أزمة "الكاش" تُفاقم معاناة الغزيين.. عمولات تتجاوز 50% والأسعار تتضاعف

في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تتفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية، في وقت يعاني فيه المواطنون من ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، بفعل الزيادة غير المسبوقة في نسبة "العمولة النقدية" (الكاش) التي يفرضها التجار مقابل تسليم الأموال.
حالة من عدم الاستقرار في أسعار السلع الأساسية
لم يكن الغزي أحمد، من سكان مخيم النصيرات وسط القطاع، يتوقع أن عبوة الزيت التي اعتاد شراؤها بـ25 شيكل، ستقفز فجأة إلى 90 شيكل، دون تفسير واضح، ويقول: "الأوضاع لم تعد تُحتمل.. الأسعار تزداد كل يوم، والناس تعجز عن تأمين قوت يومها".
يُرجع تجار التجزئة السبب إلى ارتفاع نسبة العمولة التي يفرضها التجار الكبار أو من يُعرفون بـ"تجار الكاش"، ما يضطرهم إلى تحميل تكلفة العمولة على السعر النهائي للسلعة، وينطبق ذلك على معظم السلع المتوفرة في الأسواق.
كيف بدأت أزمة الكاش؟
مع بداية الحرب، استهدف القصف الإسرائيلي المباشر القطاع المصرفي في غزة، ما أدى إلى تدمير شامل لكافة فروع البنوك الـ15 العاملة في القطاع، البالغ عدد فروعها 56 فرعا، ونحو 97 جهاز صراف آلي (ATM).
ومنذ ذلك الحين، توقفت الأنشطة المصرفية بشكل كامل، ما حرم المواطنين من الوصول إلى مدخراتهم، ودفعهم للبحث عن بدائل نقدية خارج المنظومة البنكية.
في ظل هذا الواقع، انحصر توفر النقد (الكاش) في يد فئة محدودة من التجار ورؤوس الأموال الذين احتفظوا بأموالهم خارج البنوك، وتحولوا فعليا إلى ما يشبه "الصرافين المتنقلين"، حيث بدأوا باستلام الحوالات أو الودائع من المواطنين عبر حساباتهم المصرفية أو محافظهم الرقمية، مقابل تسليمهم مبلغا نقديا بعد خصم عمولة ضخمة تتراوح حاليا ما بين 45 و55 بالمئة، أي أن المواطن يخسر أكثر من نصف المبلغ لقاء حصوله على أموال نقدية.
لماذا ارتفعت نسبة العمولة؟
في بداية الحرب، كانت العمولة النقدية لا تتجاوز 3 بالمئة، لكنها ارتفعت تدريجياً مع زيادة حجم الودائع البنكية التي لا يمكن سحبها، وبحسب بيانات سلطة النقد الفلسطينية، اطلعت عليها "قدس برس"، فقد شهدت ودائع سكان غزة المصرفية نموا غير مسبوق بنسبة تفوق 83 بالمئة خلال الفترة بين أيلول/ سبتمبر 2023 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
وارتفعت قيمة هذه الودائع من 1.74 مليار دولار إلى أكثر من 3.2 مليارات دولار، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ الجهاز المصرفي في القطاع، ما يعكس حجم الأموال المجمدة والتي يبحث أصحابها عن سُبل للوصول إليها، حتى لو خسروا نصفها.
طرق غير رسمية وغياب للرقابة
في ظل الحصار المشدد وسيطرة الاحتلال على المعابر، وخاصة معبر "كرم أبو سالم"، باتت معظم شاحنات الإغاثة والبضائع التجارية تمر عبر قنوات غير رسمية، مما أدى إلى ظهور طبقات جديدة من "الوسطاء" و"المنسقين" الذين يفرضون عمولات باهظة على التجار مقابل تسريع أو تسهيل إدخال البضائع.
يقول أحد تجار المواد الغذائية لـ"قدس برس" - فضل عدم الكشف عن اسمه - "ندفع آلاف الدولارات لتسريع عبور الشاحنات أو لتجاوز بعض القيود... وكل هذه التكاليف نضطر لتحميلها على المستهلك الذي يدفع الثمن في النهاية".
وترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبدعم أمريكي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 188 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال، فضلاً عن دمار واسع.