خبيران كويتيان: حرب الإبادة في غزة كشفت انهيار النظام الإنساني العالمي
أكد خبيران كويتيان أن العدوان الإسرائيلي على غزة كشف فشل النظام الدولي والمنظمات العالمية في التعامل مع الأزمات الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
سيطرة المنظومة الغربية
في هذا الصدد، قال المحامي محمد الدوسري، إن "العدوان على غزة كشف سقوط النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية، وهو سقوط شمل المنظمات العالمية التي أقامها الغرب المسيطر سواء كانت الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية والأجهزة المرتبطة بها، بعد أن تعطلت هذه المنظمات وتعرضت للشلل على يد الولايات المتحدة الأميركية عندما وصل الأمر لمحاسبة الكيان الصهيوني على ما اقترفه من إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة".
وأضاف الدوسري في حديث لـ"قدس برس" أن "الشلل الذي اصاب المنظومة الدولية انتقل ليصل إلى منظمات المجتمع المدني الدولية والإقليمية التي تقف عاجزة عن أمور بسيطة مثل إدخال المساعدات والإغاثة".
وأوضح أن هذا الأمر "شكل منعطفاً واضحاً لسيطرة المنظومة الغربية على هذا المجتمع وتسخيره لخدمة أغراض الغرب في هيمنته على مناطق واسعة من العالم باستغلال شعار حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي لا تفعل مضامينها إلا بما يخدم الغرب".
وأشار إلى أن "التحول الكبير والعميق هو ما نتج عن مشاهدة شعوب العالم للإبادة الجماعية صوتاً وصورة منقولة على السوشل ميديا وشاشات التلفاز، مما نسف السردية الصهيونية المتمثلة في كونهم ضحايا للهولوكوست، وأن الكيان هو الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي تمتلك جيشاً أخلاقياً لا يمارس جرائم الحرب، وهو ما أسقط البروباجاندا الصهيونية عالمياً، وتمرد الشعوب على عصا معاداة السامية التي لطالما استخدمتها الصهيونية لقمع أي انتقاد أو كشف لحقيقة الكيان المجرم."
وأكد الدوسري وهو نائب سابق في مجلس الأمة الكويتي أن "العبء الأكبر يقع على عاتق الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية التي تركت الإبادة تستمر في حق الشعب الفلسطيني بلا أي رد فعل يذكر لإيقاف هذه المذابح، مما جعلها في مواجهة شعوبها التي تشاهد هذا الكم الهائل من المذابح بلا ردود فعل، ما يجعلهم يتوجسون من احتمالات العمالة أو العجز المطبق الذي قد يؤدي إلى وصول هذه المذابح لعتبة دارهم، وهو الأمر الذي يزرع انعداماً للثقة بين الطرفين وينشر السك في قدرة هذه الأنظمة والحكومات على حماية شعوبها من وحوش النظام العالمي الجديد وأولهم رأس الحربة الكيان الصهيوني".
ازدواجية المعايير الدولية
من جانبه، قال رئيس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات (مستقل مقره الكويت) عبدالعزيز العنجري، إن "مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر 2023 كشف ازدواجية المعايير الدولية، حيث أصبحت المبادئ الإنسانية شعارات فارغة لا تُطبق إلا على من ترغب القوى الكبرى في حمايته أو معاقبته".
وأضاف العنجري في حديث لـ"قدس برس"، أن "مجلس الأمن فشل في اتخاذ موقف حازم تجاه العمليات العسكرية الإسرائيلية أو الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة".
وأشار إلى أنه "رغم وجود تقارير محلية من غزة، فإنه يستند إلى التقارير الدولية مثل تلك الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية"، مبينا أنه "رغم تباين الأرقام المسجلة في هذه التقارير، إلا أنها تعكس حجم المأساة".
وقال إن "الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وثقتا مقتل أكثر من 20,000 فلسطيني، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، خلال الأشهر الأولى من الصراع".
وأوضح العنجري أن "الحرب كشفت ضعف المنظومة الإنسانية العالمية، إذ عجزت المنظمات الدولية عن اتخاذ إجراءات فعالة، بينما ظلت القوانين الدولية لحماية المدنيين حبراً على ورق."
وأشار إلى أن "منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أدانتا استخدام إسرائيل للقوة المفرطة ضد المدنيين، لكن هذه التقارير لم تؤدِ إلى أي إجراءات بسبب غياب آليات تطبيق العقوبات".
وتطرق العنجري إلى "ضعف منظمات المجتمع المدني التي اقتصرت على إصدار بيانات ومواقف شكلية، مما أبرز عجزها أمام القوة العسكرية والإعلامية."
وذكر أنه "وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تم تدمير أكثر من 40,000 منزل وتشريد ما يزيد عن مليون شخص في غزة، بينما تعطل 80% من شبكات المياه والصرف الصحي، مما أدى إلى انتشار الأمراض."
وأشار إلى أن الحرب على غزة "شهدت أعلى معدل لقتل الصحفيين في أي صراع عالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ قتلت إسرائيل 128 صحفيًا وعاملاً في مجال الإعلام بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024، وفقًا للجنة حماية الصحفيين (CPJ). وهذا العدد يفوق أي صراع منذ بدء اللجنة بتوثيق حالات قتل الصحفيين عام 1992، ما يعكس خطورة الوضع على الإعلاميين".
وأضاف العنجري وهو عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن، أن "سبب عدم تصعيد المؤسسات الإعلامية الكبرى لمطالبات بمحاسبة إسرائيل يعود إلى تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل على الخطاب الإعلامي الغربي، إضافة إلى ميل العديد من المؤسسات الإعلامية لتبني الرواية الإسرائيلية على حساب الحقائق الأخرى".
وأوضح أن "التحكم في الخطاب الإعلامي يسهم في طمس حقيقة استهداف الصحفيين الفلسطينيين ويعيق الجهود الرامية لمحاسبة إسرائيل".
وأكد العنجري أن "مشاهدة العالم لهذه الإبادة بالصوت والصورة، وتعامل القوى الكبرى مع هذه المجازر كأنها حدث سياسي عادي، يعكس الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع الدولي".
واختتم قائلاً: "عندما تتحول الدماء إلى مجرد ‘وجهة نظر سياسية’، والضحايا إلى ‘أضرار جانبية’، نكون قد وصلنا إلى شفا انهيار أخلاقي لا رجعة فيه".