خبير اقتصادي: لا حلول جذرية لاقتصاد غزة في ظل الاحتلال والانقسام

أكد خبير اقتصادي على أن "الحلول الجذرية لاقتصاد قطاع غزة أمراً مستحيلاً في ظل الاحتلال والانقسام وسيطرة إسرائيل على الموارد والمعابر"، مطالبا بتبني "الاقتصاد المنتج والعدالة الاجتماعية وتمويل المشاريع الصغيرة وإعادة النظر بسياسة محاباة رؤوس الأموال على حساب الفقراء والتنمية من أجل تخفيف حدة المشكلة الاقتصادية في المرحلة الحالية".
واستعرض سمير أبو مدللة أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة في تقرير أعده ما تعرض له اقتصاد القطاع منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006 وتشكيلها للحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.
وأشار إلى أن دولة الاحتلال وأطراف دولية أخرى "فرضت الحصار الشامل على الحكومة الفلسطينية العاشرة وعلى حركة حماس المسيطرة على القطاع منذ عام 2006، وأصبح القطاع يفتقر إلى كافة مقومات الحياة بمختلف مناحيها، بسبب عزله بأكمله عن العالم الخارجي، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي ومباشر على معظم مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية".
وقال أبو مدللة: "إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تفاقمت في قطاع غزة بفعل قيام السلطة الفلسطينية منذ العام 2013 بوقف الترقيات والعلاوات عن موظفيها في غزة ما أدى لتراجع القوة الشرائية، وتأثيره بشكل جزئي على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في القطاع".
وأضاف: "في عام 2017 قامت السلطة الفلسطينية بتطبيق قانون التقاعد الإجباري على قرابة 18 ألف موظف، وبخصم حوالي 50 بالمئة من رواتب موظفيها التي هي في الأساس متآكلة نتيجة توقف العلاوات والترقيات وصرف غلاء المعيشة منذ العام 2013 ما فاقم الأوضاع المعيشية والإنسانية والاقتصادية".
وأشار إلى أن متوسط الرواتب في القطاع الخاص في غزة "لم يتخطَ 800 شيكل ( 222 دولار)، أي أنه لم يصل إلى الحد الأدنى من الأجور الذي يقدر بـ 1880 شيكل ( 522 دولار)، مؤكدا أنه وبهذا المتوسط المتدني من الرواتب لا تزال نسب البطالة في أعلى مستوياتها في ظل العرض المرتفع من الأيدي العاملة وغياب فرص التشغيل".
وقال الباحث الفلسطيني: "كل ذلك وأكثر انعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي والإنتاج، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، وسادت حالة ركود عامة أصابت مختلف القطاعات الاقتصادية".
وأضاف: "كان للجانب السياسي النصيب الأكبر في التأثير على الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، حيث القرارات الأميركية المتتابعة ضد القضية الفلسطينية وما تبعها من الموقف الغربي والأميركي وتقليص الدعم الأوروبي في دعم موازنة السلطة الفلسطينية وتقليص المنح التطويرية".
وشدد على أن دولة الاحتلال "عملت منذ إنشاء السلطة الفلسطينية على إضعاف اقتصاد قطاع غزة سواء بالعدوان أو الحصار أو السيطرة على المعابر ومنع دخول المواد الخام تحت دواعي أمنية، وهذا يأتي ضمن سياستها طويلة الأمد بجعل التنمية الاقتصادية مستحيلة، فأصبح اقتصاد قطاع غزة هو اقتصاد الفقراء".
وأكد أبو مدللة أن حجم التجارة الخارجية "لا يزال دون مستوياته قبل الحصار، علاوة على أن نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات انعكست بشكل سلبي على الميزان التجاري، مؤدية إلى تعزيز العجز وتفاقمه ليصل إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعود إلى سيطرة إسرائيل على المعابر وكافة المعيقات التي تعرقل بها العملية التجارية من ارتفاع تكاليف النقل والشحن وغيرها".
وأشار إلى "ارتفاع معدلات البطالة في قطاع غزة لتصل إلى 45.3 بالمئة، وارتفعت نسبة الفقر والفقر المدقع لتصل إلى 53 بالمئة".
وأكد على أن الإجراءات والسياسات العقابية للسلطة الفلسطينية بحق قطاع عريض من موظفي السلطة إضافة إلى ضرائب ورسوم حكومة غزة "ساهمت في إضعاف الاقتصاد، حيث تحمل الفقراء وأصحاب الدخل المحدود أعباء إضافية بسبب هذه الأزمة".
وأوصى الباحث الفلسطيني بضرورة "إتباع نهج متوازن في معالجة الأوضاع في غزة، يجمع بين التدابير الفورية لمواجهة الأزمة، وخطوات لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة، مثل ضمان استمرار الخدمات الأساسية كالطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتي لها أهمية بالغة لمصادر كسب الرزق للسكان، وللاقتصاد كي يعمل ويؤدي وظائفه".
ودعا المجتمع الدولي بـ"الضغط على إسرائيل لدعم بيئة مواتية للنمو الاقتصادي عن طريق رفع القيود على التجارة، والسماح بحركة السلع والناس والتي بدونها لن يتحسن الوضع الاقتصادي في غزة أبداً".
وطالب المحاضر في جامعة الأزهر بالإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة "لفك وإزالة الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإنهاء الانقسام وكافة مظاهره ومضامينه، وتشكيل حكومة موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة ذات صلاحيات كاملة من أجل إقامة شراكات ثنائية ومتعددة مع المانحين لإعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنى التحتية الخاصة بقطاع غزة، وإعادة إنشاء الشبكات التجارية والإنتاجية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لما لذلك من أهمية في تحفيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل مولدة للدخل".
وطالب بإعادة النظر بالسياسات المالية الحكومية من خلال تحفيز الطلب وإعادة النظر بسياسة الأجور ووضع حد أدنى وحد أعلى للأجور لتقليص التفاوت في المجتمع.