البرازيل.. دعوات رسمية لقطع العلاقات مع "إسرائيل" وتأكيد على عدالة القضية الفلسطينية

عقد مجلس النواب البرازيلي جلسة رسمية، مساء أمس الأربعاء، لإحياء الذكرى الـ77 لنكبة الشعب الفلسطيني، وسط حضور سياسي ودبلوماسي وشعبي واسع، ومطالبات مباشرة باتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، شملت دعوات لقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معه.
الجلسة جاءت بطلب من النائب عن "حزب العمال"، الأب جواو، وبمبادرة من المعهد "البرازيلي الفلسطيني-ابرسبال"، واحتضنها مبنى البرلمان في العاصمة برازيليا، وشهدت مشاركة فاعلة من برلمانيين من مختلف التيارات السياسية، إلى جانب سفراء عدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية، منها العراق، باكستان، السعودية، وأيرلندا، ما أضفى على المناسبة بعدًا دوليًا ورسميًا واضحًا.
من بين الحضور، برزت شخصيات تمثل الجاليتين الفلسطينية والعربية في البرازيل، من بينها سفير السلطة الفلسطينية، إبراهيم الزبن، ورئيس اتحاد المؤسسات العربية الفلسطينية في البرازيل "فيبال، "وليد رباح، إضافة إلى الحاخام يسرائيل دوفيد وايس، ممثل طائفة "ناطوري كارتا" اليهودية المناهضة للصهيونية، والناشط البرازيلي تياغو أفيلّا، الذي سبق أن احتجزته البحرية الإسرائيلية خلال مشاركته في أسطول كسر الحصار عن غزة.
في كلمته الافتتاحية، شدد النائب الأب جواو على أن النكبة الفلسطينية لم تكن حدثًا عابرًا في عام 1948، بل مأساة مستمرة بأشكال مختلفة حتى يومنا هذا، معتبرًا أن طرد أكثر من 750 ألف فلسطيني وتدمير مئات القرى يمثل "جريمة تاريخية متواصلة"، لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهلها. من جانبه، اعتبر الوزير باولو بيمينتا أن التضامن وحده لم يعد كافيًا، ودعا إلى خطوات أكثر حسمًا، كاشفًا عن تقديمه مشروع قانون لاعتماد 29 تشرين الثاني/نوفمبر يومًا وطنيًا للصداقة البرازيلية الفلسطينية، ومؤكدًا أن على بلاده أن تقطع علاقاتها مع "إسرائيل" إذا "أرادت أن تبقى وفية لقيمها الديمقراطية والإنسانية"، بحسب تعبيره.
الحضور الفلسطيني عبّر هو الآخر عن غضب شديد مما يجري في غزة والضفة الغربية. السفير إبراهيم الزبن وصف الأوضاع هناك بأنها "كارثية"، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض يوميًا لقصف وتجويع وإذلال ممنهج، فيما تحدث، أحمد شحادة عن النكبة بوصفها بداية مشروع تطهير عرقي مستمر، قائلاً إن "(إسرائيل) تمارس الأبارتهايد بحق ملايين الفلسطينيين، وغالبية سكان غزة هم لاجئون منذ عام 1948"، مطالبًا بمحاسبة الاحتلال دوليًا على جرائمه.
أما رئيس "فيبال"، وليد رباح، فقد ركز في كلمته على أن ما تشهده غزة اليوم يمثل أكبر مجزرة بحق الأطفال والنساء في العصر الحديث، في ظل ما وصفه بـ"عجز دولي فاضح وتواطؤ من القوى الكبرى".
الكلمة الأكثر إثارة للانتباه جاءت من الحاخام يسرائيل دوفيد وايس، الذي أكد أن إسرائيل "لا تمثل اليهودية"، واعتبر أن قيام دولة يهودية كان "تمردًا على أوامر الرب". وأوضح أن اليهود عاشوا بسلام لقرون في فلسطين والعالم الإسلامي قبل ظهور الحركة الصهيونية، مشددًا على أن الاحتلال الإسرائيلي هو "أخطر أشكال معاداة السامية، لأنه يشوّه صورة اليهود واليهودية".
من جهته، تحدث الناشط البرازيلي تياغو أفيلّا عن تجربته الشخصية في مواجهة الاحتلال، ولفت إلى أن "إسرائيل" قتلت، بحسب تقديرات علمية، ما يزيد عن 68 ألف شخص في غزة، مع احتمال تجاوز عدد الشهداء 250 ألفًا، مؤكدًا أن "إسرائيل" تفرض حصارًا شاملًا وإبادة ممنهجة، بينما يقف العالم موقف المتفرج. ومع ذلك، شدد على أن فشل الحكومات لا يعني فشل الشعوب، معربًا عن استمرار المقاومة المدنية حول العالم.
الجلسة اختُتمت بجملة من المواقف السياسية الصريحة، التي تعكس تحولاً في مزاج البرلمان البرازيلي تجاه القضية الفلسطينية. فقد طالب النواب الحكومة البرازيلية بإعادة النظر في علاقاتها مع "إسرائيل"، والدفع نحو اعتراف رسمي وكامل بدولة فلسطين على حدود عام 1967. كما دعت الجلسة إلى تحريك المساءلة الدولية للاحتلال أمام المحاكم المعنية بجرائم الحرب، ودعم حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه بكل الوسائل المشروعة، بما في ذلك المقاطعة.
المنظمون وصفوا الجلسة بأنها "خطوة أولى نحو تقليد برلماني سنوي"، في إشارة إلى نجاحهم في عقدها هذا العام رغم الضغوط، بعد أن مُنعت في الدورة السابقة. وأكدوا أن البرلمان البرازيلي سيكون منصة دائمة لرفع الصوت الفلسطيني، حتى تتحقق العدالة ويُرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني.
من جهته اعتبر النائب البرازيلي، الأب جواو، أن "عقد هذه الجلسة في القاعة العامة للكونغرس ليس مجرد إجراء رمزي. نحن نُعبّر من هنا عن غضبنا الشديد من وحشية الصهيونية، ونطالب بشكل مباشر بقطع العلاقات مع دولة الاحتلال."
وشدد في تصريحات لـ"قدس برس"، على أن البرازيل، بصفتها عضوًا في مجموعة "بريكس"، مطالَبة بلعب دور متقدم في الاعتراف بدولة فلسطين كاملة السيادة. وقال: "نحن هنا في نضال من أجل فرض الدولة الفلسطينية، ومن أجل إعادة إعمارها قريبًا، والبرازيل يجب أن تكون شريكًا في ذلك. لهذا، نواصل الكفاح من أجل فلسطين حرة، من النهر إلى البحر."
أما رئيس "المعهد البرازيلي الفلسطيني-ابرسبال"، أحمد شحادة، فشدد على أن " الجرائم الإسرائيلية في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة، وسط تجاهل دولي متعمد".
وصرّح لـ"قدس برس": النكبة لم تتوقف. العدوان مستمر، والاحتلال يرتكب جريمة إبادة جماعية حقيقية. نحن نشهد يوميًا مقتل أكثر من 100 شخص، بعضهم يموتون فقط أثناء انتظار الطعام في طوابير تم تحويلها إلى أدوات للقتل."
وانتقد شحادة منع البرلمان في السنوات الماضية من عقد جلسات تضامن مع فلسطين، قائلاً: "لسنتين متتاليتين، مُنعنا من إحياء هذه الذكرى. تمت إتاحة المنصة للمعتدي كي يحتفل بالإبادة، بينما مُنعت الضحية من الكلام. نشكر اليوم رئيس البرلمان الحالي الذي أعاد التوازن ومنح الكلمة للطرفين."
وأكد شحادة، أن القضية الفلسطينية ليست دينية كما يحاول البعض تصويرها، بل "صراع بين قيم إنسانية وعدوان منظم" وفق ما يرى، مضيفًا: "الجلسة جمعت المسلمين والمسيحيين واليهود المعارضين للصهيونية. هؤلاء المجرمون لا يمثلون اليهود، بل يسرقون الأرض والحياة باسم الدين. وقد كان من المهم أن يوضح الحاخام الأرثوذكسي هذه الحقيقة من داخل البرلمان."
بدوره قال الحاخام، يسرائيل دوفيد وايس، ممثل جماعة "ناطوري كارتا" اليهودية الأرثوذكسية المناهضة للصهيونية، أن ما تقوم به "إسرائيل" من قتل واحتلال لا يمثل الديانة اليهودية بأي شكل من الأشكال، بل يُعد "تمردًا على أمر الله".
وقال وايس، في تصريحات خاصة لـ"قدس برس"، خلال مشاركته في جلسة البرلمان البرازيلي لإحياء الذكرى الـ77 للنكبة، إن "الصهيونية حركة قومية عمرها 100 عام فقط، اختطفت اسم اليهودية والدين من أجل مشروع سياسي عنيف لا يمتّ إلى التوراة بصلة".
وأضاف: "نحن لا ولن نتنازل عن اسم اليهودية، ولا عن نجمة داوود، لكننا نرفض بشكل قاطع أن تُستخدم هذه الرموز لتبرير الاحتلال والقتل. نحن نعيش ألم الشعب الفلسطيني ونحتج على ما يحدث في غزة والضفة. هذا ليس ديننا."
وأوضح أن حاخامات يهودًا عبر التاريخ عبّروا عن رفضهم لإقامة دولة يهودية في فلسطين، مستشهدًا بموقف الحاخام دُوشينسكي الذي أعلن ذلك أمام الأمم المتحدة عام 1947. كما أشار إلى تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف من اليهود في القدس والعالم رفضًا للصهيونية.
وتابع وايس: "نحن نؤمن أن هذا الاحتلال سينتهي. نحن نصلّي من أجل فلسطين حرّة، وغزة حرّة، وأن يعود الفلسطينيون إلى بيوتهم. هذا ما نؤمن به، وسيتحقق بإذن الله."
ويحيي الفلسطينيون وأنصارهم حول العالم، الذكرى السنوية السابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية، وسط تصاعد غير مسبوق في الحراك الشعبي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة، والذي خلّف عشرات آلاف الشهداء والمصابين، وأدى إلى دمار غير مسبوق في البنية التحتية والمناطق المدنية، في حرب إبادة جماعية مستمرة منذ 21 شهراً في قطاع غزة على مرأى ومسمع العالم..