خبراء يحذرون: الاقتصاد في مناطق السلطة الفلسطينية ينهار وديون الموظفين قنبلة موقوتة

"الاقتصاد الفلسطيني يواجه كارثة مالية وديونًا متراكمة تهدد بالانهيار البنيوي" – بهذه العبارة الصادمة افتتح البنك الدولي تقريره الأخير الصادر في حزيران/يونيو 2025، ليدق ناقوس الخطر بشأن الحالة الاقتصادية والمالية في مناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة.

غير أن الأزمة لم تعد في خانة التحذير، بل تحوّلت إلى واقع يومي يعيشه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وخاصة موظفي القطاع العام في السلطة، الذين أصبحوا الحلقة الأضعف في معادلة مالية مختلة، تكشف ليس فقط فشلًا اقتصاديًا، بل انكشافًا سياسيًا وأزمة بنيوية شاملة، كما أشار مقالان متخصصان للخبيرين الاقتصاديين سعيد صبري ومروان طوباسي، تم نشرهم اليوم.

مديونية مزدوجة: الحكومة تقترض.. والمواطن يدفع الثمن
يشير د. سعيد صبري إلى أن أكثر من 135 ألف موظف تابع للسلطة الفلسطينية، بين مدني وعسكري، يعانون منذ أكثر من عامين من صرف رواتب مجتزأة بنسبة 50 إلى 80 بالمئة، ما اضطر معظمهم إلى التوجه للبنوك لسد احتياجاتهم المعيشية. وتُظهر الأرقام أن نحو 100 ألف موظف لديهم قروض نشطة تُقتطع من رواتب غير مكتملة، مما راكم ديونًا تجاوزت 1.8 مليار دولار.

هذا التدهور ليس معزولًا عن مديونية الحكومة نفسها، التي اقترضت من البنوك قرابة 9 مليارات شيكل لتغطية عجزها، وهي في المقابل مدينة للموظفين بما يتجاوز 8 مليارات شيكل كرواتب غير مدفوعة منذ 2021، ما يجعل القطاع المصرفي نفسه في مرمى الخطر، بحسب صبري.

تقرير البنك الدولي: من تشخيص الأزمة إلى كشف الغطاء السياسي
أما الخبير الاقتصادي مروان طوباسي فيُوسع زاوية النظر، معتبرًا أن الأزمة الاقتصادية لم تعد فنية أو مالية فقط، بل "تعكس انهيارًا سياسيًا متكامل الأركان". إذ يشير إلى أن 86 بالمئة من الناتج المحلي الفلسطيني بات مديونية، وأن أكثر من نصف هذه الديون تمثّل متأخرات لموظفين، ومستشفيات، وصناديق تقاعد.

ويضيف أن الانكشاف المالي هذا يعكس فشلًا في النموذج السياسي والاقتصادي المعتمد على ترحيل الأزمات بدلًا من مواجهتها، ضمن بنية لا تمتلك سيادة حقيقية على قرارها المالي، في ظل الاحتلال والانقسام وغياب الشرعية الشعبية.

ويُذكّر طوباسي بدور البنك الدولي كجهة غير محايدة، مما يجعل توقيت ومحتوى التقرير الأخير جزءًا من الضغط السياسي لتطويع السلطة الوطنية ضمن رؤى دولية لا تُلائم تطلعات الشعب الفلسطيني.

من الأرقام إلى الواقع: أزمة تتعدى الجيوب
تنعكس هذه الدوامة الاقتصادية في أوجه متعددة على حياة الفلسطينيين، مثل تراجع الطلب المحلي، ما أدى إلى ركود اقتصادي وإغلاق مشاريع صغيرة. وتفكك اجتماعي ونفسي ناتج عن الضغط المالي المتواصل على العائلات. إضافة إلى انهيار تدريجي في النظام المصرفي نتيجة عدم قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها، ورفض الاحتلال التعامل المالي السلس مع البنوك الفلسطينية.

رؤية للإصلاح: هل من أفق للحل؟
يتفق الخبيران على ضرورة انتهاج حلول جذرية لا تقتصر على ضخ الأموال أو الاعتماد على المساعدات الأجنبية التي تراجعت من 27 بالمئة من الناتج المحلي عام 2008 إلى 2 بالمئة فقط في 2024، بل تشمل: إعادة صرف الرواتب كاملة بآلية منتظمة وشفافة. وجدولة ديون الموظفين وتجميد الفوائد لفترة انتقالية. وتبني سياسة إحلال الواردات ودعم الإنتاج المحلي.

إضافة إلى إصلاح المنظومة السياسية والاقتصادية بالتوازي، لتأسيس عقد اجتماعي جديد يُعيد الثقة بين السلطة والمواطن، ويُعيد تعريف العلاقة بين الاقتصاد والتحرر الوطني.

أزمة نموذج لا أزمة رواتب فقط
ويشدد طوباسي على أنه "في النهاية، لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح دون عقد اجتماعي اقتصادي جديد، يتأسس على الثقة والعدالة والشفافية. العقد الذي نحتاجه ليس مع المانحين أو المؤسسات الدولية، بل مع أبناء شعبنا. نريد اقتصادا يعيد الاعتبار للإنسان الفلسطيني، ويجعل من التنمية مشروعا وطنيا، لا مجرد إدارة أزمة متواصلة".

و وسائل إعلام إسرائيلية، يوم 11 حزيران/يونيو الماضي، أن وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، قرر إلغاء نظام الإعفاء (الحماية) الذي كان يمنح المصارف الإسرائيلية حصانة قانونية عند التعامل مع المصارف التابعة للسلطة الفلسطينية. ويُهدد هذا القرار بانهيار النظام المصرفي الفلسطيني، ويُعد جزءًا من سياسة التضييق الاقتصادي على الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ويعتمد اقتصاد السلطة الفلسطينية بشكل كبير على العلاقات المصرفية مع المصارف "الإسرائيلية"، التي تُمكنها من تنفيذ المعاملات بالشيكل، نظرًا لعدم امتلاك السلطة الفلسطينية عملة وطنية. وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم التعاملات في المصارف الفلسطينية بلغ نحو 53 مليار شيكل (14 مليار دولار) خلال عام 2023.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
"فلسطينيي الخارج" يستعرض أهم المخاطر التي تهدد "أونروا" خلال تموز 2025 وحتى حزيران 2026
يوليو 2, 2025
سلّط "ملف الأونروا" في "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" الضوء على جملة من التحديات والمخاطر المصيرية التي تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" خلال الفترة الممتدة بين تموز/يوليو 2025 وحزيران/يونيو 2026، في ظل تصاعد الضغوط السياسية والمالية، وتكثف المساعي الدولية لإعادة هيكلة دور الوكالة وتقليص مسؤولياتها. وفيما يلي أبرز المحاور التي استعرضها التقرير: 1. تجديد
"الأورومتوسطي": 85% من مساحة قطاع غزة خاضعة لسيطرة إسرائيلية مباشرة أو مشمولة بأوامر إخلاء
يوليو 2, 2025
اتهم "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (حقوقي مقره جنيف)، "إسرائيل" بمواصلة ارتكاب جريمة التهجير القسري بحق سكان قطاع غزة، في إطار سياسة معلنة وممنهجة تهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين، وذلك باستخدام أدوات متعددة، تشمل القصف واسع النطاق، والتجريف، والتجويع، وتدمير البنية التحتية، والطرد بالقوة العسكرية، وأوامر الإخلاء القسري. وقال المرصد، في بيان صحفي اليوم
إيرلندا تبحث مشروع قانون يجرّم استيراد منتجات المستوطنات
يوليو 2, 2025
تواصل اللجنة المشتركة للشؤون الخارجية والتجارة في أيرلندا، اليوم الأربعاء، جلسات الاستماع بشأن مشروع قانون المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (حظر استيراد السلع)، وهو مشروع تدعمه الحكومة ويهدف إلى تجريم واردات المنتجات القادمة من مستوطنات الضفة الغربية، التي تُعدّ غير قانونية بموجب القانون الدولي. وكان الاجتماع قد بدأ أمس الثلاثاء، حيث قدّم كبار المسؤولين
وقفة احتجاجية في ساو باولو للمطالبة بقطع العلاقات مع "إسرائيل" ووقف الإبادة في غزة
يوليو 2, 2025
شهدت مدينة ساو باولو البرازيلية يومي 1 و2 تموز/يوليو وقفة احتجاجية امتدت على مدار 24 ساعة، نظمتها حركات اجتماعية وشخصيات سياسية وثقافية، أمام مقر مكتب التمثيل الرئاسي للحكومة الفيدرالية البرازيلية (ERESP)، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة وقطع العلاقات الدبلوماسية والعسكرية والتجارية بين البرازيل و"إسرائيل". الوقفة، التي حملت عنوان "وقفة احتجاجية لمدة 24 ساعة
إعلام إسرائيلي: صواريخ إيران ألحقت خسائر فادحة بمعهد أبحاث "وايزمان" في تل أبيب
يوليو 2, 2025
أكدت وسائل إعلام عبرية أن معهد "وايزمان" للعلوم، أحد أبرز المراكز البحثية المرتبطة بجيش الاحتلال وعملياته العسكرية، تعرّض لأضرار جسيمة إثر هجوم صاروخي إيراني استهدفه منتصف حزيران/يونيو الجاري. وأسفر الهجوم عن دمار واسع وخسائر مالية وعلمية فادحة تهدد بتجميد أبحاث حيوية يجريها المعهد. ونقلت صحيفة /ذا ماركر/ الإسرائيلية، المتخصصة بالشؤون الاقتصادية، عن رئيس المعهد، البروفيسور
استشهاد الأسير لؤي نصر الله داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي
يوليو 2, 2025
أعلنت "الهيئة العامة للشؤون المدنية" التابعة للسلطة الفلسطينية، اليوم الأربعاء، عن استشهاد الأسير الفلسطيني لؤي فيصل محمد نصر الله (22 عامًا) من مدينة جنين، داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأبلغت الهيئة، كلًا من "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" و"نادي الأسير الفلسطيني"، باستشهاد نصر الله، دون أن تقدم سلطات الاحتلال في المرحلة الأولى أي تفاصيل حول ظروف أو