لماذا دعا ترامب إلى إلغاء محاكمة نتنياهو؟
في ظل حالة الارتباك التي يعيشها كيان الاحتلال الإسرائيلي بعد أشهر من العدوان على غزة، أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي طالب فيها بإلغاء محاكمة رئيس الوزراء في حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أو منحه عفوًا، جدلًا واسعًا واعتُبرت مؤشرًا جديدًا على تعمق الأزمة داخل الاحتلال الإسرائيلي.
ورأى مراقبون أن هذه التصريحات جاءت في توقيت حساس، يكشف عمق المأزق الذي يعيشه نتنياهو على وقع الفشل العسكري في غزة، وتآكل الجبهة الداخلية، وتزايد الضغوط القضائية عليه، وسط غياب أي أفق سياسي أو ميداني يُنقذ صورته المتهاوية داخليًا وخارجيًا.
عمق الفشل "الإسرائيلي"
في هذا السياق، قال المحلل السياسي الفلسطيني محمد القيق إن "محاولة ترامب التدخل لإلغاء محاكمة نتنياهو تمثل دلالة على الفشل العميق الذي مُني به الاحتلال، بدءًا من عملية (عربات جدعون) مرورًا بـ(السيف) و(العزة) وصولًا إلى (السيوف الحديدية)".
وأوضح القيق في حديث لـ"قدس برس" اليوم السبت، أن هذا التدخل "يعكس حالة الاستنزاف التي يعانيها الشارع (الإسرائيلي)، وعجزه عن تلبية مطلب نتنياهو بالصمود، ما دفع أطرافًا داخلية في (إسرائيل)، بالتواطؤ مع ترامب، إلى التفكير في التخلص من المشهد السياسي والأمني الراهن الذي يفتقر إلى أي أفق".
وأشار إلى أن هذه التحركات "تحمل في طياتها محاولة من نتنياهو للنجاة من ضغوط وابتزاز شركائه المتطرفين في الحكومة، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ما قد يتيح له إنهاء الحرب دون أن يُهدَّد بسقوط حكومته، ويفتح الباب أمام انتخابات مبكرة قد يُعلنها إذا تخلّص من عبء المحاكمة".
وأكد القيق أن "الولايات المتحدة بدأت تتحمّل تبعات الفشل (الإسرائيلي) في غزة، بعدما تهاوت رهانات كسر المقاومة رغم المجازر، والتجويع، والحرب الإعلامية الواسعة التي تصدّى لها الغزيون بصمود أسطوري.
واعتبر أن "غزة أثبتت مجددًا أن سواحلها لا تقبل الاحتلال، وأن محاولات الترويض مرفوضة، مهما بلغت شراسة العدوان".
صفعة للديمقراطية (الإسرائيلية)
ونقل الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة مقتطفات من مقال للكاتب (الإسرائيلي) عيناف شيف نشرته صحيفة /يديعوت أحرونوت/ العبرية، وعلّق عليه بالقول إن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة شكّلت "صفعة قوية للديمقراطية (الإسرائيلية) ونتنياهو معًا".
وجاء في المقال أن ترامب، "بجرّة تصريح واحدة"، في إشارة إلى حديثه عن إنقاذ نتنياهو، عبّر بوضوح عن رؤيته لماهية العلاقة: "(إسرائيل) بالنسبة له ليست أكثر من دولة تابعة، ذات احتياجات لا تنتهي، يقودها زعيم لا يستطيع تدبير شؤونه دون تدخّل (الأب أمريكا)، الذي يوبّخ كل من يعطّله عن إدارة العالم".
وفي تغريدة له على منصة "إكس"، علّق الزعاترة بأن "من يتذكّر صورة نتنياهو مع رؤساء أميركيين سابقين، يدرك حجم التحوّل الذي أحدثه (طوفان الأقصى) في موقعه وموقع كيانه".
وأضاف أن "ترامب، في سابقة لم يجرؤ عليها رئيس أميركي قبله، أهان الكيان علنًا بكلمة نابية، وهو ما يكشف تصدّعًا في هيبة (إسرائيل) داخل الخطاب الأميركي، حتى من أبرز داعميها".
ورغم أن الدعم الرسمي الأميركي للكيان لن يتغيّر في المدى القريب، يرى الزعاترة أن "تحوّلًا تدريجيًا بدأ يطرأ على طبيعة العلاقة، لا سيما في وعي الشارع الأميركي، وهو ما سينعكس لاحقًا على نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن، كما سيعمّق الأزمات الداخلية التي يعانيها الكيان".
ورفضت محكمة "إسرائيلية"، الجمعة، طلب رئيس الوزراء نتنياهو تأجيل شهادته في محاكمته بتهم الفساد التي بدأت في أيار/مايو 2020.
وأعلن ترامب دعمه الكامل لنتنياهو، مطالبًا بإلغاء محاكمته بتهم الفساد "فورًا" أو منحه عفوًا، واصفًا القضية بأنها "سخيفة وغير مسبوقة".
وفي منشور على منصة "تروث سوشيال"، قال ترامب إن "نتنياهو مثُل أمام القضاء في وقت تخوض فيه (إسرائيل) (حربًا عظيمة)"، مضيفا "الولايات المتحدة أنقذت (إسرائيل)، والآن ستنقذ نتنياهو".
ورد زعيم المعارضة (الإسرائيلية)، يائير لابيد، على هذه التصريحات بالقول: "على ترامب ألا يتدخل في مسار قانوني يجري داخل (دولة مستقلة)".
واعتبر لابيد أن موقف ترامب لا يخلو من دوافع سياسية، مضيفًا: "أعتقد أن هذه التصريحات تمثل نوعًا من التعويض أو المكافأة لنتنياهو، تمهيدًا للضغط عليه من أجل إنهاء الحرب في قطاع غزة".
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي وبدعم أمريكي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عدوانه على قطاع غزة، والذي خلّف حتى الآن نحو 189 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى آلاف المفقودين ومئات آلاف النازحين، وسط دمار هائل في كل أنحاء القطاع.
