القرضاوي.. سيرة حافلة وعلاقة وثيقة بفلسطين (بروفايل)

أُعلن، في وقت سابق اليوم الاثنين، عن وفاة المؤسس والرئيس السابق لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وأبرز علماء الشريعة في العالم الإسلامي، العلّامة الدكتور يوسف القرضاوي.

وتوفي القرضاوي في العاصمة القطرية الدوحة، عن عمر ناهز 96 عامًا، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال ألمّ به وألزمه الفراش، ومنعه عن كثير من الأنشطة العلمية والدعوية.

نشأته وتعليمه

ولد الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي، يوم 9 أيلول/سبتمبر 1926، في قرية "صفط تراب"، مركز "المحلة الكبرى"، في محافظة الغربية بمصر، ومات والده وعمره عامان، فتولى عمه تربيته، فحفظ القرآن وأتقن أحكام تجويده وهو دون سن العاشرة.

التحق القرضاوي بمعاهد الأزهر الشريف، وأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية، ليدخل بعد ذلك كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وينال منها الشهادة العالية عام 1953.

وحصل بعد ذلك بعام على إجازة التدريس من كلية اللغة العربية، قبل حصوله على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب، في عام 1958.

لاحقًا، أتمّ القرضاوي الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة، من كلية أصول الدين عام 1960، ثم نال شهادة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها عام 1973.

يعد القرضاوي من الشخصيات العلمية والفكرية البارزة في تاريخ جماعة "الإخوان المسلمين"، ويعتبر من أبرز دعاة الوسطية الإسلامية، التي تجمع بين السلفية والتجديد، وتمزج بين الفكر والحركة.

وتركز "الوسطية الإسلامية"، بحسب فقهائها، على فقه السنن وفقه المقاصد وفقه الأولويات، وتوازن بين ثوابت الإسلام ومتغيرات العصر، وتتمسك بكل قديم نافع، وترحب بكل جديد صالح.

التجربة الدعوية

انتسب الشيخ القرضاوي إلى جماعة "الإخوان المسلمين" بمصر، واعتقل عدة مرات لانتمائه إليها بداية من عام 1949، وهو لا يزال طالبًا في المرحلة الثانوية، ثم اعتقل في الحملة الأمنية الكبرى التي شنها نظام الثورة عام 1954 على الجماعة.

شكلت كتب القرضاوي، وآراؤه الفكرية، وفتاواه الفقهية، مرجعية موثوقة لأبناء "الصحوة الإسلامية" منذ ستينيات القرن الـ20، لتصوغ ثقافة أجيال بأكملها من الطلبة خاصة، والباحثين والدارسين عامة.

مُنع القرضاوي من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، بسبب تأييده للعمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، واصفًا إياها بـ"العمليات الاستشهادية".

واختير في 2008 ليحتل المرتبة الثالثة في قائمة 20 شخصية فكرية هي الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم، بناء على استطلاع دولي أجرته مجلتا "فورين بولسي" الأمريكية و"بروسبكت" البريطانية.

كما جاء عام 2009 في المرتبة الـ38 ضمن خمسين شخصية مسلمة مؤثرة في كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية (مركز أبحاث رسمي في الأردن) يتضمن أكثر من خمسمائة شخصية مسلمة مؤثرة.

اهتمامه بالقضية الفلسطينية

خلق تأييد الدكتور يوسف القرضاوي الدائم للقضية الفلسطينية، بما في ذلك احتفاؤه بالعمليات الاستشهادية وعمليات المقاومة، حبًا له وأخذًا بعلمه وفتاواه في أوساط الفلسطينيين.

وظل القرضاوي يستغل كل مناسبة في التأكيد على أن قضية فلسطين هي قضية الأمة، بما في ذلك المناسبات الإسلامية أو حتى المناسبات الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي انشغل فيه دعاة وعلماء آخرون بقضايا أخرى متجاهلين القضية الفلسطينية.

من جهة أخرى، يرى متابعون أن القرضاوي لم يتحدث عن قضية فلسطين من زاوية إقليمية أو سياسية، ولم يروج بحديثه عنها لأي نظام من أنظمة الدول التي أقام فيها، أو أي الدول العربية والإسلامية؛ إنما ظل يتحدث عن فلسطين كعالم من علماء الأمة، بعيدًا عن الترويج لأي أطر رسمية أو حزبية.

وكان القرضاوي قد تحدث عن تحرير فلسطين في العديد من خطبه وتسجيلاته ومؤلفاته، منها ما قال في تغريدة على حسابه الرسمي على منصة "تويتر" إن "(إسرائيل) كيان طفيلي دخيل قائم على الاغتصاب والعدوان، وتحرير أرض الإسلام من هذه الجرثومة الغريبة في جسم الأمة المسلمة فريضة دينية وقومية!".

وفي كلمة ألقاها خلال زيارته إلى غزة، في أيار/مايو 2013، أكد الشيخ القرضاوي أنه "لا يجوز لأي أحد التنازل عن جزء من أرض فلسطين"، قائلاً إن "فلسطين لم تكن يوما يهودية، بل عربية وإسلامية، وأن الإسلام سينتصر وستنتصر الأمة الإسلامية".

وتعتبر القضية الفلسطينية أولى القضايا التي شغلت فكر القرضاوي منذ ريعان شبابه، إذ يقول في في مذكراته (ابن القرية والكتّاب.. ملامح سيرة ومسيرة): "كانت قضية فلسطين من قديم، أولى القضايا التي تشغل فكري وقلبي".

وتابع: "منذ دخلت المعهد الديني في طنطا عام 1940، وجدت نفسي أسير مع الطلبة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، احتجاجا على وعد بلفور".

وأردف: "هكذا فهَّمَنا طلبة القسم الثانوي في المعهد، الذين جاؤوا إلينا في المعهد الابتدائي، وأخرجونا لنشاركهم في مظاهرتهم المحتجة على تغلغل اليهود في فلسطين".

واستدرك بالقول في مذكراته: "هذه نظرتنا إلى قضية فلسطين: إنها قضيتنا، وليست قضية إخواننا ونحن نساعدهم! وهذه هي النظرة الإسلامية الصحيحة".

وأضاف: "كم حاول بعض الذين لا يعلمون أن يثنوا أعناقنا عن هذا الموقف، ويقولون: إن أصحاب القضية لا يعتنون بها مثل عنايتكم.. وأنا أقول لهم: إنكم غالطون، نحن أصحاب القضية، ولسنا غرباء عنها، أو دخلاء عليها".

كما احتلت فلسطين مساحة من كتب الشيخ القرضاوي، ومؤلفاته المتنوعة، وأفرد القضية الفلسطينية بكتاب حمل عنوان "القدس قضية كل مسلم".

وشارك القرضاوي "بقوة" في المؤتمرات والفعاليات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وكانت فتاواه تعتبر "المرجع الأساس في كفاح الشباب الفلسطيني وجهادهم".

وانطلق في نظرته للقضية الفلسطينية من منطلق إسلامي، فهو يرى "أن فلسطين وقف إسلامي، اغتصبها اليهود وشردوا أهلها، وأن السبب الحقيقي للمعركة معهم هو الاحتلال، وبأن الصلح معهم مرفوض، إذا كان مبنيًا على الاعتراف لهم بأن ما اغتصبوه هو حق لهم".

وللقرضاوي خطب عديدة في دعم القضية الفلسطينية ونصرتها، وله كذلك قصائد شعرية حماسية معبرة، وله فتاوى تتعلق بالقضية الفلسطينية منها ما يدور حول الأسرى داخل السجون، وفتوى السفر لزيارة المسجد الأقصى، والسلام مع الاحتلال الإسرائيلي، والتطبيع معه.

ويرى الراحل القرضاوي أن "أرض فلسطين أرض مباركة بنص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وأنها وقف إسلامي لا يحل لأحد أن يتنازل عنها، كما يرى أن الجهاد فرض عين على أهل فلسطين حتى يعم المسلمين كافة لتحريرها".

ويعد موقف الشيخ القرضاوي من الجهاد في فلسطين من أبرز مواقفه، إذ رأى أنه "لا يمكن تحرير فلسطين إلا بالجهاد الشامل والطويل بكل مراتبه، وأن القتال أحد هذه المراتب".

فيما تؤكد فتاواه حول التطبيع على منع كل أشكاله، إذ دعا إلى وجوب مقاطعة الاحتلال سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، مؤكدًا حرمة التطبيع مع دولة الاحتلال، "لأنها دولة محاربة، لا يجدي معها أي حوار، بل لا بد من مقاومتها والتصدي لمشروعها الاستيطاني لتحرير فلسطين من دنسها وشرورها".

ورأي القرضاوي أن الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى المبارك تأتي في إطار "ترويض العرب والمسلمين" على تقبل هذه الاقتحامات والاعتراف بأن لليهود موطئ قدم في "الأقصى".

الكتابة والتأليف

يعد مجال الكتابة والتأليف من أهم المجالات التي برز فيها الدكتور القرضاوي، فهو "عالم مؤلف محقق"، كما وصفه العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه "رسائل الأعلام"، ومؤلفاته "لها ثقلها وتأثيرها في العالم الإسلامي"، كما وصفها الشيخ عبد العزيز بن باز.

وللقرضاوي ما يزيد على الـ170 من المؤلفات من الكتب والرسائل والعديد من الفتاوى، كما أنه قام بتسجيل العديد من حلقات البرامج الدينية، منها التسجيلية والحية.

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الاتحاد الأوروبي يخصص 68 مليون يورو مساعدات لقطاع غزة
أبريل 26, 2024
أعلنت المفوضية الأوروبية، الجمعة، تخصيص 68 مليون يورو لتقديم مساعدات إنسانية للفلسطينيين في "غزة والمنطقة". وقالت المفوضية في بيان لها، إنه "في ضوء التدهور المستمر للأزمة الإنسانية الحادة في غزة، والارتفاع المطرد للاحتياجات على الأرض، تعمل المفوضية على زيادة تمويلها لدعم الفلسطينيين المتضررين من الحرب المستمرة". وأضافت أن "الاتحاد الأوروبي خصص مبلغا إضافيا قدره 68
"أونروا": وفاة طفلين بسبب الحر في قطاع غزة
أبريل 26, 2024
كشف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، الجمعة، عن وجود تقارير تفيد بوفاة طفلين على الأقل، بسبب موجة الحر خلال الأيام الماضية في قطاع غزة. وقال لازاريني، إن "غزة مرت خلال الأيام الماضية بموجة حر غير عادية، فاقمت الظروف المعيشية غير الإنسانية". ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر
انتهاء أعمال انتشال جثامين شهداء من مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي
أبريل 26, 2024
أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني في قطاع غزة، الجمعة، انتهاء أعمال البحث وانتشال شهداء من المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع. وقالت المديرية في بيان لها، إن "أعمال البحث والانتشال انتهت بعد جهود متواصلة في ظل محدودية الموارد والإمكانيات المتوفرة". وأوضحت أنها "ستبدأ في عمليات انتشال جثامين الشهداء وفق نداءات
الأمم المتحدة تغلق 5 قضايا بشأن ادعاء تورط موظفين من "أونروا" بأحداث السابع من أكتوبر
أبريل 26, 2024
أعلنت الأمم المتحدة، الجمعة، أن مكتب "خدمات الرقابة الداخلية"، الذي "يحقق بإدعاءات إسرائيلية بتورط عدد من موظفي (الأونروا) بأحداث السابع من أكتوبر، قرر إغلاق وتعليق 5 قضايا". وقالت الأمم المتحدة، إن "تعليق وإغلاق القضايا الخميس جاي لأن المعلومات التي قدمتها إسرائيل ليست كافية". وكان الاحتلال الإسرائيلي، ادع بتورط عدد من موظفي وكالة "الأونروا" في هجمات
من لبنان إلى غزة.. إطلاق سفينة المطران "هيلاريون كبوجي"
أبريل 26, 2024
أطلقت حملة "إسناد غزة"، الجمعة، مؤتمرها الصحفي من العاصمة اللبنانية بيروت، إعلانًا عن بدء تحضيرات إنطلاق سفينة المطران "هيلاريون كبوجي" من ميناء مدينة طرابلس (شمال لبنان)، إلى ميناء العريش الدولي في مصر، ومن ثمَّ إلى معبر رفح البريّ في قطاع غزة. وبحسب القائمين على الحملة، فإن السفينة تحمل على متنها "ألفيّ طن من الدواء والغذاء
إعلام عبري: انقلاب مركبة بن غفير في الرملة
أبريل 26, 2024
ذكرت وسائل إعلام عبرية، الجمعة، أن موكب وزير الأمن القومي للاحتلال إيتمار بن غفير، تعرض لحادث تدهور في أثناء خروجه من موقع عملية إطلاق نار في مدينة الرملة. وقال شهود عيان لـ"قدس برس"، إن "مركبة بن غفير تجاوزت الإشارة الحمراء، واصطدمت بمركبة أخرى". وأضافوا أن "التصادم أدى إلى انقلاب مركبة بن غفير"، في حين أوضحت