جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية: العالم بأسره تخلى عن الشعب الفلسطيني.. يجب أن ننقذ ما تبقى من إنسانيتنا

اتهم ممثلو جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، "إسرائيل" بانتهاك صارخ للقانون الدولي من خلال استخدامها للتجويع كسلاح حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وتحميلها مسؤولية انتهاكات جسيمة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وقال ممثل جنوب إفريقيا، جايميون هندريكس، أمام هيئة المحكمة: "يجب أن ننقذ ما تبقى من إنسانيتنا"، مضيفاً: "العالم بأسره تخلى عن الشعب الفلسطيني". وأكد أن القانون الدولي يمنع استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب حتى في ظل الحصار أو الإغلاق، مشيراً إلى أن "إسرائيل" لا يحق لها معاقبة الفلسطينيين جماعياً تحت احتلال غير قانوني.
واتهم هندريكس "إسرائيل" بتطوير "مجموعة كاملة من أساليب الجوع والتجويع" من خلال التلاعب بسلاسل إمداد الغذاء، مما أسفر عن "لحظة إبادة جماعية"، على حد وصفه. وأضاف أن "الفلسطينيين بشر، رغم المحاولات المروعة من قبل المسؤولين الإسرائيليين لتصويرهم بطريقة مغايرة".
ودعا هندريكس، "إسرائيل" إلى التعاون مع الأمم المتحدة بحسن نية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية دون عوائق، مؤكداً أن لـ"إسرائيل" التزاماً قانونياً، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بضمان وصول الغذاء والرعاية الصحية للفلسطينيين.
وقال زين دانغور، عضو وفد جنوب إفريقيا ومدير عام إدارة العلاقات الدولية والتعاون، إن "غزة تحولت إلى ساحة قتل". وأضاف: "نقدم هذه المرافعات بينما غزة تخضع مرة أخرى لحصار كامل"، في ظل انهيار تام للمساعدات الإنسانية ومنع إدخال الغذاء والماء والدواء. ووصف دانغور هذا الانهيار بأنه "متعمد"، في إشارة إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت.
واتهم دانغور، "إسرائيل" بالتمتع بـ"استثنائية" تحصنها من المساءلة الدولية، مشيراً إلى الهجمات المتكررة على وكالة "الأونروا" وجهود تفكيكها، والتي اعتبرها جزءاً من خطة أوسع لإنكار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وترسيخ نظام فصل عنصري.
وحذر دانغور، من أن قبول مزاعم "إسرائيل" حول "عدم كفاية السجل الوقائعي" سيكون بمثابة مكافأة لقمع الأدلة، وقال: "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقبل واقعاً تُجَوَّع فيه عمداً بأكمله السكان المدنيين"، مضيفاً أن الصحفيين والمسعفين وعمال الإغاثة "يُغتالون ويُدفنون في مقابر جماعية على عجل".
وقدمت نوكوكانيا جيلي، المستشارة القانونية الخاصة للرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، المبررات القانونية لدعوى بلادها، مؤكدة أن القانون الدولي يلزم القوة المحتلة بالعمل لصالح رفاه السكان تحت الاحتلال. واتهمت "إسرائيل" بانتهاك هذا المبدأ من خلال الضم الفعلي للقدس الشرقية والهجوم على مؤسسات مثل "الأونروا".
وأشارت جيلي، إلى أن الإجراءات الإسرائيلية مثل حظر "الأونروا" تمثل ادعاءات غير مشروعة بالسيادة على أرض محتلة، ما يعوق الفلسطينيين عن ممارسة حقهم في تقرير المصير. وقالت: "لا يحق لإسرائيل إخضاع السكان للعقاب الجماعي بينما تقوم بقصف المدنيين وممتلكاتهم على نطاق واسع".
وحذرت من أن استهداف البنية التحتية المدنية في فلسطين، بما يشمل التعليم والرعاية الصحية ونُظم الحكم، يهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وهو ما تحظره اتفاقيات جنيف.
وطالبت جنوب إفريقيا المحكمة الدولية بالاعتراف بأن القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية تمثل انتهاكاً صريحاً للقانون الإنساني الدولي. واختتمت جيلي مداخلتها بالقول: "يجب على إسرائيل أن توقف إدارتها غير القانونية لحركة الدخول والخروج إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ لا توجد استثناءات تتيح للقوة المحتلة عرقلة جهود الإغاثة الإنسانية".
وافتتحت محكمة العدل الدولية، أمس الاثنين، أسبوعًا من جلسات الاستماع المخصصة لمراجعة التزامات "إسرائيل" الإنسانية تجاه الفلسطينيين، بعد أكثر من خمسين يومًا من فرض حصار شامل على دخول المساعدات إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب.
ووفقا لأجندة المحكمة، ستعقد جلسات الاستماع (مرافعات شفوية) خلال الفترة من 28 أبريل وحتى 2 مايو 2025، حيث إنّ 44 دولة و4 منظمات دولية أعربت عن نيتها المشاركة في المرافعات أمام المحكمة.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.
وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.