اعتقال قياديين في "الجهاد الإسلامي" بدمشق يفتح باب التساؤلات حول مستقبل علاقة سوريا بالفصائل الفلسطينية

شهدت العاصمة السورية دمشق، أمس الثلاثاء، صمتاً رسمياً لافتاً عقب تداول أنباء عن قيام السلطات السورية باعتقال قياديين بارزين في حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، هما خالد خالد، المسؤول العام للحركة في سوريا، وياسر أبو علي الزفري، مسؤول اللجنة التنظيمية.
ووفقاً لمصادر متطابقة، فإن عملية الاعتقال جرت خلال الأيام الماضية، في ظل غياب أي توضيحات رسمية من الجانب السوري بشأن أسباب الخطوة.
في المقابل، أعربت "سرايا القدس"، الجناح العسكري للحركة، عن استيائها من أسلوب الاعتقال، مشيرةً في بيان لها إلى أن القياديين المعتقلين لعبا أدواراً محورية في دعم القضية الفلسطينية وتقديم الإغاثة للاجئين الفلسطينيين خلال سنوات الحرب السورية، مطالبة بالإفراج الفوري عنهما. وأكدت أن "سلاح الجهاد الإسلامي لم يُوجَّه يوماً إلا نحو الاحتلال الإسرائيلي".
ونفت مصادر فلسطينية مطّلعة أن يكون للاعتقال أي علاقة بنشاط أمني أو عسكري داخل الأراضي السورية، مؤكدةً أن عمل "الجهاد الإسلامي" يقتصر على الجانب الإنساني والإعلامي.
كما استبعدت هذه المصادر أن يكون الاعتقال مرتبطاً بزيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأخيرة إلى دمشق، أو نتيجة لضغوط أميركية على النظام السوري، تتضمن شروطاً من بينها إبعاد الفصائل الفلسطينية عن الأراضي السورية.
تحليلات متباينة ومحاولات لفهم الدوافع
وبحسب رصد لـ "قدس برس" فقد أثارت عملية الاعتقال جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وأطلقت موجة من التحليلات والتفسيرات بين المراقبين والمحللين السياسيين في سوريا.
المحلل السياسي محمد جزار اعتبر أن ما جرى قد يُشكّل بداية لتحول في علاقة دمشق مع الفصائل الفلسطينية، لا سيما في ظل محاولات النظام السوري التخفيف من وطأة العقوبات الغربية، ما قد يدفعه إلى تبني سياسات أكثر تحفظاً تجاه هذه الفصائل.
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل محمد هويدي أن هذا التطور لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع، مرجّحاً أن يكون جزءاً من محاولات النظام السوري تقديم "قرابين سياسية" بهدف إظهار حسن النية تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيراً إلى أن التضييق على الفصائل يُعدّ من الشروط الأقل كلفة مقارنة بملفات أعقد، كإخراج المقاتلين الأجانب من البلاد.
أما الأكاديمي السوري محمد نفيسة، فقد لفت إلى تسريبات تتحدث عن مطالب أميركية تشمل طرد نشطاء حركتَي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ومنع أي نشاط فلسطيني معادٍ لإسرائيل من الأراضي السورية. واقترح نفيسة أن تُقدم دمشق على إصدار قانون يمنع استخدام أراضيها لتنفيذ أجندات خارجية، بالتزامن مع منح الفلسطينيين المقيمين في سوريا حقوقاً مدنية كاملة مقابل التزامهم بسياسة الدولة.
وفي السياق ذاته، أبدى الكاتب السوري حسام أبو حامد استغرابه من التوقيت، مشيراً إلى أن حركة "الجهاد الإسلامي" لم تُدان النظام السوري علناً، ولم تشارك في القتال إلى جانبه كما فعلت بعض الفصائل الأخرى. واعتبر أن وجود الحركة في دمشق، رغم ارتباطها العلني بإيران، ظل قائماً، ما يُثير تساؤلات إضافية حول الدوافع الحقيقية للاعتقال، خاصة في ظل ما يُتداول عن شروط أميركية لتحسين العلاقة مع دمشق.
سابقة أولى من نوعها
وتُعدّ هذه الحادثة الأولى من نوعها التي تُقدِم فيها السلطات السورية على اعتقال قياديين في حركة "الجهاد الإسلامي" أو في أي فصيل فلسطيني، منذ سقوط النظام في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وتُعتبر الحركة من بين القلة التي استمرت في التواجد داخل سوريا بعد اندلاع الأزمة، دون الانخراط في الصراع أو الاصطفاف العلني إلى جانب النظام، على عكس بعض الفصائل الأخرى.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن حركة "الجهاد الإسلامي" حافظت، منذ تأسيس وجودها في سوريا عام 1994 بقيادة الدكتور فتحي الشقاقي، على طابع إعلامي وخدمي، دون الانخراط في أنشطة عسكرية داخل الأراضي السورية. وذكرت المصادر أن المعتقلَين، خالد خالد وياسر الزفري، يُعدّان من الكوادر المتقدمة في صفوف الحركة، وإن لم يكونا من أعضاء الصف القيادي الأول، ويتمتعان بسيرة نضالية ومناقبية مشهودة.
غموض في المصير... وتساؤلات حول المستقبل
يبقى مصير القياديين المعتقلين مجهولاً حتى اللحظة، وسط صمت رسمي سوري وتكهنات سياسية متزايدة بشأن طبيعة العلاقة المستقبلية بين دمشق والفصائل الفلسطينية، في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.