غزة ما بعد وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال، وسيناريوهات المرحلة القادمة

في ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، وتزايد التحليلات بشأن مآلات المشهد الإقليمي، يرى محللون فلسطينيون أن الاحتلال يواجه أزمة داخلية متفاقمة وفشلًا ميدانيًا ينعكس بوضوح على خطابه السياسي. وفي المقابل، تبرز مؤشرات على تحركات أمريكية لفرض تهدئة، بينما تبقى غزة في قلب المواجهة، تقاتل وحدها وسط صمت عربي وتخاذل رسمي.
يرى المحلل السياسي محمد أبو طاقية أن التأثيرات الأخيرة في غزة ليست مباشرة، بل لحظية، مؤكدًا أن المشهد العام يشهد تغيّرات ترتبط أساسًا بكيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى وجه الخصوص دونالد ترامب، مع الملفات الدولية.
وقال أبو طاقية في حديثه مع "قدس برس" إن "ترامب يسعى للظهور بمظهر الزعيم العالمي القادر على فرض الاستقرار في مناطق النزاع، إلا أن استمرار الحرب في غزة، إلى جانب الملف الأوكراني، يُفشل هذا التصور الذي يحاول تسويقه"، مشيرًا إلى أن هذا التناقض قد يدفع واشنطن إلى اتباع نهج مختلف في المرحلة القادمة.
وأوضح أن الاحتلال، خلال الأيام الاثني عشر الماضية، وجد نفسه في مواجهة واقع ميداني صعب لم يتمكن من التعامل معه دون تدخل أمريكي مباشر، مما دفعه لطلب المساعدة بشكل علني، في مشهد يعكس حجم الإرباك داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وأضاف أن الحسابات التي خاض بها الاحتلال هذه المعركة كانت خاطئة إلى حد كبير، ولم تُحقق له أي اختراق ميداني حقيقي.
ونوّه إلى أن الاحتلال، رغم عملياته واجتياحاته المتكررة، بما في ذلك استخدام عربات "غوتعون"، وارتكابه لانتهاكات متواصلة، لم يتمكن من تغيير معادلة الواقع لا سياسيًا ولا ميدانيًا. بل على العكس، تمكنت المقاومة من تعميق حالة الانسداد لدى الاحتلال عبر تصعيد عملياتها النوعية. وأكد أن العملية الأخيرة شكّلت ضربة معنوية كبيرة لحكومة نتنياهو، وأفشلت محاولته إعلان "نصر عظيم" يفتقر لأي إنجاز ميداني فعلي.
ويرى أبو طاقية أن الاحتلال يسعى حاليًا للهروب إلى الأمام من خلال أحد سيناريوهين: إما الدخول في تفاهمات جديدة برعاية أمريكية تشمل ملفات مثل الأسرى ووقف الحرب وإدخال المساعدات، أو الاتجاه نحو مزيد من التصعيد وارتكاب الجرائم في محاولة لتحقيق حسم عسكري يُسوّق على أنه إنجاز سياسي.
وحذّر من أن أي حديث عن تراجع الموقف الفلسطيني هو "محض تضليل"، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني لا يزال متمسكًا بمطالبه، التي لا تتجاوز الحد الأدنى من الحقوق، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من القطاع، ووقف الإبادة الجماعية، وبدء عملية إعمار حقيقية.
وأشار إلى أن الترويج لفكرة أن الفلسطينيين "محبطون" أو أنهم "سيتغيرون" تحت ضغط الحرب، هو رواية إسرائيلية تتبناها بعض الأطراف الدولية، مؤكدًا أن هذا الشعب واجه ظروفًا أشد قسوة ولم يتخلّ عن حقوقه أو مقاومته.
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي إياد القرا إن قطاع غزة يخوض معركته وحيدًا، في ظل خذلان عربي وإسلامي شامل، موضحًا أن الغياب العربي لا يقتصر على الفعل السياسي أو العسكري، بل يمتد حتى إلى الدعم المعنوي، حيث يسود الصمت والخنوع في العديد من الأوساط الرسمية.
وأضاف القرا في حديثه مع "قدس برس" أن "المقاومة الفلسطينية لا تعتبر ما حدث مؤخرًا ردًا إيرانيًا بالنيابة عنها، بل هو فعل مقاوم موازٍ يعزز رفض الاحتلال الإسرائيلي بصورة شاملة".
واعتبر أن "الضربات الإيرانية ألحقت أذى حقيقيًا بالاحتلال، كما أقرّت بذلك مصادر إسرائيلية، لكنها لم تُغيّر من واقع غزة التي ما تزال تقاتل وحدها على خط النار".
وأشار إلى أن الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدها الاحتلال خلال الأشهر الماضية قد تكون الأعلى منذ سنوات، وهو ما وضع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حالة ارتباك دائم، وأثار تساؤلات داخلية حول جدوى استمرار الحرب.
ونوّه القرا إلى أن نتنياهو يحاول استغلال الوضع الداخلي لدفع الأمور نحو انتخابات مبكرة يراهن فيها على بقائه في السلطة، إلا أن تصاعد العمليات النوعية وتكشّف هشاشة الإنجازات العسكرية قد يُفقده هذه الورقة.
وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، أوضح أن واشنطن لم تمارس حتى الآن ضغطًا فعليًا على الاحتلال لوقف الحرب في غزة، لكنها قد تعود للتحرك في هذا الملف بعد انتهاء موجة التصعيد مع إيران، خاصة مع تفاقم الكارثة الإنسانية واستمرار عمليات القتل والتجويع المتعمّد.