يوم الأسير… ذكرى مختلفة على وقع "الإخفاء القسري" في غزة (بورتريه)

كل أسير فلسطيني حكاية، وكل حكاية ذكرى تحمل بين دفتيها آلام ودموعاً واشتياقاً وندوب تركت آثارها في قلب وروح كل فلسطيني وفلسطينية.
 
ولأن فلسطين أرض الحكايات والذكريات، فقد أتقن الفلسطينيون، على غير المألوف عند باقي شعوب الأرض، تحويل معاناتهم وجراحهم ودموعهم ودمائهم إلى ذكريات وأيام وطنية يحتفلون بها كل عام.
 
الأجندة الفلسطينية مليئة حتى حوافها بالأيام الوطنية وبالأحداث، حتى إنه لا يمر يوماً، دون أن تكون فيه ذكرى لشهيد أو مجزرة أو حدث تاريخي مفصلي أو حتى ذكرى لرحيل شاعر أو مفكر أو مناضل.
 
وقد يحتفلون بمناسبة أو ذكرى دون سبب محدد، فقط احتفاء برموزهم، كما أطلقوا عام 1974 الاحتفال بيوم الأسير الفلسطيني ليكون في 17 نيسان/ أبريل من كل عام. واختير هذا التاريخ، للاحتفال بيوم الأسير، كونه شهد إطلاق سراح أول أسير فلسطيني هو محمود بكر حجازي بعد تنفيذه عملية فدائية بالقدس المحتلة عام 1965، في أول عملية لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.
 
وأقرت القمة العربية التي عقدت في العاصمة السورية دمشق عام 2008، اعتماد هذا اليوم من كل عام للاحتفاء به في الدول العربية كافة، تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في المعتقلات الإسرائيلية.
 
وهذا العام يبدو "يوم الأسير الفلسطيني" مختلفا عن باقي السنوات وبكمية مرارة زائدة عن القدرة على التحمل مع فتح ملف "أسرى غزة" الذين يزيد عددهم عن 5 آلاف لا يعرف مصيرهم حيث يحتجزون في معتقلات نازية سرية تمارس فيها كل الفظاعات والجرائم ضد مدنيين اختارهم الاحتلال عشوائيا بهدف التنكيل والانتقام وتدمير المعنويان.
 
لا يوجد بيت فلسطيني لم يدخل أحد أبنائه أو بناته سجون ومعتقلات العدو الصهيوني منذ بدء الصراع، حتى وصل العدد إلى أكثر من مليون فلسطيني اعتقلوا منذ عام 1967 وحتى اليوم، من بينهم أكثر من 16 ألف سيدة وفتاة وطفلة.
 
أي أن أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني دخلوا السجون الإسرائيلية على مدار سنين الصراع التي وصلت إلى 76 عاما.
 
ويبلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليا أكثر من 9500 معتقل، منهم 80 معتقلة، وأكثر من 200 طفل موزعين على سجون: "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"، وهذا لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة (الإخفاء القسري).
 
ونتيجة للإهمال الطبي والتعذيب والعزل الانفرادي، فقد قدمت الحركة الأسيرة، 252 شهيدا بين الأسرى منذ عام 1967، وهذا لا يشمل كافة شهداء الحركة الأسيرة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مع استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، فيما يبلغ عدد الشهداء المعتقلين المحتجزة جثامينهم 27 شهيدا، أقدمهم الشهيد أنيس دولة المحتجز جثمانه منذ عام 1980.
 
وفي إطار اتفاق الهدنة بين الاحتلال والمقاومة الذي تم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى الإفراج عن 240 أسيرا وأسيرة في 7 دفعات تبادل، ولاحقا أعاد الاحتلال اعتقال 15 منهم أفرج عن أسيرين، وأبقى على اعتقال 13، من بينهم 5 أطفال، وأربع أسيرات.
 
وتفيد الوقائع وشهادات المعتقلين بأن جميع الذين مروا بتجربة الاحتجاز أو الاعتقال تعرضوا لأحد أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، والإيذاء المعنوي والإهانة أمام الجمهور أو أفراد العائلة، فيما الغالبية منهم تعرضوا لأكثر من شكل من أشكال التعذيب. التي تجاوزت كل الأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية، وفي مقدمتها "القانون الإنساني الدولي"، و"اتفاقية جنيف الرابعة"، و"مبادئ حقوق الإنسان"، و"النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
 
ومن قصص أقبية السجون يأتي الاعتقال والتوقيف الإداري؛ إذ يوجد في سجون الاحتلال ما يقارب 3484 معتقلا، بينهم أطفال ونساء بلا محاكمة وبلا تهمة، يحتجزهم الاحتلال دون محاكمة ودون إعطائهم أو محاميهم أي مجال للدفاع؛ بسبب عدم وجود "أدلة إدانة"، وتستند قرارات الاعتقال الإداري إلى ما يسمى "الملف السري" الذي تقدمه أجهزة مخابرات الاحتلال، وهو قانون يعود إلى أيام الانتداب (الاحتلال) البريطاني على فلسطين.
 
حكاية الأسرى الفلسطينيين هي حكاية فلسطين بأكملها، فالشعب العربي الفلسطيني يعيش في الواقع في سجن كبير، لكن بلا جدران وقضبان، فغالبية القرى والمدن الفلسطينية محاطة بجدار الفصل العنصري وبنقاط التفتيش وبالحواجز العسكرية، وبالمستوطنين الصهاينة الذين يمارسون كل أنواع البلطجة والقتل والتدمير بحق القرى الفلسطينية.
 
وأكبر نموذج لهذا النمط من السجون المفتوحة، قطاع غزة الذي تحول إلى أكبر معتقل مفتوح على وجه الأرض بعد إغلاق جميع المعابر ومنع دخول أية بضائع أو خروج ودخول سكانه إلا بشروط وضمن الحد الأدنى، وذلك منذ عام 2006 وحتى اليوم.
 
الشريط الضيق الذي يشغل المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، ويمتد على مساحة 360 كيلومترا مربعا، ويسكنه نحو 3 ملايين نسمة، هو سجن فعلي، لأن لا أحد يستطيع مغادرة القطاع، دون أن يمر عبر 6 معابر، تسيطر مصر على معبر واحد هو معبر رفح الذي يربط القطاع بمصر، والخمسة الباقية تربط القطاع بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ويسيطر عليها الاحتلال.
 
لقد فتحت عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ملف المعاناة الفلسطينية على اتساع المشهد، فالدمار ورائحة الموت والدماء في كل زاوية من قطاع غزة، ولأول مرة في التاريخ تمارس عملية إبادة جماعية بحق شعب على الهواء مباشرة، وعلى مرأى من العالم، دون أن يبدي العالم أية ردود فعل وكأن ضميره في سبات عميق.
 
وستفتح غزة الذاكرة الفلسطينية على مئات الذكريات وستفيض بالدموع، لكنها في الجهة المعاكسة ستقف بزهو وفخر، وهي ترى رجال المقاومة يذلون ويقهرون "الجيش الذي لا يقهر" ويكشفون مدى هشاشة دولة الاحتلال وبأن بقاءها مرهون ومربوط بالولايات المتحدة، وأيضا يسقطون الأقنعة عن الوجوه المزيفة في العالم العربي والإسلامي والعالم أجمع.
وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الأمم المتحدة تحذر من خطر القنابل غير المنفجرة جراء عدوان الاحتلال على غزة
أبريل 30, 2024
حذرت الأمم المتحدة من أن غزة تمر بـ"أخطر مرحلة" لوجود كميات كبيرة فيها من القنابل غير المنفجرة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع. وأفاد بذلك مدير البرنامج الأممي لأعمال الألغام في فلسطين مونغو بيرتش، خلال الاجتماع الـ 27 لمديري أنشطة الألغام ومستشاري الأمم المتحدة الذي عقد في جنيف، أمس الاثنين. وأشار بيرتش إلى أن معظم
أعضاء في الكونغرس الأمريكي يحذرون "العدل الدولية" من إدانة المسؤولين الإسرائيليين
أبريل 30, 2024
هدد أعضاء في الكونغرس الأمريكي عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري محكمة العدل الدولية "بإجراءات انتقامية" في حال إصدارها مذكرات اعتقال ضد "مسؤولين إسرائيليين" كبار. وأفاد موقع /أكسيوس/ الأمريكي: أن "رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس النواب الأمريكي مايكل ماككول (الجمهوري عن ولاية تكساس) قال  في حديث للموقع إنه ينتظر نسخة مجلس النواب لمشروع قانون السيناتور توم كوتون
طلبة جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني بالجامعة
أبريل 30, 2024
أقدم طلبة جامعة "بيرزيت" قرب رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، على طرد السفير الألماني من المتحف الفلسطيني في الجامعة، احتجاجا على موقف ألمانيا من العدوان على غزة. وأظهرت مقاطع فيديو، لحظة خروج السفير الألماني في الأراضي المحتلة، ومطاردته من قبل عدد من الطلبة. وغادر السفير ومرافقوه حرم الجامعة مسرعين خوفا من اعتداء الطلبة عليهم. وتواصل
أكثر من 50 أكاديميا أمريكيا ينتقدون تغطية "نيويورك تايمز" لأحداث 7 أكتوبر
أبريل 30, 2024
دعا أكثر من 50 أكاديميا في كليات الإعلام بالجامعات الأمريكية، صحيفة "نيويورك تايمز" إلى إعادة النظر فيما نشرته من أنباء تزعم قيام عناصر حركة "حماس" "باعتداء جنسي" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبحسب صحيفة /واشنطن بوست/ الأمريكية، فإن أكثر من 50 أستاذاً يعملون في مؤسسات التعليم العالي المشهورة في مجال الإعلام، مثل جامعات نيويورك
الصحة بغزة: (47) شهيدا خلال 24 ساعة وارتفاع حصيلة العدوان إلى (34,535) شهيدا
أبريل 30, 2024
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خمس مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، وصل منها للمستشفيات (47) شهيدا، و (61) إصابة خلال الـ 24 ساعة الماضية. وأفادت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الثلاثاء: بارتفاع "حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى (34٫535) شهيدا، و (77٫704) إصابة منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي.
تقرير إسرائيلي: تصاعد المقاطعة الأكاديمية للاحتلال منذ 7 أكتوبر
أبريل 30, 2024
كشفت تقارير عبرية، عن تصاعد كبير في المقاطعة الدولية للأكاديميين والباحثين الإسرائيليين منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي. وأشار تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا الإسرائيلية، إلى انخفاض حاد في استعداد الباحثين الأكاديميين من بعض الدول الأوروبية للتعاون مع نظرائهم الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر. ومن بين الدول التي تقود المقاطعة: النرويج والدنمارك