ما دلالة عمليات "القسام" النوعية في رفح والشجاعية على مجريات الحرب في غزة؟

في الوقت الذي تكثف فيه إسرائيل عملياتها العسكرية جنوب قطاع غزة، ظنًّا منها أن الحسم بات قاب قوسين أو أدنى، جاءت عمليات كتائب القسام النوعية في رفح والشجاعية لتقلب الطاولة، وتعيد ترتيب مشهد المعركة على نحو مُربك لدوائر القرار العسكري والسياسي في تل أبيب.
وفي هذا السياق، يشير محللون إلى أن ما تنفذه المقاومة من عمليات نوعية "ليس مجرد تحرك ميداني طارئ، بل تعبير عن نضج استراتيجي متقدم، تُدار فيه المواجهة بعقلية الاستنزاف طويل الأمد، وتُستثمر فيه كل ثغرة وحدث ومعلومة لإرباك الاحتلال، وحرمانه من ترجمة تفوقه العسكري إلى إنجاز سياسي أو ميداني حاسم".
تطور لافت
وأكد المحلل السياسي إياد القرا أن "العمليات النوعية التي نفذتها كتائب القسام مؤخرًا في رفح والشجاعية تمثل تطورًا لافتًا في مسار المواجهة المستمرة منذ أكثر من 19 شهرًا"، مشيرًا إلى أنها "ليست مجرد أحداث معزولة، بل جزء من حرب استنزاف مدروسة تُحسن فيها المقاومة توظيف بيئتها وذاكرتها وتجاربها السابقة لصناعة كمائن تُربك الاحتلال وتبدد أوهام النصر".
وأوضح القرا، في حديث لـ”قدس برس”، أن العملية التي نفذتها القسام في رفح جاءت كضربة استباقية لإفشال مساعي الاحتلال إلى فرض وقائع عسكرية جديدة في الجنوب، بعد إخفاقه في تحقيق أهدافه في الشمال.
وأكد أن تقدم الاحتلال في محيط رفح، رغم غطاءه الجوي الكثيف وحجم التدمير الواسع، اصطدم مجددًا بجدار “اللامرئي” للمقاومة: أنفاق هجومية، كمائن محصنة، تكتيكات مرنة، وجهوزية قتالية عالية، تعيد للأذهان معارك عام 2014 حين تحوّلت رفح إلى مقبرة ميدانية للجنود، وابتلعت أحدهم في عملية “هدار غولدن” التي بقيت لغزًا حتى اليوم.
وشدد القرا على أن الرسالة واضحة: المقاومة لا تنكسر بفعل الزمن، بل تتأقلم مع المتغيرات، وتعيد بناء قدراتها وتطوير تكتيكاتها بما يتناسب مع طبيعة كل مرحلة.
وأشار إلى أن كتائب القسام نجحت، بعد قرابة عامين من الحرب، في إعادة صياغة معادلة الردع الميداني، عبر تنفيذ ضربات دقيقة ومباغتة في مناطق يعتقد الاحتلال أنها “مؤمّنة” وتحت سيطرته.
وفيما يخص الشجاعية، أوضح القرا أن العملية الأخيرة أعادت التذكير بمكانة هذه المنطقة كواحدة من أعقد جبهات المواجهة، حيث دفع الاحتلال فيها ثمناً باهظًا خلال عدوان 2014، ما أحدث آنذاك شرخًا في ثقة القيادة الإسرائيلية بقدرة جيشها البري.
وأضاف أن الشجاعية، وبعد سنوات من إعادة بناء بنيتها التحتية، عادت لتفاجئ الاحتلال بهجمات تنفذ من نقاط متقدمة وبجرأة ميدانية عالية، في دلالة على أن المقاومة استعادت زخمها القتالي رغم الحصار والاستنزاف المستمر.
وأشار إلى أن هذه العمليات، إلى جانب ما سبقها في بيت حانون، تؤكد أن المقاومة اختارت الاستمرار والمبادرة، رافضة الانزلاق إلى حالة دفاع مطلق أو تراجع تكتيكي طويل. بل على العكس، تمضي في إرباك العدو، وتشتيت جهده، ونقل الضغط إلى داخل صفوفه.
وختم القرا بالقول: “فشل الاحتلال في فرض نموذج الحسم العسكري سواء في الشمال أو الجنوب، والمقاومة تؤكد أن ما يُكسر بالنار لا يُرمم بالدبابات. وما تفعله القسام في رفح والشجاعية ليس مجرد تكتيك عسكري، بل إعادة إنتاج لهوية مقاومة لا تُهزم”.
ضرورة ميدانية
من جانبه، فصّل المحلل السياسي أحمد الحيلة أسباب تصاعد العمليات النوعية في رفح، مؤكدًا أن كل شبر في غزة هو ساحة فعل للمقاومة، بما في ذلك رفح التي دُمرت بنسبة تقارب 80%، والتي زعم نتنياهو تفكيكها بالكامل قبل أسبوع.
وأوضح أن هذا الادعاء لم يمنع المقاومة من تنفيذ عمليات موجعة، مما زاد من إحباط الجيش العاجز عن تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية.
وفي منشور له عبر “فيسبوك”، أشار الحيلة إلى أن سقوط قتلى وجرحى من الجنود والضباط الإسرائيليين في معظم العمليات، إن لم يكن في جميعها، يكشف عن تصاعد كلفة الحرب على الاحتلال.
وبيّن أن هذا الواقع دفع نحو 50% من جنود الاحتياط إلى رفض الخدمة، فيما تطالب 70% من القاعدة الشعبية الإسرائيلية بوقف الحرب.
وأكد أن الاحتلال يسعى لتحويل رفح إلى منطقة نزوح كثيف تحت غطاء “توزيع المساعدات” بإشراف أمني-عسكري إسرائيلي، معتبرًا ذلك محاولة للتمهيد لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وتساءل: “لماذا لا تُوزع المساعدات من خلال الأمم المتحدة وفي جميع مناطق القطاع؟”، معتبرًا أن ما يجري في رفح يحمل أبعادًا أخطر مما يُعلن.
وشدد الحيلة على أن سلسلة عمليات “أبواب الجحيم” التي تنفذها المقاومة في رفح تمثل ضرورة ميدانية لإفشال مخطط التهجير ووقف العدوان المستمر على غزة.
وفي السياق ذاته، قال الباحث علي أبو رزق إن الاحتلال أعلن عن إصابة تسعة من جنوده، بينهم ضابط كبير برتبة عقيد، خلال عملية الشجاعية الأخيرة، والتي جاءت متزامنة مع سلسلة عمليات نفذتها المقاومة بدأت في بيت حانون، وامتدت إلى رفح، وانتهت بتفجير كمين محكم في الشجاعية.
وفي تغريدة له على منصة “إكس”، أوضح أبو رزق أن هذه العمليات جاءت في وقت تتصاعد فيه أصوات إسرائيلية تشكك في جدوى الحرب وتتهم نتنياهو بتوظيفها لأجندته الشخصية.
وأضاف أن مثل هذه العمليات، وإن لم تُنهِ الحرب فورًا، إلا أنها تعمّق كلفتها وتجعل الاحتلال في موقع المستنزَف، وليس الفلسطيني وحده.