فساد الأنسولين بسبب ارتفاع درجات الحرارة يهدد حياة آلاف المرضى في غزة

داخل خيمته الصغيرة في مواصي خان يونس جنوبي القطاع، تحتفظ الحاجة أم رامي (56 عاما) والمصابة بمرض السكري منذ نحو عشر سنوات، بعلبة بلاستيكية تحتوي على عبوات الأنسولين التي تعتمد عليها يوميا للبقاء على قيد الحياة، لكن هذه العبوات لم تعد آمنة كما ينبغي، فدرجات الحرارة المرتفعة داخل الخيام والتي تحولها لما يشبه بالأفران، أدت لإفساد الأنسولين.
تقول أم رامي بحسرة لـ"قدس برس" إن "الأنسولين لازم يظل محفوظ في درجة حرارة باردة، وإذا تلف ممكن يسبب لي غيبوبة، ومن يوم ما شنت إسرائيل الحرب علينا ما في كهرباء، حتى الثلج الي بنجيبه كل يوم بدوب بسرعة".
توقفت للحظة لالتقاط أنفاسها ثم أضافت: "أحيانا بنضطر نحط الأنسولين في زجاجات مية باردة ونلفه بمنشفة ونتركه في زاوية باردة، بس هذا مش حل دائم لسه الصيف طويل".
انقطاع الكهرباء.. تهديد صامت
يعاني قطاع غزة من انقطاع تام للتيار الكهربائي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وذلك في ضوء إصدار وزير الحرب آنذاك يوآف غالانت، قرارا عسكريا بقطع كافة خطوط الكهرباء المغذية للقطاع.
وبسبب ذلك توفي المئات من المرضى خصوصا من مرضى الأمراض المزمنة مثل السكري بسبب فساد العلاجات والأدوية، كونها تحتاج إلى حفظ في درجات منخفضة.
بدوره يشير طبيب الغدد الصماء في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، ياسر الفراء، إن "الأنسولين يجب حفظه في درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجات مئوية، وخروجه عن هذا النطاق يؤدي إلى فقدانه فعاليته، ما يعرض المريض لمضاعفات خطيرة، أبرزها ارتفاع السكر المفاجئ أو حتى الغيبوبة السكرية".
ويؤكد أن بعض المرضى يأتون إلى العيادة وهم لا يعلمون أن جرعة الأنسولين التي أخذوها كانت فاسدة، مما يفاقم حالتهم الصحية دون أن يدركوا السبب الحقيقي.
حلول بدائية.. لكنها غير كافية
في ظل هذه الظروف، يلجأ الكثير من الأهالي إلى وسائل بدائية لحفظ الأنسولين، مثل وضعه في أوعية معبأة بالماء البارد، أو دفنه في الرمل الرطب، أو حتى التنقل به إلى منازل أقارب لديهم كهرباء أو بطاريات شحن. لكن هذه الطرق لا توفر الأمان الكامل للدواء، ولا تضمن الحفاظ على فعاليته.
تقول أم محمود، وهي أم لطفل مصاب بالسكري عمره 7 سنوات: "أحيانًا نأخذ الأنسولين ونذهب به عند الجيران، لكن هذا مش حل، ابني لازم ياخد جرعته بالوقت، وإذا الدواء فاسد ممكن تنقلب حالته بيوم وليلة".
نقص الإمكانيات في المستشفيات والمراكز الصحية
ولم تسلم المراكز الصحية من هذه الأزمة أيضا، فالمولدات الكهربائية التي تعمل لساعات محدودة بسبب نقص الوقود، لا تستطيع ضمان التبريد المتواصل للأدوية الحساسة، وتؤكد مصادر طبية أن بعض شحنات الأنسولين تتعرض للتلف أثناء التخزين أو التوزيع، في ظل غياب الإمكانيات الكافية والتقنيات اللازمة لحفظ سلسلة التبريد.
دعوات عاجلة للتدخل
وسط هذه المعاناة، يطالب أطباء ومؤسسات صحية في غزة بضرورة توفير وسائل تخزين بديلة وآمنة للأدوية الحساسة، وتزويد المرضى بثلاجات صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية أو البطاريات، إلى جانب تسهيل دخول شحنات الأدوية ومعدات الحفظ عبر المعابر المغلقة جزئيا.
وتقول منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان لها: "على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته والضغط لتوفير الاحتياجات الطبية الأساسية لسكان غزة، وعلى رأسها وسائل التبريد للأدوية المنقذة للحياة".
وترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبدعم أميركي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.