"الأورومتوسطي": أدلة موثقة قدّمتها "الجزيرة" حول مجزرة "النصيرات" تؤكد ضرورة فتح تحقيق دولي ومحاسبة شاملة

أكد "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (مقره جنيف)، أن الأدلة المتعلقة بمجزرة "النصيرات" التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في 8 حزيران/يونيو 2024، باتت ترتكز إلى قاعدة متنامية من المعطيات الموثقة، مشددًا على أن الفيلم الوثائقي "النصيرات 274: مجزرة الرهائن" الذي بثّته شبكة "الجزيرة" القطرية يمثل مساهمة نوعيّة في الكشف عن تسلسل الأحداث، وتوثيق طبيعة القوة المفرطة التي استُخدمت ضد المدنيين.
وأوضح المرصد، في بيان له اليوم السبت، تلقته "قدس برس"، أن ما تضمّنه الفيلم من شهادات ومواد بصرية يتقاطع بدرجة كبيرة مع نتائج تحقيقاته الميدانية، ويعزز من الأدلة التي تشير إلى استخدام قوات الاحتلال لقوة نارية عشوائية وغير متناسبة في منطقة مكتظة بالسكان، في مخالفة صارخة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
ودعا المرصد إلى فتح تحقيق دولي مستقل يتمتع بولاية جنائية، بما يضمن الوصول إلى الحقيقة، ومحاسبة جميع المسؤولين عن المجزرة، ومنع تكرار الانتهاكات بحق المدنيين في غزة.
وأشار البيان إلى أن التحقيق الاستقصائي الذي بثّته شبكة "الجزيرة" عبر منصتها "الجزيرة 360"، اعتمد على منهجية دقيقة تضمنت تحليل مصادر مفتوحة، وصور أقمار صناعية، وبيانات ملاحية جوية، إلى جانب شهادات حصرية وصور لم تُعرض من قبل، أعادت رسم مشهد المجزرة بدقة، ودحضت الرواية الإسرائيلية الرسمية بشأن ما جرى في النصيرات.
وأكد المرصد أن المجزرة أسفرت عن استشهاد 274 فلسطينيًا وإصابة 814 آخرين في يوم واحد، ما يجعلها واحدة من أكثر المجازر دموية في سياق جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.
ووثّق فريق المرصد شنّ قوات الاحتلال هجمات جوية وبرية وبحرية عنيفة استمرت لساعتين في منطقة السوق المركزي بمخيم النصيرات، حيث يتجمع عشرات الآلاف من السكان، وامتدت لاحقًا لتطال معظم مناطق وسط القطاع. كما أكد أن الغارات استهدفت منازل مدنية، بينها منزل عائلة شلط الذي قُتل فيه أكثر من 30 مدنيًا، إلى جانب استهداف النساء والأطفال عمدًا في مناطق مأهولة، ما يدل على نية مسبقة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.
وفي حينه، أفاد شهود عيان، بينهم شاب يدعى "فيصل"، بأن القصف الإسرائيلي بدأ من شمال غرب النصيرات، ثم توسّع ليشمل مناطق أوسع، بما فيها شارع العودة ومخيم البريج، مشيرًا إلى أن المدنيين الذين حاولوا الفرار من المخيم تعرضوا لنيران كثيفة من الطائرات المسيّرة والقذائف المدفعية، مما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، خاصة في منطقة شارع "جولس".
كما أشار المرصد إلى أن استشهاد الصحافي الفلسطيني أحمد الشياح، أحد العاملين في إنتاج التحقيق الاستقصائي، في غارة إسرائيلية عقب الانتهاء من إعداد الفيلم، يمثل دليلاً على استمرار استهداف إسرائيل للصحافيين وموثقي الجرائم، في إطار سياسة تهدف لإخفاء الأدلة وقتل الشهود.
وأكد المرصد أن هذه المجزرة لا يمكن اعتبارها "حادثًا معزولًا" أو "خطأً عسكريًا"، بل إنها جريمة حرب مكتملة الأركان، نفذت بعلم مسبق بوجود المدنيين، وفي سياق عملية عسكرية زُعم أنها لتحرير رهائن، بينما شملت قصفًا واسع النطاق طال مناطق بعيدة عن مسرح العملية الخاصة.
وأضاف أن مجزرة النصيرات تُعدّ جريمة ضد الإنسانية، كونها جزءًا من هجوم واسع ومنهجي على المدنيين، كما تُشكّل ركنًا من أركان جريمة الإبادة الجماعية، بالنظر إلى القصد الواضح لتدمير جزء من السكان الفلسطينيين من خلال القتل الجماعي، والتحريض، والحصار، والتجويع، والحرمان من سبل الحياة، والتهجير القسري.
وطالب المرصد الأورومتوسطي بإجراء تحقيقات دولية مستقلة وشفافة في جريمة النصيرات، والسماح بدخول لجان تحقيق دولية إلى غزة، وفق قواعد القانون الدولي وقرارات محكمة العدل الدولية.
كما دعا المحكمة الجنائية الدولية إلى تضمين مجزرة النصيرات في تحقيقاتها حول الجرائم المرتكبة في غزة، وتوسيع دائرة المسؤولية لتشمل كل من تورط في إصدار الأوامر أو تنفيذها، وإصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق، وتسليمهم إلى العدالة الدولية دون حصانة.
وأهاب المرصد بجميع الدول، فرادى وجماعات، تحمّل مسؤولياتها القانونية في وقف جريمة الإبادة في غزة، ووقف كافة أشكال الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي المقدم لإسرائيل، وتجميد أصولها وملاحقة شركاتها العسكرية، وتعليق الامتيازات والاتفاقيات التجارية معها.
كما دعا الدول التي تعتمد مبدأ الولاية القضائية العالمية إلى إصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في الجرائم ضد المدنيين، ومحاكمتهم وفق التزاماتها الدولية بمكافحة الإفلات من العقاب، وإنصاف ضحايا الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبدعم أميركي، إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة نحو 193 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.