حماس" ترحب بالبيان الختامي لقمة "بريكس"
يوليو 6, 2025
رحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الأحد، ما جاء في البيان الختامي لقمة (بريكس) المنعقدة في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، ودعوته لوقف إطلاق النار في غزة وانسحاب جيش الاحتلال، وإدانته لانتهاكات القانون الإنساني الدولي واستخدام التجويع وسيلة للحرب. ودعت "حماس" دول مجموعة "بريكس"، وكل دول العالم، إلى "ممارسة الضغوط على حكومة الاحتلال الإرهابي، للامتثال للقانون
جيش الاحتلال يعلن تدمير مواقع عسكرية جنوب سوريا بذريعة "التهديد المباشر"
يوليو 6, 2025
قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد، إنه نفّذ عمليات عسكرية في جنوب سوريا استهدفت مواقع قال إنها "تابعة لقوات النظام السوري"، وذلك رغم مرور نحو سبعة أشهر على سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. وأوضح جيش الاحتلال في بيان، أن قوات "لواء الجبال 810 تواصل نشاطها في منطقة جبل الشيخ القريبة من العاصمة دمشق"، مشيرا
جيش الاحتلال يشن غارات مكثفة على جنوب لبنان والبقاع
يوليو 6, 2025
نفذ الطيران الحربي والمسيّر التابع لجيش الاحتلال "الإسرائيلي"، مساء الأحد، سلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت مناطق متفرقة في جنوب لبنان والبقاع، في تصعيد ميداني جديد. وأفاد مصدر أمني لبناني من بيروت بأن الغارات تركزت على منطقتي بصليا وكفرملكي في إقليم التفاح جنوبي البلاد، إلى جانب وادي تبنا في بلدة البيسارية، تزامنا مع تحليق مكثف للطيران
هل يمنع الاحتلال توظيف المعلمين الدارسين في الجامعات الفلسطينية بالداخل المحتل؟
يوليو 6, 2025
رأى العديد من المتابعين، أنّ إقرار "الكنيست الإسرائيلية" وتصدبقها بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون وقرار بموجبه رفض منح رخصة تدريس لكل من يحمل شهادة من المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية، يرمي إلى "تحقيق العديد من المكاسب السياسية والوطنية وفي مقدمتها ضمان عدم تأثر الطلبة بالأبعاد الوطنية والإبقاء على حالة الفصل بين فلسطيني الداخل وأهالي الضفة الغربية". بدوره
بطولات جديدة لـ"القسام".. الكتائب تعلن عن عمليات جديدة ضد جيش الاحتلال
يوليو 6, 2025
أعلنت كتائب "القسام"، الجناح المسلح لحركة "حماس"، الأحد، دك تجمعات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في منطقتي "السطر" و"القرارة" شمال مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بقذائف الهاون. كما أعلنت "القسام" في بيان مقتضب، استهداف مغتصبتي "نيريم" و"العين الثالثة" بصواريخ "رجوم" من عيار 114 ملم. وفي وقت سابق أمس السبت، عرضت كتائب "القسام" مشاهد لإغارة مقاتليها على