زيارة "عباس" إلى لبنان وتداعيات نزع سلاح الفصائل الفلسطينية: تحديات ومعضلات

في ظلّ أزمة متصاعدة تحيط بالمخيمات الفلسطينية في لبنان، يكثر الحديث في الأوساط السياسية والأمنية عن زيارة مرتقبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت، تحمل في طياتها أبعادًا تتجاوز الطابع البروتوكولي.
فبحسب مصادر متعددة، قد تشكّل الزيارة مدخلًا لإطلاق خطة أمنية تهدف إلى نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات، تحت شعار "بسط سيادة الدولة اللبنانية".
إلا أن هذا الطرح يُواجَه برفض فلسطيني واسع، لا سيّما من الفصائل غير المنضوية تحت مظلة السلطة، في ظلّ مخاوف جدية من تكرار سيناريوهات دامية طبعت الذاكرة اللبنانية-الفلسطينية المشتركة.
تحذير من "إملاءات خارجية" وخشية من انفجار أمني داخلي
وسط هذه الأجواء المشحونة، حذّر العميد الركن المتقاعد، نضال زهوي، من خطورة المرحلة المقبلة، معتبرًا أن "ما يجري لا ينفصل عن إملاءات خارجية تهيمن على القرارين اللبناني والفلسطيني على حدّ سواء".
وقال زهوي في تصريح خاص لـ"قدس برس" اليوم السبت، إنه "لا توجد سلطة لبنانية مستقلة عن القرار الأميركي، كما لا توجد سلطة فلسطينية حقيقية؛ بل نحن أمام سلطة فلسطينية متواطئة، وسلطة لبنانية خاضعة لا حول لها ولا قوة، تنفّذ الإملاءات الأميركية".
ورأى أن "السلطة اللبنانية تتجه بجدية نحو بسط سيطرتها على المخيمات الفلسطينية، دون الأخذ في الاعتبار تداعيات هذا القرار.
وأشار إلى أن "السلطة الفلسطينية كانت قد أعلنت منذ سنوات رغبتها في تسليم سلاح المخيمات إلى الدولة اللبنانية، وكان العائق الوحيد هو وجود فصائل مقاومة غير تابعة للسلطة، ومتحالفة مع المقاومة في لبنان".
أما عن توقيت هذه الخطة، فرأى أنه مرتبط بتطورات إقليمية ودولية أكثر منه قرارًا محليًا، مضيفًا: "من المبكر الحديث عن خطة تنفيذية قبل زيارة عباس، فالموضوع مرهون بتفاهمات إقليمية ودولية، وترى الدولة اللبنانية في الظرف الحالي فرصة سانحة، خاصةً في ظلّ انفتاح حزب الله على الملفات الداخلية، ومدّه اليد إلى الدولة اللبنانية".
وفي ما يتعلّق بموقف القوى الفلسطينية، أشار إلى أن رفض نزع السلاح هو "أمر واقع"، عازيًا ذلك إلى عدم تبعية معظم الفصائل لسلطة محمود عباس، وإلى الهواجس الأمنية العميقة بفعل المجازر السابقة، وأبرزها صبرا وشاتيلا.
كما نبه إلى تعقيدات إضافية، أبرزها وجود عدد كبير من المطلوبين أمنيًا داخل المخيمات، من فلسطينيين ولبنانيين على حدّ سواء.
ولم يستبعد العميد سيناريو التصعيد، بل ذهب إلى حدّ القول: "أعتقد أن الدولة اللبنانية قد تلجأ إلى المواجهة العسكرية لسحب السلاح، مستندة إلى بعض الفصائل التابعة للسلطة الفلسطينية لتلعب دور الطابور الخامس".
وختم بتحذير شديد اللهجة: "أمن المخيمات في خطر كبير، والسيناريو الأصعب هو اندلاع اقتتال فلسطيني داخلي لا يُعرف إلى أين قد يصل".
قلق من توقيت الزيارة وتخوف من استهداف سلاح المخيمات
من جهته، قال القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" في لبنان، يوسف موسى، إن زيارة "عباس إلى بيروت مرحّب بها من حيث المبدأ"، مؤكدًا أن "من حق الدولة اللبنانية أن تستقبل من تشاء، وأن تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية يمثل أولوية وطنية جامعة".
لكنه أشار في تصريح خاص لـ"قدس برس" إلى أن "توقيت الزيارة، وما يُنقل عبر الإعلام حول أجندتها، يثيران قلقًا مشروعًا لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني في لبنان، خاصة في ظل التصعيد الصهيوني المستمر على الضفة وغزة، وفي ظل غياب أي تحرك ملموس من مؤسسات السلطة لمواجهة هذا العدوان أو دعم المقاومة سياسيًا وميدانيًا".
واعتبر أن "الحديث الإعلامي عن سلاح المخيمات بصورة أمنية ضيقة، يختزل قضية اللاجئين ويغفل أبعادها السياسية والاجتماعية والإنسانية"، مشددًا على أن "هذا السلاح يحمل رمزية وطنية مرتبطة بالهوية وحق العودة، وأن أي مشاركة فلسطينية في مقاومة الاحتلال من الأراضي اللبنانية كانت دومًا ضمن تنسيق واضح مع المقاومة اللبنانية".
وأكد أن "أي حوار حول قضايا المخيمات يجب أن يتم مع المرجعية الفلسطينية الجامعة، المتمثلة بهيئة العمل الفلسطيني المشترك، وبمشاركة كل القوى دون استثناء".
ودعا إلى "مقاربة شاملة تنطلق من الحقوق المدنية، ومعالجة الظروف المعيشية، وضمان استمرار خدمات وكالة (أونروا)، بما يعزز صمود اللاجئين ويحفظ كرامتهم وحقهم في العودة".
وختم بالقول: "لم يُطرح معنا شيء رسمي من قبل الدولة اللبنانية، وما يُثار إعلاميًا يجب أن يُشكّل مدخلًا لحوار مسؤول وجاد، يعالج أوضاع اللاجئين بشكل متكامل، بعيدًا عن الحلول المجتزأة أو الضغوط السياسية الخارجية".
بدوره، رأى الناشط الشبابي الفلسطيني محمد حسون أن "زيارة عباس تأتي في سياق إقليمي ضاغط، بتأثير أميركي – (إسرائيلي) مباشر، يستثمر المتغيرات السياسية في لبنان والضغوط المتزايدة على حزب الله".
ويقول حسون في تصريح خاص لـ"قدس برس"، إن "السلطة الفلسطينية تسعى بكل جهدها إلى التخلي عن خيار المواجهة مع العدو، تحت ذريعة السعي إلى السلام، رغم ما يرافق ذلك من اعتداءات واستيطان واعتقالات في الضفة، هدفها اليوم هو التخلص من كل ما قد يشكّل تهديدًا للاحتلال، وخصوصًا قوى المقاومة، حتى لو تطلّب الأمر ملاحقة معارضين أو أصحاب فكر مقاوم".
وأضاف أن "السلطة ترى نفسها الممثّل الوحيد للقرار الفلسطيني، استنادًا إلى موقع محمود عباس كرئيس لمنظمة التحرير، وهو ما يمنحه - من وجهة نظرها - صلاحية التفاوض باسم اللاجئين الفلسطينيين".
وتابع قائلًا إن "هذا التوجه ولّد غضبًا واسعًا داخل المجتمع الفلسطيني، حتى داخل حركة فتح نفسها، وأعاد إلى الأذهان مشهد خروج المنظمة من بيروت بعد الاجتياح، وما تبعه من مجازر بحق اللاجئين في صبرا وشاتيلا".
تحذير من اختزال القضية بالسلاح
وحذّر من "تكرار سيناريو تقويض الهوية الوطنية الفلسطينية"، معتبرًا أن "اختزال اللاجئ الفلسطيني بمشهد السلاح فقط هو إهانة لقضية عادلة وشعب مشرّد منذ أكثر من سبعة عقود".
وأضاف أن "الفلسطيني لا يزال لاجئًا مؤقتًا في المخيمات، ورغم مشاركته في حرب الإسناد لغزة، ودفعه أثمانًا من دماء الشهداء، يُعامَل وكأنه تهديد أمني، بدل أن يُنظَر إليه كصاحب حق".
إجراءات مقلقة… وتوجهات مريبة
وأشار حسون إلى "سلسلة من الإجراءات المثيرة للقلق، أبرزها إغلاق مداخل مخيم البداوي، وتغيير اسم لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني إلى لجنة حل قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واستبدال رئاستها بالسفير دمشقية، إلى جانب التدهور الحاد في خدمات (أونروا)".
الحل ليس أمنيًا… بل إنسانيا شاملا
من جانبه، قال الناشط الشبابي الفلسطيني محمد أبو قاسم إنّ "خبر زيارة عباس إلى لبنان قوبل باستياء واسع بين اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا في ظلّ العدوان المستمر على غزة والضفة الغربية، والتهديدات (الإسرائيلية) بشن حرب على لبنان".
وأشار في تصريح خاص لـ"قدس برس" إلى أنّ "الزيارة تثير الكثير من القلق، لما قد تحمله من خطوات تمهّد لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية، تحت ذرائع لا تُراعي خصوصية المرحلة ولا المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية".
وأكد أنّ "اللاجئين في لبنان متمسكون باحترام القانون اللبناني، لكنهم في الوقت نفسه يعانون من تهميش مزمن، ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، ويُنظر إليهم في كثير من الأحيان كعبء أمني لا كأصحاب حق".
وتابع: "في الوقت الذي تُمنح فيه بعض الأحزاب اللبنانية الحق بحمل السلاح، يُطلب من الفلسطيني أن يتخلى عن وسيلة دفاعه الوحيدة، دون تقديم أي ضمانات حقيقية لسلامته أو لكرامته".
ورأى أنّ "تصريحات عباس لا تمثل تطلعات الفلسطينيين في لبنان، بل تزيد من مشاعر الإحباط والغضب"، واصفًا إياها بأنها "انعكاس لفجوة عميقة بين القيادة الرسمية والواقع الميداني للاجئين".
وقال: "نحن بحاجة إلى حوار وطني شامل، لا إلى قرارات فوقية تُتخذ في غرف مغلقة وتُفرض علينا دون مشاورة أو تمثيل حقيقي".
وختم قائلًا: "القضية الفلسطينية في لبنان ليست قضية سلاح فقط، بل قضية كرامة ووجود وهوية، وسلاح المخيمات، مهما اختلفنا حول شكله أو إدارته، يبقى رمزًا للصمود والدفاع، وليس مشروعًا للعنف أو الفوضى كما يُروّج له البعض".