فلسطينيو سورية يعيشون "أسوأ" أيامهم نتيجة شح الوقود
قبيل شروق الشمس من كل يوم، يتسلل الموظفون والعمال إلى ساحة انطلاق الحافلات في مخيم النيرب بحلب (شمال سوريا)، تتزايد أعدادهم شيئا فشيئا، وبينما يرمق الجميع نهايات الطرقات أملاً بقدوم مركبة تقلهم، يخلو "شارع الباصات" إلا من أوراق الشجر، وأكياس النايلون التي تتلاعب بها نسائم الصباح الباردة.
مأمون؛ لاجئ فلسطيني يعمل في معمل للنسيج في منطقة على أطراف المدينة، يضطر للانتظار لساعات قبل أن تمر شاحنة صغيرة؛ لتبدأ بعدها ملحمة البحث عن مكان في الصندوق الخلفي، ليتمكن أحيانا من التعلق بشكل خطير على قفص الشاحنة، وكأنه يتشبث برغيف خبز لعياله، ويزاحمه عليه المئات.
يقول مأمون لـ"قدس برس": "تبدأ معاناتنا في المخيم كل صباح، فقد أصبح ذهابك لعملك معضلة حقيقية، مع انعدام المحروقات، وإحجام السائقين عن تحريك مركباتهم؛ بسبب أسعار الوقود الخيالية إن وجدت".
ويضيف: "وصل الناس لحد التوحش والتسابق من أجل الوصول إلى مدارسهم ووظائفهم وأعمالهم"، لافتاً إلى أنه يتكلف يوميا سبعة آلاف ليرة سورية (الدولار يساوي 4500 ليرة)، لقاء التعلق بمركبة في ذهابه وعودته من عمله.
من جهتها؛ تقرر إيمان - وهي فلسطينية من سكان حي الميدان بحلب - التخلي عن عملها في مجال البرمجة في إحدى الشركات الخاصة، بسبب توقف حافلات الشركة عن نقل الموظفين لانعدام الوقود.
وتقول لـ "قدس برس": "أصبح وضع البلد لا يطاق، فلا حافلات تنقلك إلى عملك، ولا وقود تدفئ به منزلك، والكهرباء لا نراها إلا ساعة واحدة، والاتصالات مقطوعة"، وتتساءل: "مَنْ يمكنه أن يتحمل كل هذا البؤس؟".
وتضيف إيمان: "حتى الآن لم نقم بتركيب المدفأة رغم الأجواء الباردة، ونحاول تدفئة أجسادنا بالأغطية"، مشيرة إلى أن سعر برميل المازوت (200 لتر) يقارب المليوني ليرة (450 دولاراً) في حال توفره في السوق السوداء، وهو ما تعجز العائلات عن تأمينه.
شلل على كافة الصعد
وتفاقمت أزمة شح المحروقات في سورية، مسببة ارتفاعا كبيرا في سعر ليتر المازوت في دمشق ليتجاوز خمسة آلاف و500 ليرة (نحو 1.5 دولار) بالأسواق، وبلوغ سعر ليتر البنزين، 13 ألف ليرة (2.2 دولار)، رغم أن سعر ليتر المازوت الرسمي المدعوم للمواطنين 500 ليرة (11 سنت) وللقطاع الخاص ألفان و500 ليرة سورية (55 سنتا).
وأدى هذا الارتفاع إلى توقف حركة المواصلات، واضطرار المؤسسات الرسمية إلى تعطيل دوائرها يومين إضافيين، بسبب أزمة الوقود التي تعصف بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
كما أعلن اتحادا كرة القدم والسلة وقف جميع فعالياتهما الرياضية لجميع الدرجات والفئات العمرية، وذلك نتيجة أزمة الوقود الحادة.
وأدى انقطاع التيار الكهربائي نتيجة شح المشتقات النفطية، إلى توقف العديد من المصانع الخاصة والورش عن العمل حتى إشعار آخر، ما أثر سلباً على مئات العائلات التي فقدت مصدر رزقها.
ويرى خبراء اقتصاديون أن البلاد على مشارف ركود حاد نتيجة ضعف القدرة الشرائية، مع تواصل انهيار الليرة السورية والتي اقتربت من حاجز الستة آلاف ليرة للدولار الواحد.
ومع تراجع سعر صرف الليرة السورية؛ بات راتب الموظف يساوي 16 دولارا فقط (100 ألف ليرة)، في حين تحتاج الأسرة إلى مليوني ليرة سورية لتغطية تكاليف الطعام فقط، وتعتمد معظم العائلات على الحوالات الخارجية التي تبقيها على قيد الحياة.