الاحتلال يصعد عمليات هدم منازل الفلسطينيين في القدس المحتلة

منذ أكثر من شهرين، أصبح إبراهيم مشاهرة وعائلته المكونة من ستة أفراد بلا مأوى، بعد أن أجبرته بلدية الاحتلال الإسرائيلي على هدم منزله بنفسه في حي "جبل المكبر" شرقي القدس المحتلة، بعد أن هددته بهدم المنزل منذ عام 2018 بحجة البناء دون ترخيص.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2024، تلقى مشاهرة أمر هدم رسمي، مما منحه ثلاثة أسابيع فقط لإخلاء المنزل أو هدمه بنفسه. ولإنقاذ بعض متعلقات أطفاله الصغار، اختار مشاهرة الخيار الأخير. ومع ذلك، أُجبر على دفع غرامات إجمالية بلغت 54 ألف شيكل (14٫930 دولارا).
ووفقا لموقع "محادثة حرة" الإسرائيلي، فإن مشاهرة وعائلته ليسوا وحدهم في هذا المأزق. ففي حين استحوذت الحملة الوحشية التي شنتها دولة الاحتلال على غزة على أغلب الاهتمام الدولي، تحركت السلطات الحكومية والبلدية التابعة للاحتلال لزيادة خطط بناء المستوطنات وتصعيد سرعة وحجم عمليات الهدم. وتواجه أعداد لا حصر لها من الأسر الفلسطينية في مختلف أنحاء الشر الشرقي من القدس المحتلة نفس المعضلة، فإما أن تهدم منازلها بنفسها، أو تشاهد السلطات وهي تفعل ذلك.
وبحسب البيانات التي جمعتها منظمة "عير عميم"، وهي منظمة حقوقية إسرائيلية غير ربحية تتعقب عمليات الهدم، شهد عام 2024 عددا قياسيا في عمليات هدم المنازل الفلسطينية في شرقي القدس، حيث هُدمت معظم المباني البالغ عددها 255 مبنى، 181 منها بسبب بنائها دون ترخيص، وهو أمر يكاد يكون من المستحيل على الفلسطينيين الحصول عليه .
وتقول المنظمة: إنه لتجنب العقوبات الشديدة، بما في ذلك الغرامات الباهظة وحتى السجن، لم يكن أمام السكان خيار سوى تنفيذ 108 من عمليات الهدم هذه بأنفسهم.
وأشارت المنظمة إلى أن عام 2025، بدأ بنفس الطريقة تقريبا، مع هدم 46 منزلا وما زال العدد في تزايد.
ففي أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، اضطرت عائلة الجعابيص الفلسطينية إلى هدم مبناها في جبل المكبر، والذي كان يحتوي على ثلاث شقق والعديد من الشركات.
ولفتت "عير عميم" إلى أنه تم إرساء سابقة قاتمة أخرى هذا الأسبوع عندما نفذت سلطات الاحتلال، لأول مرة، عمليات هدم للمنازل في القدس خلال شهر رمضان .
وأكدت المنظمة أن "هدم المنازل الفلسطينية يعد من الأهداف الأساسية للاحتلال في السيطرة على الأراضي والتركيبة السكانية في القدس المحتلة، كما أوضح أفيف تاتارسكي، الباحث في المنظمة "من الواضح أنه إذا لم تتوقف إسرائيل، فإن عمليات الهدم ستستمر في التسارع يوما بعد يوم".
مشاريع استيطانية
وكشفت المنظمة أنه في الوقت نفسه، ومع استمرار عمليات الهدم، تقدمت حكومة الاحتلال بستة مشاريع استيطانية يهودية جديدة في شرقي القدس المحتلة - مما مهد الطريق أمام بناء آلاف الوحدات الاستيطانية.
وفي حين توقفت هذه المشاريع في السابق بسبب المخاوف القانونية والانتقادات الدولية ، إلا أن تنصيب الرئيس دونالد ترامب في كانون ثاني يناير الماضي، شجع الاحتلال على إحياء هذه المشاريع وتسريعها.
طرد الفلسطينيين
وتوضح ساري كرونيش، المهندسة المعمارية في منظمة "بيمكوم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي تركز على سياسات التخطيط الإسرائيلية، أن عمليات الهدم "تشكل جزءاً لا يتجزأ من أزمة الإسكان في شرقي القدس .
وتقول: إذا لم يُسمح للفلسطينيين بالتخطيط، ولم يتم النظر في الإسكان العادل، فإن هذا يؤدي إلى هذه السياسة المدمرة. إنها حلقة مفرغة".
ووفقا لـ "بيمكوم"، فقد شهد عام 2024، موافقة بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، على 57 خطة فقط - بإجمالي 1000 وحدة سكنية - للفلسطينيين في شرقي القدس ، وهو أقل عدد منذ عقد من الزمان. وفي الوقت نفسه، تم الموافقة على 120 خطة للمستوطنين اليهود الإسرائيليين، والتي من شأنها أن تشهد بناء 11 ألف وحدة استيطانية.
وقالت: إن هدم المنازل في شرقي القدس متجذر تاريخيا في سياسات الإسكان غير العادلة التي تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى مغادرة المدينة لخلق والحفاظ على أغلبية ديموغرافية يهودية.
وأوضحت انه بعد احتلال إسرائيل لشرقي القدس وضمها بشكل غير قانوني في حرب عام 1967، علقت جميع إجراءات تسجيل الأراضي، مما منع إصدار تصاريح البناء. ولكن في حين لا يمكن تطوير الأرض بشكل قانوني، يمكن للدولة مصادرتها - وهي سياسة تنتهجها سلطات بقوة لطرد السكان الفلسطينيين وتسهيل بناء المستوطنات اليهودية.
وأشارت إلى أن سلطات الاحتلال استأنفت إجراءات تسجيل الأراضي في عام 2018 تحت هدف معلن وهو "الحد من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي"، لكن الهدف الحقيقي كان تأكيد السيادة الإسرائيلية من خلال تسجيل جميع أراضي شرقي القدس المحتلة في سجل الأراضي الإسرائيلي وبالتالي مطالبة مدارسها باستخدام المناهج الإسرائيلية.
يشار إلى أنه في عام 2017، أقر برلمان الاحتلال "كنيست" قانون كامينيتس، الذي سعى إلى تجريم مخالفات البناء وتكثيف إنفاذ القانون من خلال زيادة عمليات هدم المنازل وفرض غرامات باهظة. ونتيجة لذلك، بدأ المزيد والمزيد من الفلسطينيين في تدمير منازلهم بأنفسهم، غير قادرين على تحمل رسوم الهدم الباهظة، واختاروا تجنب الدمار الأكثر شمولاً الذي أحدثته الجرافات الإسرائيلية.
وبحسب التقديرات الإسرائيلية فإن الفلسطينيين يشكلون 39 في المئة من عدد السكان في مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي وهي نسبة تقلق إسرائيل بحسب تصريحات مسؤوليها.
وإضافة إلى عمليات الهدم والبناء الاستيطاني في شرقي القدس ، تسعى الحكومة الإسرائيلية لتوسيع حدود القدس بضم مستوطنات مقامة على أراضي مصنفة ضمن حدود الضفة الغربية في محيط القدس.
وتوجد العديد من المستوطنات الكبيرة في محيط القدس مثل "معاليه أدوميم"، شرقا و"غوش عتصيون"، جنوبا، ومن شأن ضمها إحداث تغيير كبير في الميزان الديمغرافي في مدينة القدس لصالح المستوطنين اليهود.
وتعتبر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الشطر الشرقي من القدس، أراض محتلة، وتعتبر ضمها لدولة الاحتلال غير قانوني.