من القطيعة الدبلوماسية إلى العقوبات: كيف تقود أمريكا اللاتينية الجهود الدولية لمحاسبة "إسرائيل"؟

أعلنت تسع دول من الجنوب العالمي، الجمعة الماضية، عن تشكيل "مجموعة لاهاي"، وهو تحالف يسعى إلى فرض القانون الدولي فيما يتعلق بانتهاكات "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية.
وتضم المجموعة كلًا من جنوب إفريقيا، ماليزيا، ناميبيا، كولومبيا، بوليفيا، تشيلي، السنغال، هندوراس، وجزر بليز، حيث اجتمعت وفودها في مدينة لاهاي (غرب هولندا) لتنسيق الجهود القانونية والدبلوماسية والاقتصادية لمواجهة هذه الانتهاكات.
وأكدت الدول المؤسسة التزامها بـ"تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، ومنع نقل الأسلحة إلى إسرائيل"، بالإضافة إلى "حظر رسو السفن التي تحمل أسلحة إسرائيلية في موانئها".
وجاء في البيان المشترك للمجموعة: إن "تشكيل مجموعة لاهاي يبعث برسالة واضحة: لا أحد فوق القانون، ولا يمكن لأي جريمة أن تمر دون عقاب".
تحوّل دبلوماسي في أمريكا اللاتينية
تلعب دول أمريكا اللاتينية دورًا رئيسيًا في "مجموعة لاهاي"، حيث يضم التحالف خمس دول من القارة، وهي كولومبيا، بوليفيا، تشيلي، هندوراس، وجزر بليز.
ويعكس هذا التحول التزام تلك الدول بتعزيز التضامن مع دول الجنوب العالمي وتنسيق الجهود الدبلوماسية لدعم الحقوق الفلسطينية.
في السنوات الأخيرة، شهدت مواقف دول أمريكا اللاتينية تحولات بارزة تجاه القضية الفلسطينية، حيث قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع "إسرائيل" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 احتجاجًا على هجماتها على غزة، فيما أوقفت كولومبيا تصدير الفحم إليها في حزيران/يونيو 2024، وطردت سفيرها في تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته. كما سحبت بوليفيا وتشيلي سفيريهما من "تل أبيب".
التزامات قانونية وسياسية
تسعى "مجموعة لاهاي" إلى تنسيق الجهود القانونية والدبلوماسية والاقتصادية لمحاسبة "إسرائيل" على انتهاكاتها للقانون الدولي.
وأكد قادة أمريكا اللاتينية ضرورة منع نقل الأسلحة إلى "إسرائيل" استنادًا إلى الالتزامات القانونية والإنسانية الدولية.
وكان الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، من أبرز المؤيدين لاتخاذ إجراءات دولية صارمة لضمان العدالة للفلسطينيين، إلا أن هذه المواقف جعلت بعض دول المجموعة عرضة لضغوط أمريكية متزايدة، كما حدث مؤخراً عندما حاول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الضغط على نظيره الكولومبي بعد رفضه منح طائرتين عسكريتين أمريكيتين إذن الهبوط لنقل مواطنين كولومبيين مُرحّلين.
أبعاد تاريخية وتضامن عالمي
لطالما لعبت أمريكا اللاتينية دورًا محوريًا في النضالات المناهضة للاستعمار والفصل العنصري، مما يجعل مشاركتها في "مجموعة لاهاي" امتدادًا طبيعيًا لمواقفها الدبلوماسية السابقة، ففي القرن العشرين، دعمت دول المنطقة حركات التحرر الوطني ومناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، واليوم، تتكرر هذه المواقف بدعم حقوق الفلسطينيين ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي.
مستقبل "مجموعة لاهاي"
مع تزايد زخم المجموعة، يُتوقع أن تلعب دول أمريكا اللاتينية دورًا أساسيًا في رسم استراتيجيات التحالف، ومن خلال التحركات القانونية، والعقوبات الاقتصادية، والضغوط الدبلوماسية، تسعى المجموعة إلى إعادة تشكيل المشهد الدولي وتعزيز المساءلة على الساحة العالمية.
من جهته، قال رئيس الفريق القانوني التشيلي (مستقل)، نيلسون حداد، الذي عمل كسفير لتشيلي في الأردن والعراق ومصر، إن "الدول التسع من الجنوب العالمي التي شكلت (مجموعة لاهاي) تلعب دورًا حيويًا في تعزيز المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحماية حقوق الشعوب الخاضعة للاحتلال الأجنبي ومنحها حق تقرير المصير، وهو ما ينطبق على فلسطين من خلال تمكينها من السيادة والاستقلال".
وشدد حداد، الذي يشغل منصب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سنترال التشيلية (UCEN)، بالإضافة إلى كونه المحامي الرئيسي في الشكوى المقدمة ضد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، في تصريحات لـ"قدس برس"، على ضرورة "إلزام القوة المحتلة بالوفاء بالتزاماتها وفقًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، لا سيما الاتفاقية الرابعة، التي تنص على حماية الشعوب تحت الاحتلال خلال النزاعات المسلحة".
وأشار إلى أن "فلسطين لم تكن تمتلك جيشًا أبدًا، وما حدث عام 1967 كان حربًا عدوانية شنتها إسرائيل، خامس أقوى جيش في العالم، مما مكنها من احتلال القدس الشرقية، الضفة الغربية، وقطاع غزة بالكامل".
دعم أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية
وأكد حداد أن هناك "حاجة ملحة لدعم دولي، وخاصة من أمريكا اللاتينية، لمساندة فلسطين"، مشيرًا إلى أن "تشيلي تبنت موقفًا واضحًا في هذا الصدد، حيث أكد الرئيس غابرييل بوريك ضرورة إنهاء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك مخيم جنين".
وأضاف أن "تنفيذ مذكرات الاعتقال الدولية التي أصدرتها المحكمة الجنائية بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، أمر بالغ الأهمية، نظرًا للجرائم المرتكبة في غزة خلال الفترة الأخيرة".
وأوضح حداد أنه "ما حدث في غزة يفوق في دمارها وتأثيرها جميع الحروب السابقة، بما في ذلك الحربين العالميتين وغزو العراق وأفغانستان. لذلك، لا بد من تنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة بحق مرتكبي هذه الجرائم".
الالتزام بالقانون الدولي ومنع تصدير الأسلحة
ولفت حداد إلى أن مجموعة من 620 محاميًا تشيليًا (يترأسهم حداد) قدموا أدلة واضحة إلى المحكمة الجنائية الدولية تثبت وقوع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، بما يتطابق مع اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1949 ونظام روما الأساسي.
وأكد أنه "يجب فرض حظر شامل على تصدير الأسلحة إلى (إسرائيل)، كما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إذ إن الدول التي تستمر في تزويد (إسرائيل) بالسلاح تصبح شريكة في الجرائم المرتكبة وقد تخضع للمساءلة القانونية أمام محكمة العدل الدولية".
وأشار إلى أن "أي محاولات لعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية، كما حدث بعد إصدار مذكرات الاعتقال في مايو 2024، يجب أن تعتبر جريمة إعاقة للعدالة".
تعزيز الدعم الدولي لفلسطين
وشدد حداد على ضرورة "توسيع نطاق مجموعة لاهاي، وتشكيل جبهة لاتينية وعالمية لدعم فلسطين"، خاصة بعد اعتراف 148 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وقرار محكمة العدل الدولية في يوليو 2024 بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي ووجوب إنهائه فورًا.
وختم حداد بالقول: "الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية لحل النزاع، بما يتماشى مع حل الدولتين الذي أقرته عام 1947. لا يمكن استمرار الوضع الحالي حيث توجد (إسرائيل) كدولة، بينما لم تتحقق الدولة الفلسطينية بعد".
وأكد في الختام أنه "يجب عقد مؤتمر دولي للسلام في يونيو 2025 يكون مستمرًا إلى حين التوصل إلى حل نهائي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في إطار حدود 1967 المعترف بها دوليًا".
يُذكر أن 620 محاميًا تشيليًا، بقيادة السفير السابق نيلسون حداد، طالبوا في كانون الثاني/يناير، باعتقال الجندي الإسرائيلي ساعر هيرشورن، عضو الكتيبة "749" للهندسة القتالية، بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال العدوان على غزة، وذلك بعد رصده في جنوب تشيلي.
وقد قدم الفريق القانوني، بالتعاون مع السيناتور فرانسيسكو شهوان ورابطة "محامون من أجل فلسطين"، شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في العاصمة، تضمنت أدلة مصورة حول مشاركته المزعومة في تدمير البنية التحتية المدنية، وارتكاب التطهير العرقي، والتهجير القسري للمدنيين.
وأكد حداد في تصريحات سابقة لـ"قدس برس" على ضرورة "الاعتقال الفوري" لمنع أي محاولة هروب، مشددًا على أهمية محاكمة مجرمي الحرب لضمان المساءلة ومنع الإفلات من العقاب.