ماذا تكشف المشاهد الصادمة لتوزيع المساعدات في رفح؟

محاولات الاحتلال تشكيل واقع سياسي وأمني بديل

في الوقت الذي تنتظر فيه آلاف العائلات الفلسطينية في قطاع غزة أي بصيص أمل لتخفيف وطأة الجوع والحصار، تحوّلت مشاهد توزيع المساعدات في مدينة رفح إلى مشهد صادم كشف عمق الفشل الإسرائيلي–الأميركي، ليس فقط في إدارة الأزمة الإنسانية، بل في محاولات تشكيل واقع سياسي وأمني بديل في القطاع.

فقد أثارت طريقة إدارة عملية التوزيع، وما رافقها من اضطرابات وسوء تنظيم، تساؤلات جادة حول النوايا الحقيقية وراء هذه المبادرات "الإغاثية"، التي تتورط فيها شركات أجنبية برعاية عسكرية مباشرة.

وفي هذا السياق، يرى محللون سياسيون في حديثهم لـ"قدس برس"، اليوم الأربعاء، أن "ما جرى في رفح لا يمكن عزله عن سياق أوسع لمحاولات فرض وصاية ميدانية مقنّعة، تمهيدًا لمشاريع تهجير قسري عبر ما يُسمّى بمراكز التوزيع، وهو ما قوبل برفض شعبي واسع، يعكس فشلًا مزدوجًا في تنفيذ الخطة على الأرض، وإخفاقًا في كسر إرادة الناس تحت سطوة الحصار".

ارتباك أمريكي - إسرائيلي

وقال المحلل السياسي إياد القرا إن "ما جرى خلال توزيع المساعدات الأخيرة في غزة يعكس حالة من الارتباك الأميركي – الإسرائيلي، سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ".

وأوضح القرا في حديث لـ"قدس برس"، أن "المساعدات التي أعلن عنها كانت شيئًا، وما جرى على الأرض كان شيئًا آخر تمامًا"، مشيرًا إلى أن "طريقة توزيعها تكشف عن محاولة مقصودة لقولبة العملية على شكل مراكز توزيع تخدم أهدافًا سياسية".

وأضاف: "واضح أن الهدف من هذه الطريقة هو إذلال المواطنين، وخلق حالة من التذمر الشعبي تجاه المقاومة والمفاوض الفلسطيني، في محاولة لتثبيت رواية أن حركة حماس هي من تسيطر على هذه المساعدات".

وأكد أن "هذا الادعاء يناقض ما تقوله المؤسسات الدولية"، لافتًا إلى أن الواقع يثبت أن "حماس لا تتدخل في توزيع المساعدات، حتى في فترات الهدنة."

وتابع: "حين كانت هناك هدنة، كانت المساعدات تصل إلى المواطنين دون أي ملاحظات، ومن خلال أكثر من 400 مركز توزيع تديرها وكالة الأمم المتحدة (الأونروا)، إضافة إلى مطبخ الغذاء العالمي ومؤسسات إنسانية أخرى".

وأشار القرا إلى أن "الشركة المسؤولة عن التوزيع فشلت أولًا في التعامل الميداني مع المواطنين، وثانيًا لأن الخطط التي وُضعت كانت غير منطقية ولا واقعية ولا قابلة للتطبيق".

وأوضح أن "المواطن الجائع منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لن ينتظر خططًا بيروقراطية، بل سيسعى بأي طريقة لتأمين الغذاء لأطفاله".

وبيّن أن "الشركة حاولت توزيع المساعدات بطريقة أمنية، لكنها فشلت في ذلك، ما دفع المواطنين إلى اقتلاع السياج بعد حشرهم في نقطة واحدة، في مشهد أظهر الآلاف وهم يندفعون تحت تهديد بنادق الجنود الأميركيين والإسرائيليين للحصول على الطعام."

وقال القرا: "هذه الطريقة الاستفزازية استفزت مشاعر الناس بشكل كبير، وكانت عاملًا رئيسيًا في رفضهم لهذا الشكل من التوزيع، ما أدى إلى مهاجمة الشركة".

وختم بالقول: "الاحتلال الإسرائيلي تدخل لاحقًا لإنقاذ الشركة، لكنه اليوم يطلق النار على كل من يقترب من مراكز التوزيع، ما يعكس مرة أخرى فشل هذه المقاربة الأمنية في التعامل مع أزمة إنسانية بالغة الخطورة".

مشروع التهجير في مهب الريح

من جانبه، اعتبر المحلل السياسي أحمد الحيلة أن اقتحام آلاف الفلسطينيين لمعسكر توزيع المساعدات في رفح، وهروب القائمين عليه تحت حماية الطيران الإسرائيلي، يمثل مؤشرًا جديدًا على فشل الاحتلال في فرض سلطة بديلة في غزة.

وأوضح الحيلة أن "الاحتلال حاول احتكار عملية توزيع المساعدات عبر شركة أميركية يديرها ضباط أميركيون، بالتعاون مع جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية"، مشيرًا إلى أن هذه الشركة، التي "أُسّست في سويسرا في فبراير الماضي، لا تمتلك أي خبرة في العمل الإنساني".

وفي تغريدة نشرها عبر حسابه على منصة "إكس"، أشار الحيلة إلى أن "الأهم أن هذا الفشل، بداية تعثّر لسيناريو تهجير الفلسطينيين، عبر تجميعهم قسرًا في مدينة رفح على الحدود مع مصر.

وختم بالقول، إن "ما جرى يُعد مؤشرًا واضحًا على مستوى الوعي الفلسطيني، رغم الكارثة الإنسانية التي خلقها الاحتلال بسياساته العدوانية في القطاع".

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
ترامب: وقف إطلاق النار في غزة "وشيك"
يونيو 27, 2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة "بات قريبا"، مرجحا أن يتم إبرامه خلال الأسبوع المقبل. وأضاف ترامب خلال فعالية في البيت الأبيض احتفالا باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، أنه تحدث أخيرا مع عدد من الأطراف المعنية بالمفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار في قطاع
"القسام" تعلن تفجير نفق مفخخ شرق خان يونس ومقتل ضابط "إسرائيلي"
يونيو 27, 2025
أعلنت كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، الجمعة، تنفيذ عملية تفجير نفق مفخخ استهدفت قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بتاريخ 16 حزيران/يونيو الجاري. وذكرت الكتائب، في بيان مصوّر نشرته، أن العملية أسفرت عن مقتل نائب قائد كتيبة في جيش الاحتلال، وإصابة عشرة جنود بجروح متفاوتة. وأشار البيان
عنف المستوطنين يتواصل.. إطلاق نار وسرقة وتخريب في رام الله والخليل
يونيو 27, 2025
شهدت مناطق عدة في الضفة الغربية، الجمعة، سلسلة اعتداءات عنيفة نفذها مستوطنون "إسرائيليون" مسلحون بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم، تخللتها أعمال ترويع وتخريب متعمد. ففي بلدة "شقبا" غرب رام الله، هاجم عدد من المستوطنين مجموعة من المواطنين أثناء تواجدهم في أراضيهم الزراعية شمال غرب البلدة. وقام المستوطنون بطرد أصحاب الأرض تحت تهديد السلاح، حيث أظهر مقطع
البرازيل.. مظاهرة حاشدة أمام القنصلية الأميركية في ساو باولو رفضا للعدوان على غزة
يونيو 27, 2025
شارك العشرات من النشطاء البرازيليين والمنظمات السياسية والنقابية، اليوم الجمعة، في تظاهرة جماهيرية أمام القنصلية الأمريكية في مدينة ساو باولو (جنوب شرق البرازيل)، احتجاجا على استمرار العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، والدعم الأميركي اللامحدود لحكومة الاحتلال. وجاءت التظاهرة بدعوة من قوى يسارية وحركات اجتماعية، بينها الحزب الشيوعي الثوري (P.C.O)، ومركز النقابات الشعبية  (CSP Conlutas)، ومجموعة
لازاريني: نظام توزيع المساعدات الجديد في غزة تحوّل إلى "ساحة قتل"
يونيو 27, 2025
قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، الجمعة، إن نظام توزيع المساعدات الجديد في قطاع غزة، الذي بدأ تطبيقه قبل نحو شهر، أدى إلى "مقتل أكثر من 400 شخص من المدنيين الجوعى". وأضاف لازاريني في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، أن هذا النظام أصبح "ساحة قتل" بدلا
غوتيريش: البحث عن الطعام في غزة لا يجب أن يكون "حكما بالإعدام"
يونيو 27, 2025
ندد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الجمعة، بالوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة. وأكد غوتيريش أن السعي للحصول على الطعام لا يجب أن يُعرّض الناس للموت، محذرا من أن آليات توزيع المساعدات الحالية في القطاع تؤدي فعليا إلى قتل المدنيين. وقال في تصريح للصحفيين من نيويورك: "يُقتل الناس لمجرد محاولتهم إطعام عائلاتهم وأنفسهم. لا