"نزع سلاح المقاومة".. إطفاء لجذوة القضية الفلسطينية

أثار شرط "نزع سلاح المقاومة"، الذي اقترحه الوسطاء المصريون لإتمام صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأعلنت عنه مؤخرًا حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، جدلًا واسعًا في الساحة السياسية والاجتماعية. وقد عبّر النشطاء عن رفضهم لهذا الشرط عبر وسم "#سلاحنا_مقاومتنا"، مؤكدين أنه يمثل خطوة لإنهاء ملف المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والسعي لاحتلال قطاع غزة، وتحقيق هزيمة شاملة للفلسطينيين.
وردّت حركة "حماس" على هذه المطالب، على لسان رئيس دائرة العلاقات الوطنية في الحركة، علي بركة، في حديث لـ"قدس برس"، بقوله: "شرط نزع سلاح المقاومة ليس إلا مطلبًا صهيونيًا أضافه الاحتلال الإسرائيلي كشرط تعجيزي، يؤكد عدم رغبته في وقف حرب الإبادة والتجويع والتهجير على القطاع"، مشددًا على "تمسك الحركة بسلاح المقاومة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ومقدساته".
وأشار بركة، إلى أن "حركة حماس تدرس كافة المبادرات على قاعدة الوقف الدائم للعدوان على غزة، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، ورفع الحصار، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وإبرام صفقة جادة لتبادل الأسرى".
ويرى محللون سياسيون، في ظل تأكيد المقاومة رفض أي مساس بسلاحها، أن هذا الشرط يُعدّ محاولة لمحاكمة المدنيين في غزة، لكونهم الحاضنة الشعبية للمقاومة. وتوضح أستاذة العلوم السياسية المختصة بالشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، في حديث لـ"قدس برس"، أن الاحتلال الإسرائيلي، من خلال هذا الشرط، يسعى إلى تجريم كافة الغزيين ومعاقبتهم على الصعيدين الدولي والفلسطيني، بهدف إبعادهم عن الحدود الجغرافية الفلسطينية المعروفة تاريخيًا، والقضاء على المقاومة.
كيف للمقاومة أن تضع سلاحها؟
تتساءل جبر، عن آلية تنفيذ شرط نزع سلاح المقاومة في ظل الانقسام الفصائلي الفلسطيني، وعدم وجود لجنة إسناد وطنية فلسطينية شاملة، قائلة: "هل سيتم تسليم الملف إلى جهة دولية، أم إلى القوى التي ساهمت في تدمير قطاع غزة، كما حدث في تجربة نزع سلاح حزب الله اللبناني؟".
وبيّنت جبر، أن "ذلك يعني تسليم رقبة فلسطين للاحتلال الإسرائيلي، الذي وضع منذ اليوم الأول للحرب على غزة أربعة أهداف رئيسية، أبرزها تفكيك سلاح المقاومة وإزاحته من خارطة العملين العسكري والسياسي"، مستغربةً من "تركيز الاحتلال على سلاح المقاومة وكأنه يحمل أسلحة محرّمة دوليًا، بينما هو من ألقى آلاف الأطنان من الذخيرة على القطاع".
وفي السياق ذاته، يؤكد المحلل السياسي حازم عيّاد، في حديث لـ"قدس برس"، أن "شرط نزع السلاح، الذي يصر عليه الاحتلال، لا يرتبط بحجم السلاح أو نوعه، بل بقيمته الرمزية التي تعبّر عن رفض وجود الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وعدم الانصياع لأوامره"، مشيرًا إلى أن "الاحتلال يسعى للهيمنة على مستقبل ومصير الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية".
ويرى عيّاد، أن "هذا الشرط يأتي في سياق الأزمة الداخلية التي يعيشها الكيان المحتل، ومحاولة نتنياهو رفع سقف الأهداف لإضفاء شرعية على استمرار الحرب على غزة، وأن ما لم يحققه في الميدان، يسعى لتحقيقه عبر السياسة والتفاوض، لإدراكه بعدم إمكانية مواصلة هذه الحرب طويلًا، وبالتالي يريد حسم هذا الملف ووضعه على طاولة المفاوضات كورقة ضغط على المقاومة في المرحلة المقبلة أو ما بعد الحرب".
من جانبها، تؤكد جبر، أن "فكرة تحرير الأراضي الفلسطينية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر المقاومة المسلحة، وليس عبر التنازلات والمفاوضات التي لم تسفر سوى عن اتساع المشروع الصهيوني"، مشددةً على أن "المقاومة الفلسطينية لا يمكن أن تقبل أي تخفيف عن المدنيين إلا بما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني أولًا، إذ إن أي تنازل في هذه المرحلة يمثل ضربة قاصمة للقضية الفلسطينية".
وترى جبر، أن "المقاومة الفلسطينية، التي أجبرت الولايات المتحدة والاحتلال على التفاوض، قادرة على الحفاظ على مكانتها وسلاحها في قطاع غزة، حتى وإن تنحّت حركة حماس سياسيًا لصالح حكومة تكنوقراط فلسطينية، بهدف وقف نزيف الدم المدني"، مؤكدة "استحالة مواجهة الاحتلال إلا من خلال وحدة وطنية وصحوة فلسطينية شاملة".
ماذا لو وافقت حماس على شرط نزع السلاح؟
ورغم استبعادها لذلك، تقول جبر، إن الموافقة على شرط نزع السلاح تُعدّ بمثابة استسلام وتسليم ، وأن عام 2025 سيكون "عام يهودا والسامرة"، كما يدّعي الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني "انتهاء القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، وانكسار شوكة المقاومة وهيبة القضية الفلسطينية".
ويذهب عيّاد، إلى ما ذهبت إليه جبر، مضيفًا أن "استسلام المقاومة يعني تكرار ما حدث في بيروت، وخروج المقاومة بالكامل من قطاع غزة، وهو ما سيمنح الاحتلال تحكمًا مطلقًا بمصير القطاع وسكانه، ويفتح الباب أمام تنفيذ المشروع الاستيطاني وتهجير الفلسطينيين".
ويؤكد عيّاد أن "استسلام المقاومة سيكون له ارتدادات في الضفة الغربية والجوار العربي، لأن الاحتلال سيواصل تغوّله في المنطقة"، مضيفًا أن "المعوق الأساسي أمام المشروع الاستيطاني للاحتلال هو سلاح المقاومة".
ويختتم بالتأكيد على أن "التنازل عن السلاح ليس مطروحًا في قاموس المقاومة، لأنه لا يعني فقط هزيمتها، بل هزيمة الشعب الفلسطيني بأكمله".